ما هو الفرق بين العلم المادي والفلسفة؟



0      0

2
صورة المستخدم

Gemy Uwk

مشترك منذ : 13-08-2013
المستوى : مساهم
مجموع الإجابات : 12
مجموع النقاط : 2 نقطتين
النقاط الشهرية : 0 نقطة

Gemy Uwk
منذ 11 سنة

بين الفلسفة المثالية والواقعية
الفلسفة المثالية والواقعية
الجدل السوفسطائي والحوار السقراطي والمناظرات في نقد المسلمات من أشكال الثقافة التي انتشرت في بلاد اليونان فنشأت الكثير من الحركات الفكرية المتناقضة ولكن أهمها وأكبرها الفلسفة المثالية ثم الواقعية. الفلسفة المثالية (Idealism) ورائدها أفلاطون الذي يرى - مثل أستاذه سقراط (470 ق.م – 399 ق.م) - أن القيم والفضائل ثابتة لا تتغير وأن التربية يجب أن تعتني بالتأمل والخيال بينما ترى المدرسة الواقعية (Realism) - ورائدها أرسطو (384 ق.م – 322 ق.م) - أن العناية بالحواس أهم من التركيز على الخيال وتتفق مع المثالية في كون الفضائل ثابتة. لا شك أن النزعة المثالية متأصلة في جذور الفكر الهندي والصيني مما يعني أن المثالية لا تعني ميلاد مدرسة فكرية غير معروفة على الإطلاق قبل اليونان.


أعلت المدرسة الواقعية من شأن الحواس وأنزلت الفلسفة من سماء التأمل والُمثل إلى عالم الواقع والحواس وبذلك اتسعت ساحة المناهج التعليمية لأنها بدأت تشمل العلوم الفلكية والرياضية علاوة على العلوم الأدبية التقليدية. ترى المثالية طبيعة الإنسان على أنه يتكون من ثنائية الروح والجسد ولا بد من مراعاة هذه الثنائية لتنشئة الفرد بالشكل القويم. يجب أن تسمو التربية بالروح دون إهمال للجسم ولأن عالم المُثل هو غاية السمو الروحي فإن الفضائل حقائق مقبولة عالمياً والقيم الكبرى ثابتة لا تتبدل. يمثل الروح العالم اليقيني الأزلي أما عالم الجسد والمحسوسات فإنه عالم مؤقت خادع لذلك فإن الرقي الفكري خير من كسب المعاش. التأمل في عالم الروح مرحلة من مراحل الكمال.


قدمت الفلسفة المثالية للتعليم فكرة التوليد السقراطي الذي يقوم على إثارة العقل ودفعه للبحث الذاتي. \"كان سقراط يقول بأنه يحترف صناعة أمه، فهي قابلة تولد النساء وتشهد مخاض الأولاد، وهو يُولد النفوس ويشهد مخاض الأفكار\" (باقارش والآنسي، 1986، ص 15).

يهتم التعليم عند المثاليين بقضايا فلسفية تجريدية روحية كما أصبحت الطرق القديمة الرتيبة -القائمة على إعلاء شأن التفكير التجريدي وحفظ المعلومات- تحتل أوسع مساحة في المدارس.
أيَّد جون لوك (1632 – 1704 م) المدرسة الواقعية لأنها أعطت الفكر النقدي مجالا أوسع ولأنها ترى أن التجربة والواقع والحواس -لا المثال والتجريد- أساس المعرفة وأسلم طريق للحصول على العلم، والبحث فيه، والاستفادة منه. الطفل كما يرى لوك صفحة بيضاء تستقي سطورها من مداد تجارب الواقع. جاءت هذه الفلسفة لتؤكد على ضرورة دراسة الظواهر الطبيعية إلى جانب العناية بالرياضيات وسائر العلوم.

يعد القسيس جون آموس كومينوس (1592-1670 م) من رواد المدرسة الواقعية الحسية وهو فيلسوف تشيكي. كان كومينوس أول من ألف كتاباً مصوراً للأطفال سماه عالم المحسوسات المصورة، ولم يقتصر اهتمامه على الأطفال فقط إنما شمل به الأمهات، حيث أقام لهن مدرسة متخصصة لتثقيفهن (الهولي، والمسعد، 2002 م، ص 75). قبل أكثر من أربعمائة سنة قدَّم كومينوس عمله المنهجي المبتكر في عالم الطفل عندما ألَّف كتابا عن عالم المحسوسات المصورة ليجعل الصورة من أهم أساليب تعليم الطفل في المدارس مع التركيز على تعليم الطفل حقائق الحياة وقد استخدم في كتابه \"طريقة عرض الأشياء بدلاً من الكلمات والرموز وذلك بعرض الأشياء نفسها مصورة\" (شفشق، 1980 م، ص 222). ولا عجب أن يراه الباحثون كأول مؤسس للتربية الحديثة الخاصة بالطفل وأنه معلم الأمم. وإلى هذا اليوم يعتز الأوربيون بهذا العَلم لأنه اعتنى بالتربية العقلية والأخلاقية على حد سواء علاوة على أنه وضع منهجه الحسي في التدريس فأثَّر لعدة قرون في الفكر التربوي العالمي (Psenak. 1991). رغم أن حياته المضطربة كانت مليئة بالمحن والاضطهاد إلا أنه أسعد أطفال العالم بوسائله التعليمية.
رسخت الواقعية منهج التجريب والنقد العلمي والشك المنهجي وشجعت المتعلم على ملاحظة الظواهر الطبيعية بصورة منتظمة ونادت بإعمال العقل في التحليل واستغلال الحواس للتوصل للحقائق اليقينية. عكس الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (1596 – 1650م) جانباً من جوانب هذا المنهج في مقولته الشهيرة \"أنا أفكر، وإذن فأنا موجود\". لا يمكن الوصول للحقائق الدينية والدنيوية إلا من خلال منهج الشك. المنهج الشكي هو الطريق الصحيح لمعرفة وجود الله، ولمعرفة الحياة، ولمعرفة الحقيقة.

وهكذا لم تفرق هذه المدرسة بين عالم المثل والروح وبين عالم الجسد والواقع ولم تتوسع في التأمل العقلي كما فعل أفلاطون. من محامد الواقعية كحركة فكرية أنها اهتمت بالتربية المهنية ودعت إلى ضرورة ربط المناهج التعليمية بالمجريات اليومية والحاجيات الحياتية الفعلية.