بين الفلسفة المثالية والواقعية
الفلسفة المثالية والواقعية
الجدل السوفسطائي والحوار السقراطي والمناظرات في نقد المسلمات من أشكال الثقافة التي انتشرت في بلاد اليونان فنشأت الكثير من الحركات الفكرية المتناقضة ولكن أهمها وأكبرها الفلسفة المثالية ثم الواقعية. الفلسفة المثالية (Idealism) ورائدها أفلاطون الذي يرى - مثل أستاذه سقراط (470 ق.م – 399 ق.م) - أن القيم والفضائل ثابتة لا تتغير وأن التربية يجب أن تعتني بالتأمل والخيال بينما ترى المدرسة الواقعية (Realism) - ورائدها أرسطو (384 ق.م – 322 ق.م) - أن العناية بالحواس أهم من التركيز على الخيال وتتفق مع المثالية في كون الفضائل ثابتة. لا شك أن النزعة المثالية متأصلة في جذور الفكر الهندي والصيني مما يعني أن المثالية لا تعني ميلاد مدرسة فكرية غير معروفة على الإطلاق قبل اليونان.
أعلت المدرسة الواقعية من شأن الحواس وأنزلت الفلسفة من سماء التأمل والُمثل إلى عالم الواقع والحواس وبذلك اتسعت ساحة المناهج التعليمية لأنها بدأت تشمل العلوم الفلكية والرياضية علاوة على العلوم الأدبية التقليدية. ترى المثالية طبيعة الإنسان على أنه يتكون من ثنائية الروح والجسد ولا بد من مراعاة هذه الثنائية لتنشئة الفرد بالشكل القويم. يجب أن تسمو التربية بالروح دون إهمال للجسم ولأن عالم المُثل هو غاية السمو الروحي فإن الفضائل حقائق مقبولة عالمياً والقيم الكبرى ثابتة لا تتبدل. يمثل الروح العالم اليقيني الأزلي أما عالم الجسد والمحسوسات فإنه عالم مؤقت خادع لذلك فإن الرقي الفكري خير من كسب المعاش. التأمل في عالم الروح مرحلة من مراحل الكمال.
قدمت الفلسفة المثالية للتعليم فكرة التوليد السقراطي الذي يقوم على إثارة العقل ودفعه للبحث الذاتي. \"كان سقراط يقول بأنه يحترف صناعة أمه، فهي قابلة تولد النساء وتشهد مخاض الأولاد، وهو يُولد النفوس ويشهد مخاض الأفكار\" (باقارش والآنسي، 1986، ص 15).
يهتم التعليم عند المثاليين بقضايا فلسفية تجريدية روحية كما أصبحت الطرق القديمة الرتيبة -القائمة على إعلاء شأن التفكير التجريدي وحفظ المعلومات- تحتل أوسع مساحة في المدارس.
أيَّد جون لوك (1632 – 1704 م) المدرسة الواقعية لأنها أعطت الفكر النقدي مجالا أوسع ولأنها ترى أن التجربة والواقع والحواس -لا المثال والتجريد- أساس المعرفة وأسلم طريق للحصول على العلم، والبحث فيه، والاستفادة منه. الطفل كما يرى لوك صفحة بيضاء تستقي سطورها من مداد تجارب الواقع. جاءت هذه الفلسفة لتؤكد على ضرورة دراسة الظواهر الطبيعية إلى جانب العناية بالرياضيات وسائر العلوم.
يعد القسيس جون آموس كومينوس (1592-1670 م) من رواد المدرسة الواقعية الحسية وهو فيلسوف تشيكي. كان كومينوس أول من ألف كتاباً مصوراً للأطفال سماه عالم المحسوسات المصورة، ولم يقتصر اهتمامه على الأطفال فقط إنما شمل به الأمهات، حيث أقام لهن مدرسة متخصصة لتثقيفهن (الهولي، والمسعد، 2002 م، ص 75). قبل أكثر من أربعمائة سنة قدَّم كومينوس عمله المنهجي المبتكر في عالم الطفل عندما ألَّف كتابا عن عالم المحسوسات المصورة ليجعل الصورة من أهم أساليب تعليم الطفل في المدارس مع التركيز على تعليم الطفل حقائق الحياة وقد استخدم في كتابه \"طريقة عرض الأشياء بدلاً من الكلمات والرموز وذلك بعرض الأشياء نفسها مصورة\" (شفشق، 1980 م، ص 222). ولا عجب أن يراه الباحثون كأول مؤسس للتربية الحديثة الخاصة بالطفل وأنه معلم الأمم. وإلى هذا اليوم يعتز الأوربيون بهذا العَلم لأنه اعتنى بالتربية العقلية والأخلاقية على حد سواء علاوة على أنه وضع منهجه الحسي في التدريس فأثَّر لعدة قرون في الفكر التربوي العالمي (Psenak. 1991). رغم أن حياته المضطربة كانت مليئة بالمحن والاضطهاد إلا أنه أسعد أطفال العالم بوسائله التعليمية.
رسخت الواقعية منهج التجريب والنقد العلمي والشك المنهجي وشجعت المتعلم على ملاحظة الظواهر الطبيعية بصورة منتظمة ونادت بإعمال العقل في التحليل واستغلال الحواس للتوصل للحقائق اليقينية. عكس الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (1596 – 1650م) جانباً من جوانب هذا المنهج في مقولته الشهيرة \"أنا أفكر، وإذن فأنا موجود\". لا يمكن الوصول للحقائق الدينية والدنيوية إلا من خلال منهج الشك. المنهج الشكي هو الطريق الصحيح لمعرفة وجود الله، ولمعرفة الحياة، ولمعرفة الحقيقة.
وهكذا لم تفرق هذه المدرسة بين عالم المثل والروح وبين عالم الجسد والواقع ولم تتوسع في التأمل العقلي كما فعل أفلاطون. من محامد الواقعية كحركة فكرية أنها اهتمت بالتربية المهنية ودعت إلى ضرورة ربط المناهج التعليمية بالمجريات اليومية والحاجيات الحياتية الفعلية.
الكاتب . mustafaadnan
علي مقدّم-
لست بوارد أن أتحدث عن مفاهيم فلسفية صرفة لأثبت أن المادة تسبق الفكر أو العكس، لكنّي سأستعمل هذه المفاهيم لأوضّح أن الفلسفة تدخل في صلب حياتنا اليومية، من حيث ندري أو لا ندري، و يتجلّى ذلك من خلال مواقفنا السياسية و أرائنا في قضايا يومية نعتبرها \"روتينية\" و لا تخضع لأي بنية فكرية لديها طابع فلسفي و أيديولوجي واضح.
الفلسفة المادية
من المعروف بأن الفلسفة المادية، بمعناها العلمي و ليس بمعناها السطحي الميكانيكي، تعتمد على المنهجية العلمية لتفسير الظواهر، إن كان في الطبيعة أو في المجتمع البشري، بناءاً على ذلك، إنها تعترف بوجود حقيقة مطلقة، و المطلق هنا لا يعني الأبدي المتجرد عن الواقع و السابح في فضاء صافي لا يعترف بوجود عالم خارجي منفصل عنه، بل أعني بالمطلق أي الواقع الموضوعي.
عندما نتحدث عن واقع موضوعي، هذا يعني واقع منفصل بكينونته عن إدراكاتنا الحسية، فالحقيقة المطلقة هنا تعني التطابق التام مع الواقع بذاته.
طبعاً هذه الحقيقة المطلقة، هي مطلقة في ظروف مادية تحيطها، و عندما تتغير هذه الظروف ستتغير هذه الحقيقة، فمن أحشاء المطلق يخرج النسبي، و هذا ما كان يقصده لينين عندما قال : \"النسبي يكمن في المطلق\" و هذه الجدلية تُطَبق في كافة العلوم الطبيعية و في كافة المجتمعات البشرية، إنها جزء من ديالكتيك الطبيعة و صيرورتها.
الفلسفة المثالية
الفلسفة المثالية لا تعترف بوجود حقيقة مطلقة منفصلة عن الذات، إنها تعتبر أن تأثير إدراكاتنا الحسية على الخارج هو أمر حتمي، فإذاً لا يمكننا إدراك ما يُسمى بالواقع الموضوعي، لأنه غير موجود أصلاً، و إذا وُجِد فهو موجود في ذهننا و لا يمكن أن ينفصل عنه، فتنتفي بذلك موضوعية الواقع و ندخل في تناقضات الأفكار المجردة و علمية واقعنا اليومي و تصبح مفاهيم الصح و الخطأ ملتوية و غير واضحة، إلا إذا أتت كتشاريع وضعتها قوى مجردة، خارجة عن الطبيعة.
ماذا يعني كل هذا ؟ و ما علاقته في حياتنا اليومية و مواقفنا السياسية ؟
في المثالية
عندما نجعل من مفاهيم مثل الوطن و الحرية و الديمقراطية، عبارة عن أفكار مجردة عن الواقع الموضوعي، ندخل في متاهة تقديس هذه الشعارات و تأليهها، فيصبح الوطن خارج النقد، كالله، متربّع على عرشه، مترسّخ في وعينا، مترّفع عن الواقع، يخلق حالة إنفصامية أبعد ما تكون عن المنهجية العلمية.
تصبح معايير الصح و الخطأ غير محددة، و لا يمكن تحديدها أصلاً، إلا بتشاريع وضعها الوعي المطلق، إذا وُجد، و هذا يجعل من معايير الإستغلال و الظلم و القمع معايير نسبية لأنها مرتبطة بأذهاننا و طريقة تفكيرنا، ولا يوجد معيار موضوعي لها و يصبح وجودها أمر طبيعي فهذه هي طبيعة الإنسان!
تماماً كما يجب أن نتعايش مع النظام الطائفي في لبنان مثلاً، لأن لبنان كوطن يتحدد بحدود كرّسها الإستعمار، لا يمكن أن يكون نظامه مختلفاً، و نحن نقدّس الوطن، فلنقدّس النظام إذاً و رموزه، و إذا لم نقدّس النظام فلنعبر عن فاشيتنا بوجه كل \"غريب\" ولا سيما الفلسطيني و سلاحه الثوري، فالوطن هو الله و الله هو الوطن و لهم الأولوية.
في المادية
\"الحرية\" هي فكرة أنتجتها الضرورة التاريخية عندما بدأ الإنسان يتعرض للإستغلال عند نشوء المجتمعات الطبقية و \"الليبرالية\" هي أيضاً فكرة رسختها البرجوازية في أوروبا عندما كانت طبقة ثورية تريد تحطيم العلاقات الإنتاجية الإقطاعية، \"القمع\" أيضاً فكرة أنتجتها الأنظمة لتأبيد سيطرتها الطبقية.
الواقع هو الذي ينتج الأفكار، التي يمكن بدورها أن تكون حقائق مطلقة في ظروف معينة و من ثم تتغير بتغير التاريخ و حركته.
فحرية رؤوس الأموال في عصر الثورة الصناعية في أوروبا كان أمراً تقدمياً أنذاك، لكن في ظروفنا التاريخية الحالية أصبح مفهوم حرية رأس المال أمراً يجب إستئصاله من بعد أن دخل النظام الرأسمالي في طور أزمته تماماً كالليبرالية.
على صعيد أخر، لبنان لن ينعم بالإستقرار بوجود كيان صهيوني إلى جانبه، فهذا الكيان زُرِع في المنطقة من قِبَل الإستعمار ليُقسّم، هذه هي حقيقة مطلقة ضمن الظروف التاريخية التي ترافقت مع نشوء هذا الكيان و ما زالت حتى يومنا هذا. فالإلتحام بالقضية الفلسطينية هو الأولوية و ليست الحدود و المفاهيم اللزجة .. الأمر لا يحتمل المناقشة و تعدد وجهات النظر إنها حقائق موضوعية !
معايير الصح و الخطأ تتحدد من خلال قراءة علمية و منهجية للواقع و من خلال رؤية لعالم عادل ضمن ظروف إنسانية يجب إنتزاعها و فرضها بالقوة.
قمع المسحوقين و المهمشين لن يزول إلا بقمع الإستغلاليين و المائعين، هذه هي جدلية الواقع التي لا و لن نقدر أن نفهمه إلا من خلال أداة نظرية تعانقه لتثور عليه و على علاقاته الإنتاجية الإستغلالية.
بين الواقع بعلميتهِ و تعقيده و بين الظاهر بسطحيته و تشويهه، تأتي الفلسفة المثالية لتكرّس الظاهر بسذاجته و فاشيته و لتصب في مصلحة المسيطر و مفاهيمه المائعة و الملتوية.
يعتبر أفينزوار أبا الجراحة التجريبية لإدخال الطريقة التجريبية في التيسير. كان أول من استخدم التجارب على الحيوانات لتطوير الإجراءات الجراحية للمرضى من البشر
تعتبر القردة أكثر الحيوانا ذكاء .
ميكانيكا الكم أو الفِيقِيَاءُ (أصلها من فاق يفوق، لأنّها تبحث في عالم الظواهر فائق الصغر وفائق السرعة) هي مجموعة من النظريات الفيزيائية ظهرت في القرن العشرين، وذلك لتفسير الظواهر على مستوى الذرة والجس...
ارخميدس
وكالة ناسة هي وكالة الفضاء الرائدة للوكالات الأخرى حول العالم بعد تفكك الاتحاد السوفييتي. يعد الرئيس الأمريكي السابق دوايت أيزنهاور من مؤسسي الوكالة حيث تم تأسسيها سنة 1958 لكي تكون وكالة مدنية وليست...