الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ثم أما بعد 000
* الجزء الأول من السؤال : بالنسبة لما ذكره الأخ الكريم ( محمد و جاهل أو جاهد ) بخصوص أن الحسد أو العين عبارة عن سهم مسموم ونحو ذلك مما ذكره بعض جهابذة أهل العلم 0
حقيقة الأمر فإن تأثير وكيفية الإصابة بالعين أو الحسد أمر يتعلق بالنواحي الغيبية ، والحديث في ذلك لا بد أن يستند إلى النصوص النقلية الصريحة من الكتاب أو السنة ، والمُلاحِظ والباحث يرى أن النصوص النقلية الصريحة في الكتاب والسنة لم تبين كيفية الإصابة بالعين أو الحسد ، إنما النصوص تكلمت بشكل واضح عن الآثار المترتبة عن الإصابة بالعين والحسد ، وبعض أهل العلم ممن تحدث في ذلك كان بناء على اجتهاد خاص بخصوص هذا الموضوع 0
ومن هنا كان الأولى أن نقف دون الحديث في كيفية الإصابة بذاتها ، لأن الأصل عند الحديث في مسائل الغيب الاعتماد على النصوص النقلية الصريحة وهذا هو الأولى والاتقى والأسلم 0
يقول ابن منظور في تعريف العين : ( العين أن تصيب الإنسان بعين 0 وعان الرجل بعينه عينا 0 فهو عائن والمصاب معين على النقص ومعيون على التمام ، أصابه بالعين ) ( لسان العرب – 13 / 301 ) 0
قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( إن طبائع الناس تختلف ، فقد يكون ذلك من سم يصل من عين العائن في الهواء إلى بدن المعيون ، وقد نقل عن بعض من كان معيانا أنه قال : إذا رأيت شيئا يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني 0
ويقرب من ذلك المرأة الحائض تضع يدها في إناء اللبن فيفسد ، ولو وضعتها بعد طهرها لم يفسد ، وكذا تدخل البستان فتضر بكثير من الغروس من غير أن تمسها يدها ، ومن ذلك أن الصحيح قد ينظر إلى العين الرمداء فيرمد ، ويتثاءب واحد بحضرته فيتثاءب 0 قال المازري : زعم بعض الطبائعيين : أن العائن ينبعث من عينه قوة سمية بالمعين فيهلك أو يفسد ، وهو كإصابة السم من نظر الأفاعي ، وأن الذي يتمشى على طريقة أهل السنة أن العين إنما تضر عند نظر العائن بعادة أجراها الله تعالى أن يحدث الضرر عند مقابلة شخص لآخر ) ( فتح الباري – 10 / 200 ) 0
وأفضل من تحدث عن تلك الحقيقة فضيلة الشيخ عطية محمد سالم – رحمه الله – حيث يقول : ( إن الإجابة عن كيفية إصابة العين والكشف عن حقيقة ذلك فعلا ومسببا ليس بالعمل الميسور ، ولم يزل ذلك خفيا حتى اليوم 00 وهذا من الناحية المنهجية ، متعذر أو ممتنع ، لأنه تأثير غير محسوس ، وغير المحسوس لا يمكن إدراكه بالحس ، وإنما الحس يدرك آثاره ، ويحكم بوجوده أو عدمه ، أما كنه عمله وتفاعلاته ، فلا 00 مثله كالروح في الجسم ، وتيار الكهرباء ، وتلك الأشعات الحديثة ، تردك آثارها ويتصور وجودها من تلك الآثار 00 وقديما قالوا : كتأثير المغناطيس في جلب الحديد ، أما ما هو المغناطيس فليس معلوما بماهيته 00 ومن هذا الباب تأثير عين العائن فيمن أصابه بعينه 00 ومع ذلك فقد اجتهد العلماء رحمهم الله تعالى في العصور المتقدمة في الكشف عن حقيقته ، ونقل عنهم – رحمهم الله ما قالوه ، وهو ما بين موجز ومطول ، مع اختلاف وجهات النظر ، شأنهم في ذلك شأنهم في المسائل الاجتهادية ، ولا سيما الخفي منها عن الحسي ) ( العين والرقية والإستشفاء من القرآن والسنة – ص 24 ) 0
ومن هنا يُرى التوقف في هذه المسألة دون إعطاء تأويلات لا تعتمد على النصوص النقلية ، حيث أن المسألة برمتها تتعلق بالجانب الغيبي ، والله تعالى أعلم 0