من المقصود بهذه الآية "فبهت الذي كفر"؟



0      0

2 2 إجابتين
صورة المستخدم

Chaima

مشترك منذ : 24-01-2012
المستوى : مساهم
مجموع الإجابات : 1279
مجموع النقاط : 1143 نقطة
النقاط الشهرية : 0 نقطة

Chaima
منذ 12 سنة

مناظرة إبراهيم -عليه السلام- للنمرود)
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الله -تبارك وتعالى- له الأسماء الحسنى، والصفات العلى؛ ومن هذه الصفات التي تفرد بها: الخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، والملك، والتدبير، وسائر ما يختص به من أفعال..
وقد قص الله -عز وجل- علينا في كتابه الكريم قصة طاغية ادعى بعض خصائص الربوبية فأهلكه الله؛ هذا الطاغية كما في بعض الروايات "النمرود بن كنعان" فإنه ادعى أنه قادر على إحياء الموتى مضاهيا بذلك رب العزة والجلال، فما كان من نبي الله إبراهيم -عليه السلام- إلا ناظره؛ فطلب منه فعلا آخر من أفعال الرب -جل جلاله-، وهو تسيير الشمس من المشرق إلى المغرب، فعجز، وبهت، ولم يستطع إلى ذلك سبيلاً؛ يقول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ سورة البقرة(258)..
شرح الآية:
لما ذكر الله -تعالى- ولايته لأوليائه، وأنه مؤيدهم وناصرهم ومخرجهم من الظلمات إلى النور؛ ذكر مثالاً لذلك، وهو محاجة النمرود لإِبراهيم-عليه السلام- فقال تعالى مخاطباً رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم-: أَلَمْ تَرَ أي ألم تنظر نظر قلب؛ لأنه لم يدرك زمنه حتى يراه بعينه.. إِلَى الَّذِي حَاجَّ أي جادل وناظر إِبْرَاهِيمَ يقال أن هذا المجادل والمناظر هو ملك بابل نمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح، ويقال: نمرود بن فالخ بن عبار بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، ولا يهمنا معرفة اسمه؛ وإنما الذي يهمنا القصة..
وقد كان سبب المناظرة والمجادلة أن هذا الكافر أنكر ربوبية الله، وأنه متصف ومختص ببعض صفات وخصائص الرب، ومن ذلك الإحياء والإماتة؛ فجادل إبراهيم: فِي رَبِّهِ أي في وجوده، وفي ألوهيته؛ فإبراهيم يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له؛ وهذا ينكر الله رأساً؛ كما أنكره من بعده فرعون حيث قال لملئه: مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي سورة القصص(38)..
وقد حمله على ذلك: أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ فإنه لما آتاه الله ملكاً دام مدة طويلة، وملك أراضي واسعة ملكاً تاماً لا ينازعه أحد؛ استطال -والعياذ بالله-، واستكبر، وعلا، وأنكر وجود العلي الأعلى، فكان يحاج إبراهيم لطغيانه بأن آتاه الله الملك؛ وقد قال الله -سبحانه وتعالى-: كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى سورة العلق(6)(7)؛ إذا رأى الإنسان نفسه استغنى فقد يطغى، ويزيد عتوه، وعناده..
ولكنه لم يقتنع ولم يرتدع فما كان من إبراهيم -عليه السلام- إلا أن قال له مثبتاً له ربوبية الله وألوهيته وحدده لا شريك له: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ؛ كما حكى الله عنه ذلك؛ وهذا بيان المحاجة فإنه يُعلم من خلال سياق اللفظ أنها جواب لسؤال؛ كأنه قال: ما ربك؟ أو: من هو؟ أو: ما شأنه؟ أو: ما فعله؟ فقال: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ؛ كما قال فرعون لموسى: وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ* قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ سورة الشعراء(23)(24)..
ومعنى قوله: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ أي هو المنفرد بأنواع التصرف، وخص منه الإحياء والإماتة لكونهما أعظم أنواع التدابير، ولأن الإحياء مبدأ الحياة الدنيا والإماتة مبدأ ما يكون في الآخرة، فقال ذلك المحاج: قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ولم يقل أنا الذي أحيي وأميت، لأنه لم يدع الاستقلال بالتصرف، وإنما زعم أنه يفعل كفعل الله ويصنع صنعه، فزعم أنه يقتل شخصا فيكون قد أماته، ويستبقي شخصا فيكون قد أحياه، فلما رآه إبراهيم يغالط في مجادلته ويتكلم بشيء لا يصلح أن يكون شبهة فضلا عن كونه حجة، اطرد معه في الدليل فقال إبراهيم: قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ أي عيانا يقر به كل أحد حتى ذلك الكافر فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ وهذا إلزام له بطرد دليله إن كان صادقا في دعواه، فلما قال له أمرا لا قوة له في شبهة تشوش دليله، ولا قادحا يقدح في سبيله فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ أي تحير وأندهش ولم يحرِ جواباً، بل انقطعت حجته وسقطت شبهته، وهذه حالة المبطل المعاند الذي يريد أن يقاوم الحق ويغالبه، فإنه مغلوب مقهور، فلذلك قال تعالى: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ بل يبقيهم على كفرهم وضلالهم، وهم الذين اختاروا لأنفسهم ذلك، وإلا فلو كان قصدهم الحق والهداية لهداهم إليه ويسر لهم أسباب الوصول إليه.
قال مجاهد: وملك الدنيا مشارقها ومغاربها أربعة: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: سليمان بن داود وذو القرنين. والكافران: نمرود بن كنعان، وبختنصر. فالله أعلم.
قال ابن كثير: وقد ذكر السدي أن هذه المناظرة كانت بين إبراهيم ونمروذ بعد خروج إبراهيم من النار، ولم يكن اجتمع بالملك إلا في ذلك اليوم فجرت بينهما هذه المناظرة.
وروى عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم: أن النمروذ كان عنده طعام وكان الناس يغدون إليه للميرة، فوفد إبراهيم في جملة من وفد للميرة فكان بينهما هذه المناظرة، ولم يعط إبراهيم من الطعام كما أعطى الناس، بل خرج وليس معه شيء من الطعام، فلما قرب من أهله عمد إلى كثيب من التراب فملأ منه عدليه وقال: أشغل أهلي عني إذا قدمت عليهم، فلما قدم وضع رحاله وجاء فاتكأ فنام. فقامت امرأته سارة إلى العدلين فوجدتهما ملآنين طعامًا طيبًا فعملت منه طعاماً. فلما استيقظ إبراهيم وجد الذي قد أصلحوه فقال: أنى لكم هذا؟ قالت: من الذي جئت به. فعرف أنه رزق رزقهموه الله عز وجل. قال زيد بن أسلم: وبعث الله إلى ذلك الملك الجبار ملكاً يأمره بالإيمان بالله فأبى عليه، ثم دعاه الثانية فأبى، ثم الثالثة فأبى، وقال: اجمع جموعك وأجمع جموعي. فجمع النمروذ جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس، وأرسل الله عليهم بابا من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس، وسلطها الله عليهم فأكلت لحومهم ودماءهم وتركتهم عظاما بادية، ودخلت واحدة منها في منخري الملك فمكثت في منخريه أربعمائة سنة، عذبه الله بها فكان يضرب رأسه بالمرازب في هذه المدة كلها حتى أهلكه الله بها.
بعض فوائد الآية:
في هذه الآية فوائد كثيرة، فمن هذه الفوائد ما يلي:
1. في هذه الآية برهان قاطع على تفرد الرب بالخلق والتدبير، ويلزم من ذلك أن يفرد بالعبادة والإنابة والتوكل عليه في جميع الأحوال، قال ابن القيم -رحمه الله-: "وفي هذه المناظرة نكتة لطيفة جداً، وهي أن شرك العالم إنما هو مسند إلى عبادة الكواكب والقبور، ثم صورت الأصنام على صورها.. فتضمن الدليلان اللذان استدل بهما إبراهيم إبطال إلهية تلك جملة بأن الله وحده هو الذي يحيي ويميت، ولا يصلح الحي الذي يموت للإلهية لا في حال حياته ولا بعد موته، فإن له ربا قادرا قاهرا متصرفا فيه إحياء وإماتة، ومن كان كذلك فكيف يكون إلها حتى يتخذ الصنم على صورته ويعبد من دونه، وكذلك الكواكب أظهرها وأكبرها للحس هذه الشمس وهي مربوبة مدبرة مسخرة لا تصرف لها في نفسها بوجه ما، بل ربها وخالقها سبحانه يأتي بها من مشرقها فتنقاد لأمره ومشيئته فهي مربوبة مسخرة مدبرة لا إله يعبد من دون الله"1.
2. بيان كيف تصل الحال بالإنسان إلى هذا المبلغ الذي بلغه هذا الطاغية؛ وهو إنكار الحق لمن هو مختص به، وادعاؤه المشاركة؛ لقوله: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ.
3. أن المحاجة لإبطال الباطل، ولإحقاق الحق من مقامات الرسل؛ لقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ.
4. أن النعم قد تكون سبباً للطغيان؛ لأن هذا الرجل ما طغى وأنكر الخالق إلا لأن الله آتاه الملك؛ ولهذا أحياناً تكون الأمراض نعمة من الله على العبد؛ والفقر والمصائب تكون نعمة على العبد؛ لأن الإنسان إذا دام في نعمة، وفي رغد، وفي عيش هنيء فإنه ربما يطغى، وينسى الله -عز وجل-.
5. أن ملك الإنسان ليس ملكاً ذاتياً من عند نفسه؛ ولكنه معطى إياه؛ لقوله تعالى: أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ؛ وهذه الآية كقوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء سورة آل عمران(26).
6. فضيلة إبراهيم -عليه السلام-، حيث قال مفتخراً، ومعتزاً أمام هذا الطاغية: رَبِّيَ؛ فأضافه إلى نفسه، كأنه يفتخر بأن الله سبحانه وتعالى ربه.
7. أن الإحياء والإماتة بيد الله -عز وجل-؛ لقوله تعالى: يُحْيِي وَيُمِيتُ؛ إذاً فاعتمد على الله -عز وجل-، ولا تخف، ولا تقدر أسباباً وهمية.
8. أن الإنسان المجادل قد يكابر فيدعي ما يعلم يقيناً أنه لا يملكه؛ لقول الرجل الطاغية: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ؛ ومعلوم أن هذا إنما قاله في مضايقة المحاجة؛ والإنسان في مضايقة المحاجة ربما يلتزم أشياء لو رجع فيها إلى نفسه لعلم أنها غير صحيحة؛ لكن ضيق المناظرة أوجب له أن يقول هذا إنكاراً، أو إثباتاً.
9. إثبات أن من جحد الله فهو كافر؛ لقوله تعالى: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ؛ وهذه هي النكتة في الإظهار مقام الإضمار؛ لأجل أن نقول: كل من جادل كما جادل هذا الرجل فهو كافر.
10. أن من أخذ بالعدل كان حرياً بالهداية؛ لمفهوم المخالفة في قوله تعالى: وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ؛ فإذا كان الظالم لا يهديه الله، فصاحب العدل حري بأن يهديه الله -عز وجل-؛ فإن الإنسان الذي يريد الحق ويتبع الحق -والحق هو العدل- غالباً يُهدى، ويوفّق للهداية.
11. هذه الآية تدل على جواز تسمية الكافر ملكاً إذا آتاه الملك والعز والرفعة في الدنيا، وتدل على إثبات المناظرة والمجادلة وإقامة الحجة. وفى القرآن والسنة من هذا كثير لمن تأمله، قال الله تعالى: "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"، "إن عندكم من سلطان" أي من حجة.
وقد وصف خصومة إبراهيم عليه السلام قومه ورده عليهم في عبادة الأوثان كما في سورة "الأنبياء" وغيرها.
وقال في قصة نوح عليه السلام: "قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا" الآيات إلى قوله: "وأنا برئ مما تجرمون".
وكذلك مجادلة موسى مع فرعون إلى غير ذلك من الآي.
فهو كله تعليم من الله عز وجل السؤال والجواب والمجادلة في الدين، لأنه لا يظهر الفرق بين الحق والباطل إلا بظهور حجة الحق ودحض حجة الباطل.
وجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب وباهلهم بعد الحجة. وتحاج آدم وموسى فغلبه آدم بالحجة.
وتجادل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم السقيفة وتدافعوا وتقرروا وتناظروا حتى صدر الحق في أهله، وتناظروا بعد مبايعة أبى بكر في أهل الردة، إلى غير ذلك مما يكثر إيراده.
وفى قول الله عز وجل: "فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم" دليل على أن الاحتجاج بالعلم مباح شائع لمن تدبر.
قال المزني صاحب الشافعي: ومن حق المناظرة أن يراد بها الله عز وجل وأن يقبل منها ما تبين2.
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى وصحبه أجمعين.



صورة المستخدم

Madjid

مشترك منذ : 05-03-2012
المستوى : مساهم
مجموع الإجابات : 557
مجموع النقاط : 313 نقطة
النقاط الشهرية : 0 نقطة

Madjid
منذ 12 سنة

بهت أي دهش




قدم إجابة

الزوار شاهدوا أيضاً


ما هي أول صلاة صلاها النبي ؟

صلاة الظهر هي أول صلاة صلاها النبي.

اين نزل ادم وحواء عليهما السلام؟

بعد اخرج الله عز وجل ادم وحواء من الجنة ونزلا الى الارض اختلف الفقهاء عن مكان نزولهما لكن الرواية التي قد تكون أقرب للحقيقة هي أنّ سيدنا آدم عليه السلام هبط في الهند وكان معه الحجر الأسود وورقة من الج...

ما هي السورة التي لم تبتدأ بالبسملة ؟

سورة التوبة هي التي لم تبتدأ بالبسملة في القرآن .

ماهي السورة القرأنية التي نزلت بين مكة والمدينة؟

القصص

من اول من أرضعت الرسول محمد؟

كانت ثويبة أول من أرضعت النبي محمد بعد أمه، وأرضعت ثويبة مع النبي بلبن ابنها مسروح أيضاً حمزة عمّ النبي، وأبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي.