الضحك فى السُّنة النبوية
يعتقد البعضُ أن الضحكَ قرينُ اللهو والمجون ، وأنه مذمومٌ شرعاً بحكم الحديث الشريف : كثرة الضحك تميت القلب .. وتلك حُجَّةٌ واهية ، إذ أنَّ الضحكَ لا يقترن بالضرورة بالمجون ، وإنما يقترن دوماً بالصحة النفسية ، فالذى لا يعرف الضحك يعانى من اختلالٍ ما فى صحته النفسية . وليس صحيحاً ما يقال من الحجج الشرعية فى ذمِّ الضحك ، وإلا فكيف نقبل تلك الأخبار النبوية التى تروى أن النبى ( ضحك فى بعض المواقف حتى بدت نواجذه ، وأنه ( كان كثيرَ التبسُّم داعياً للبشاشة .. وفى حياة الصحابة والتابعين الكثير من المواقف الطريفة التى تجسِّد الفكاهةَ والمرحَ (ومع ذلك يصرُّ التليفزيون على تقديم المسلسلات الدينية مثقلةً بالغمِّ والحزن !) .
أما الحديث الشريف (كثرةُ الضحك تُميت القلبَ) فإنَّ فَهْمَ الناس له غير صحيح .. فقد فهموه بدلالة المخالفة (إذا كانت كثرة الضحك تميت القلب فإن قِلَّةَ الضحك تُحيى القلب) وهذا فهٌم غير مستقيمٍ ولا سندَ له فى الحقيقة ، بل الفهم الذى يستقيم مع النظرة الوسطية للإسلام ، هو (كثرة الضحك تميت القلب وقلة الضحك تميت القلب ، فحياة القلب فى الاعتدال) والاعتدالُ والوسطيةُ هما روحُ الشريعة الإسلامية .. وهكذا يمكن أن نفهم هذا الحديث إن صحَّ إسناده ولم يكن من الإسرائيليات وإذا كان (الغَمّ) هو أحد ملامحِ الفكر اليهودى - وقد ورد فى التوراة : من ازداد علماً فقد ازداد غَمّاً - فإن الاعتدال الإنسانىَّ هو أحدُ ملامحِ الفكر الإسلامى ، ومن مظاهر الاعتدال والإنسانية : التبسم والضحك .
و الإمام السيوطى (جلال الدين أبى الفضل عبد الرحمن بن أبى بكر بن محمد، المتوفَّى 911هجرية) واحدٌ من أشهر أعلام الإسلام ، تزيد مؤلَّفاته على خمسمائة كتاب ورسالة ، تغطِّى العديدَ من فروع الثقافة الإسلامية .. ومن هذه الفروع عِلمُ الحديث النبوى - أحد العلوم الركيزية فى الفكر الإسلامى- فقد كان السيوطى من كبار المحدِّثين فى تاريخ الإسلام ، وله فى الحديث كتابان مشهوران: الجامع الصغير فى أحاديث البشير النذير ، والجامع الكبير . وفى الكتابين يروى السيوطى الأحاديث الآتية :
* ضَحِكَ الله من رجلين قتل أحدُهما صاحبه وكلاهما فى الجنة !
* ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب .
* ضحكتُ من قومٍ يساقون إلى الجنة مقرنين فى الســلاسل .
* ضحكتُ من أُناس يأتونكم من قبل المشرق يساقون إلى الجنة وهم كارهون .
أما الحديث الذى ورد فيه أن رسولَ الله( (ضحك حتى بدت نواجذه) فقد أخرجه البخارى بثلاث روايات وأبو داود براويتين والترمذى برواية واحدة وابن ماجه بروايتين وابن حنبل بستة روايات !
وفى (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوى) الذى وضعه المستشرق فنسنك ونشرته مطبعة بريل فى مدينة ليدن الهولندية - يقع فى سبعة مجلدات كبيرة - وردت لفظة الضحك ومشتقاتها قرابة مائتين مرة ..نذكر منها المقتطفات التالية :
* ضحك اللهُ الليلة وعَجِب من فِعالكما .
* ضَحِكَ رسولُ الله ( فقلنا ما يضحكك ؟
* إذْ ضحك فقال : ألا تسألونى ما يضحكك ..
* فالتفت إليه رسول الله ( ثم ضحك ..
* ثلاثةٌ يضحك الله إليهم ..
* قضى رسول الله ( صلاته وجلس على المنبر وهو يضحك .
* قال : تضحكُ منىِّ يارسول الله ..
* فقال ( ممَّ تضحكون ..
* فقال ( ألا تسألونى مما أضحك ..
* فتبسَّم رسول الله( ضاحكاً ..
* ما يضحكك يارسول الله ..
* وكان نعيمان (أحد الصحابة) رجلاً مضحاكاً مَزَّاحاً .