الوصف في الشعر العربي ( أبي نواس ) ( وصف الخمر )
أحبتي أعضاء ومشاهدو واحة الشعر البديع لمنتدانا الجميل سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
ترددت كثيرا في عرض هذا الموضوع لأبي نواس لما فيه من وصف لشيء حرمه الله عز وجل وأسأل الله أن يعافي منها كل مبتلى ،
ولكن أحبتي الكرام أنا أتناول هذه الأبيات من زاوية أدبية بحتة لاتنظر لتأكيد حب الخمر عياذا بالله انما لما تحمله الأبيات من قدرات شعرية هائلة لهذا الشاعر البارع ( أبي نواس ) فلا أستطيع تجاهل أعجابي الشديد بشعره ولما له من قدرة وإبداع على الوصف لكل شيء ،وعيبه الوحيد هو شعره الماجن في الخمر والجواري والغلمان وما إلى ذلك ، ونحن لا نعلم الغيب ونسأل الله أن يغفر لنا جميعا فكلنا ذوو خطأ وحسابه على من يعلم السر وأخفى (وأنوه هنا أن أبي نواس تاب أواخر أيامه وقال شعرا في التوبة والزهد والندم وأسأل الله أن يحسن ختامنا ويسترنا في الدنيا والآخرة )
أعتذر لكم إطالتي في تلك المقدمة إنما هي واجبة لإبراء الذمة تجاه محتوى القصيدة وتجاه قائلها (ولكم الحكم دائما )****
تمهيد
أبو نواس شاعر يحب السهر والسفر والصحبة ومتع الحياة وهو بارع في وصف كل شيء ، فهو شاعر متمكن جدا وسهل العبارات والكلمات ويحسن ببراعة فائقة جانب الوصف في الشعر
وهو في هذه الأبيات يصف لقاءه بأصحابه وما هم عليه من جاه وعظم شأن وبحثهم عن حانة لشرب الخمر وبعد ذلك وصفه للخمر،
وبصدق هذا الوصف ( بغض النظر عن أنها خمر ) هو أروع ما قرأت في مجال وصف شيء و لكم دائما الحكم
يقول أبي نواس
وفتية كمصابيح الدجى غرر
شم الأنوف من البيض المصاليتِ
صالوا على الدهر باللهو الذي وصلوا
فليس حبلهم منه بمبتوتِ
دان الزمان بأفلاك السعود لهم
وعاج يحنوا عليهم عاطف الليتِ
إذا بكافرة شمطاء قد برزت
في زي مختشع لله زميتِ
قالت من القوم قلنا قد علمتهم
من كل سمح بفرط الجود منعوت
حلوا بدارك مجتازين فاغتنمي بذل الكرام
وقولي كيفما شيتِ
قالت فعندي الذي تبغون فانتظروا
عند الصباح فقلنا بل بها إيتِ
هي الصباح يجلي الليل صفوتها
إذا رمت بشرر كاليواقيتِ
رمي الملائكة الرصاد إذا رمت
بالنجم في الليل مراد العفاريتِ
************************************************** ****
واسمحو لي أن أتوقف هنا فالقصيدة طويلة ولكم شرح مبسط للأبيات
وفتية كمصابيح الدجى غرر ،شم الأنوف من البيض المصاليت ( أي فتية بيض الوجوه من سادة القوم ذوو حسب وأنفة )
صالوا على الدهر باللهو الذي وصلوا ، فليس حبلهم منه بمبتوت ( انهم تمردوا علي دهرهم باللهو الذي لاينقطع )
دان الزمان بأفلاك السعود لهم وعاج يحنوا عليهم عاطف الليت ( الزمان أعطاهم أسباب السعادة ويربت عليهم ويحنوا عليهم )
****** ثم يأتي لوصف رحلتهم في البحث عن حانة لاحتساء الخمر ( وكأنه يأخذ بيدك معه في الرحلة وكأنك معه ترى وتسمع وتشاهد أدق التفاصيل )****
إذا بكافرة شمطاء قد برزت ، في ذي مختشع لله زميت
( يقول أنهم وهم سائرون بحثا عن حانة ظهرت لهم امرأة كافرة ( يقصد ليست مسلمة ) ظهرت لهم في زي محتشم تكاد لا ترى منها شيئا بسبب أنهم ( أي غير المسلمين كانوا يتخفون ليمارسوا تجارتهم في بيع الخمور وما إلى ذلك مما هو ممنوع) فقد ظهرت لهم صاحبة الحانة في زي يشبه زي المغاربة المغطي للرأس المتصل بالثوب ( الزنط )
قالت من القوم ، قلنا قد علمتهم ، من كل سمح بفرط الجود منعوت
( أي سألت من القوم فقالوا لها كما ترين من السادة والمعروف عنهم الدفع بسخاء ( ليغريها بتقديم أفضل ما عندها من خمر )
قالت فعندي الذي تبغون فانتظروا عند الصباح ، فقلنا بل بها إيت ( قالت لهم عندي ماتريدون فانتظروا حتي الصباح فقالوا لها بسرعة بل هاتها )
**وتمعنوا واستمتعوا معي بهذا الوصف للخمر **
هي الصباح يجلي الليل صفوتها
إذا رمت بشرر كاليواقيت
رمي الملائكة الرصاد إذا رمت
بالنجم في الليل مراد العفاريت
( يقول هذا الشاعر الفذ الداهية : لا ننتظر للصباح فهي الصباح ( يقصد الخمر ) تجلي الليل بصفائها وشفافيتا إذا رمت بشررها الذي يشبه اليواقيت ( جمع الياقوته ) وهنا لاحظوا معي أنه شبه الخمر وكأنها تطلق شررا يشبه الألعاب الناريه الزاهية في أيامنا تلك ( وهذا سرعبقرية أبي نواس في الوصف وقدراته التقدمية غير التقليديه ) فكأس الخمر يشبه مثلا كأس البيبسي أو السفن الذي يطلق الرذاذ نتيجة الصودا ( مع الفارق في التشبيه ) فيدك يمكن أن تشعر بهذا الرذاذ اذا رحت لإلتقاط هذا الكأس .
وكأن هذا الرذاذ يطلق أضواءا و ألوانا تشبه اليواقيت وما أروع هذا اللفظ ( اليواقيت )
وهي في رميها لهذا الشرر تشبه الملائكة وهي ترمي العفاريت بالشهب وهي تحاول التسمع على أخبار السماء
وهنا العبقرية ( كأس الخمر تطلق الشرر لتبعد اليد التي تحاول الأمساك بها لاحتسائها مثل الملائكة التي تقذف العفاريت بالشهب لمنعها من التسمع على السماء ( يا الله على هذا الوصف والربط بين صورتين مختلفتين تماما )( الكأس تبعد اليد والملائكة تبعد العفاريت ) وطريقة الإبعاد ( الكأس تقذف بالرذاذ اللامع البراق المضيء والملائكة ترمي العفاريت بالشهب المضيء البراق أيضا )
ونقلنا بين الصورتين بسرعة البرق دون الاحساس بهذا الاختلاف بل أوصلنا للرابط بينهما بشكل مزهل
ولا أدري من أين أتى بهذه البراعة في التشبيه بين شيئين .
وفي النهايه أتمنى أن أكون قد وفقت في تبسيط هذا الوصف المبسط والبسيط والمعبر جدا والرائع لهذا الشاعر وسامحوني على اختيار هذا الوصف دون غيره فأنا معجب به جدا وأتمنى أن تتأكدوا أنني أبرئ زمتى من الخمر ووصفها وكل ما يتعلق بها وبالدعاية لها وليس لي من هذا الشعر سوى الصورة الشعرية وبراعة الوصف
رغم القدرة والاجادة
لكن علم شاعرنا ابو نؤاس ان الندم غير كافي على ما اقترف من قول
هي الصباح يجلي الليل صفوتها
إذا رمت بشرر كاليواقيت
رمي الملائكة الرصاد إذا رمت
بالنجم في الليل مراد العفاريت
فهذا الكلام كلام غير لائق وان كان قائله شاعر
الم يفكر شاعرنا ان الله تعالى خلق الشهب من الوسائل الدفاعية ضد الشياطين
وان الله حرم الخمر لما فيه من مفاسد جمه
رغم ذلك غره شاعرنا طيب الكلام وزخرفه
ليكون لوحه جميله كلاميا وقبيحه معنويا
في الخلط مما عظم الله شأنه ومما حط الله من شأنه
وهذه نهاية من اطلق للسانه العنان خارج حدود انسانيته المحدودة بحدود
اكيد سندم بعد ان يتيقن ولكن كلامه اصبح دواوين
كراقصة اغرت الناس برقصها الماجن والمسجل على الاقراص وبين الشاشات
لو ارادت التوبه كيف تستطيع سحب جميع اعمالها المسجله من البيوت والمحطات
ومن بين ايدي المراهقين ............
والخطأ موجود لكل الناس لكن الجهر به يعتبر من باب الصلف والتحدي
قال صلى الله عليه وسلم ( كل امتي معافى الا المجاهرين )
المعنى واضح ارجو المعذرة للاطاله
سيدنا يوسف عليه السلام
عمر ال عوضه
- مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ المعروف بـ"مصطفى محمود"
- كاتب وطبيب وأديب
- ولد في 25 ديسمبر 1921 في شبين الكوم ـ منوفية
- ألّف مصطفى محمود 89 كتابًا، متعددة الموضوعات والمجالات فمنها...
علي الدوخي هو عازف بيانو سعودي
طه ايسو هو يوتيوبر و رحالة مغربي ، اشتهر برحلاته حول العالم و طريقته الجميلة في تقريب الأشياء للمتابعين .