قد نهى رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - من النذر، إذ قال: "لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئاً، وإنما يستخرج به من البخيل" رواه البخاري.
فيا أخي المسلم، ويا أختي المسلمة لا تنذروا ولا تكلفوا أنفسكم.
أما لو نذر أحد وجب عليه الوفاء لقوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعص الله فلا يعصيه" رواه البخاري.
وأما من نذر ولم يستطع الوفاء بالنذر، فهو بين خيارين:
الأول: إما أن يغير وجهة النذر إلى ما هو أفضل منه فقد قال شيخ الإسلام في (الاختيارات ص329): "ومن نذر صوماً معيناً فله الانتقال إلى زمن أفضل منه" دل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - للرجل الذي نذر أن ينحر إبلاً ببوانة: "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟"
قال: "لا".
قال: "هل فيها عيد من أعيادهم؟"
قال: "لا".
قال: "فأوف بنذرك".
وهذا يدل على جواز تغيير جهة النذر إلى ما هو أفضل.
الثاني: وإما كفارة يمين، فقد جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "من نذر نذراً لا يطيقه فكفارته كفارة اليمين"، رواه أبو داود وقال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: "إسناده صحيح، والحفّاظ رجحوا وقفه"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (33/49): "فإذا قصد الإنسان أن ينذر لله طاعة، فعليه الوفاء به، لكن إذا لم يوف بالنذر لله، فعليه كفارة يمين عند أكثر السلف".
وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تأكل أنت وأهلك، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة.
والواجب في الإطعام نصف صاع من قوت البلد من تمر أو بر أو غيرهما ومقداره كيلو ونصف (1.5 كغم) تقريباً من الرز مع شيء من الإدام - كاللحم أو الدجاج أو السمك - للمسكين الواحد.
والواجب أن يكون العشرة مختلفين، فلو وجدت أسرة من فقراء المسلمين عدد أفرادها عشرة أو أسرتين أو ثلاثا مجموع أفرادها عشرة وأعطيتهم ما مجموعه خمسة عشر كيلو غراماً من الرز مع شيء من اللحم مثلاً كان ذلك كافياً، أو وزّعت عليهم عشر وجبات غداء أو عشاء مطبوخة تكفي كل وجبة لغداء الشخص المتوسط كان ذلك كافياً.
ومقدار الكسوة ما يجزئ من اللباس في الصلاة.
أما لو عجز أحد عن الطعام والكسوة والعتق، فصيام ثلاثة أيام، لقول الله عز وجل: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
هو واحد من الأمور الفقهيّة الأكثر تعقيدا.. بحسب أحد المشايخ الذي سألتهم البارحة في معرض حديثي عن موضوع النّذر
فـالّنذر منهي عنه عند عديد العلماء الا أنّه فوق النهي عنه.. يجب الوفاء به !
و منهم من قالوا أنّه غير منهي عنه.. لكن يوجد فيه المستحبّ و المكروه.. لكن أيضا وجب على الناذر أن يوفي نذره
لـنبدء أوّلا بـتفسير كلمة نذر
فـالنّذر هو التزام الشخص العاقل بـطاعة لا تجب عليه أصلا.. كـصيام أيّام يحدّدها الناذر أو صلاة أو صدقة أو ذبح و غيرها
انتهينا من تعريف النّذر .. و لـندخل في أنواع النّذر
النّذر ثلاث أو أربع أنواع :
1) النّذر المستحبّ أو المطلق أو المباح : وهو أن ينذر المسلم أن يُطيع الله عز وجل دون مُقابل ،
كأن يقول : لله عليّ أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر . وهو يُريد بذلك إلزام نفسه .
وهذا الذي أثنى الله على أهله بقوله : ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا )
2) النذر المكروه أو المشروط : وهو أن ينذر الشخص أن يتصدّق أو يعمل الطاعات إذا حصل له مطلوب ،
أي أنّه على مُقابِل .. أي مقابل أن يحقّق لي الله الشيء الفلاني , عندها سأتصدٌّق أو أعمل الطاعة الفلانيّة.. و هذا هو النذر المكروه أو المشروط كما تمّ ذكره
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : إن النذر لا يُقدّم شيئا ولا يؤخر ، وإنما يستخرج بالنذر من البخيل . رواه البخاري ومسلم
و معنى أنّه يستخرج من البخيل.. أيّ الذي لا يطيع ربّه طاعة كاملة بل يطيعه مع الأشترط و العياذ بالله.. وهذا ليس من كمال الطّاعة..
و هذا هو بالتالي ما فعله الناذر في النذر المشروط
3) النذر المحرّم أو نذر المعصية : وهو أن ينذر أن يعصي الله عز وجل .
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : من نذر أن يطيع الله فليُطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه . رواه البخاري
4) نذر فيما لا يملك أو ما لا يطيق : كأن ينذر قيادة سيارة فلان ، أو أن ينذر التصدق بعشرة كيلو ذهب .
ولا يقع هذا النذر ؛ عنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللّهِ وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ".
رواه أبو داود والنسائي.
و بعد معرفة أنواع النّذر.. وجب معرفة أنّ للنذر شيئان :
1- الواجب عند كلّ العلماء.. أن يقوم الناذر بـوفاء النذر المشروط
فان لم يستطع.. فـعليه كفّارة.. وهذا ما أجمع عليه كلّ العلماء.. لكن الفرق بين كفّارة النذر و كفّارة اليمين.. أنّ كفّارة النذر لا يجب تأخيرها
أمّا النذر المستحبّ ( عند بعض العلماء ) أو المباح ( عند البعض الاخر ).. فالانسان مخيّر بين الوفاء و الكفّارة..
2 - لا يجب الوفاء بالنّذر رقم 3 و 4.. لأنّ الثالث فيه معصية و الرابع لا يملكه الناذر و لا يطيقه.. و وجب على الناذر حينها.. كفّارة نذر.. و اخراجها سريعا
ملاحظة : النذر الذي لا يتمّ لفظه بالفم.. أي أنّ الذي لا يتلفّظ بـنذره.. لا نذر عليه.. بالتالي لا يوفي به و ليس عليه كفّارة
أمّا من مات و عليه نذر.. فـعلى أهله اخراجه
انتهينا الان من تفسير النذر و أنواعه و شروطه و موضوع الوفاء و الكفّارة.. و لـندخل الى الجزء الأخير وهو معرفة رأي العلماء بين من اعتمد أنّ النذر منهي عنه..
و من لم يعتبره كذلك.. لكنّ جميع العلماء أجمعوا أنّ النّذر المشروط هو مكروه.. و أنّ النذر ان كان منهي أو غير منهي عنه.. يجب الوفاء به.. و الا كفّارة عنه
و لـنبدأ مع اراء بعض العلماء عن النذر
حيث أفتى شيخ الأسلام ابن تيمية و ابن باز و ابن عثيمين و غيرهم.. أنّ النذر منهي.. و بالتالي هو مكروه في كلّ جوانبه..
اعتمادا على حديث النبيّ عليه الصلاة و السلام : لا تنذروا فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئاً، وإنما يستخرج به من البخيل
اذا.. برأي هؤلاء العلماء.. و اعتمادا على فتوى ابن باز.. يجب ترك النذر.. لكن ان نذر الشخص.. وجب عليه الوفاء.. لأن الله أثنى على الموفين بالطاعات،
فقال سبحانه: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه أخرجه البخاري
بالتالي.. ان نذر النذر المكروه (المشروط) الذي تمّ الحديث عنه في أنواع النذر.. وجب عليه الوفاء.. شريطة أن يكون نذر في طاعة الله..
كأن يقول اذا شفاني الله سـأتصدّق بـالمبلغ الفلانيّ.. فـاذا قدر على ذلك.. فـليفعله.. و الا يدفع كفّارة
أمّا النذر المحرّم أو نذر المعصية.. فـلا يفعله و وجب عليه كفّارة
و أمّا النذر المباح.. الذي اسمه أيضا النذر المستحبّ عند البعض الاخر من العلماء.. فـهو مخيّر.. ان شاء الله وفّاه.. و ان شاء كفّر عنه..
إذا قال نذرٌ لله أني آكل من هذا الطعام، نذرٌ لله أني أبيت في هذا البيت، أو أسافر اليوم،
هو مخيّر إن شاء وفّى وإن شاء كفر عن نذره كفّارة النذر لـقول النبي -صلى الله عليه وسلم- :كفارة النذر كفارة اليمين
أمّا جمهور اخر من العلماء.. كـالشيخ الشنقيطي.. فـكان التشديد أنّ النذر المنهي و بالتالي المكروه الذي نهاه رسول الله صل الله عليه و سلّم..
هو ليس النذر بشكل عام.. بل النذر المشروط فقط..
لأنّ النذر المستحبّ ( وهذا هو تعريفه عنده رحمه الله و عند العلماء الذين يقولون أنّ النذر الذي نهاه رسول الله صلّى الله عليه و سلّم.. ليس النذر بشكل عام)..
اذا النذر المستحبّ عندهم لا يكره.. وفيه يقول الله جل وعلا:
وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270]؛
لأن الذين لم يقولوا بالتحريم من أهل العلم مع نهي النبي عليه الصلاة والسلام عن النذر قالوا:
إن الله جل وعلا قال: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270]
أي: فيثيبكم عليه؛ فدلّ على أنه ليس بمحرّم. قالوا: ولأن الله جل وعلا أثنى على الموفين به فدل على أن النهي هنا ليس للتحريم،
فذكر هنا الشيخ الشنقيطي رحمه الله أن النذر نوعان: النوع الأول: نذر التبرّر يعني المطلق أو المستحبّ، كما تقدم. والنوع الثاني: النذر الذي يكون على سبيل المشارطة ..
الذي هو النذر المشروط
اختصار : بعض العلماء اعتبروا أنّ النذر بشكل عام هو منهي عنه.. و لكن اذا نذر الشخص يجب الوفاء بالنذر و قالوا :
النذر المباح : مخيّر فيه الشخص بين الوفاء و الكفّارة
النذر المشروط : يجب الوفاء بالنذر.. و عند عدم الاستطاعة.. يدفع الشخص كفّارة.. و قيمتها كـكفّارة اليمين
النذر المعصية و نذر ما لا يطيق : لا يفعله الشخص و تجب عليه كفّارة
أمّا بعض العلماء قالوا أنّ النذر المنهي فقط.. هو النذر المشروط.. و طبعا نذر المعصية و نذر ما لا يطيقه الشخص
و شروط هذه النذر بين الوفاء و الكفّارة.. هي نفسها الشروط الموجودة فوق
أمّا النذر المستحبّ.. فـهو غير منهي عنه.. بالتالي غير مكروه.. و الانسان مخيّر فيه بين الوفاء و الكفّارة..
وهذا النذر المستحبّ هو النذر المطلق
و أمّا تفسير بعض الاراء التي نهت بـشكل عامّ أو جزئيّ عن النذر.. هو أنّ الطاعة الكاملة لله لا توجب وجود شروط في هذه الطاعة..
و لأنّ الانسان أحيانا لا يستطيع أن يوفي نذره.. و لأنّه يتمّ الخوف على الناذر من نسيان النذر.. حينها يبقى في رقبته بعد موته و سـيتمّ معاقبته و الله أعلم على عدم الوفاء بـنذره..
و لـهذا ذكر النبيّ على أحدهم.. حيث سأله أنّ على فلان نذر.. فـطلب النبيّ أن يتمّ وفاء النذر عن المتوفّي.. هذا و الله أعلم
بالأضافة أنّ النذر لا يردّ قدرا..
و هذه فتوى ابن باز عن النذر :
هل يجوز أن ينذر الإنسان بأنه إذا حصل له ما هو كذا وكذا أن يصلي عشر أو عشرين ركعة أو أكثر أو أقل؟
النذر منهي عنه لا ينبغي النذر، ولكن متى رزقه الله خيراً شكره بطاعته في الصلاة وغيرها، أما النذر فمنهي عنه، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تنذروا فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئاً، وإنما يستخرج به من البخيل) متفق على صحته، فالمؤمن ينبغي له ترك النذر، لكن إن نذر طاعة وجب عليه الوفاء، إذا نذر طاعة وجب عليه الوفاء لأن الله أثنى على الموفين بالطاعات، فقال سبحانه: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه) خرجه البخاري في صحيحه رحمه الله، فإن نذر أن يصلي كذا وكذا، أو يصوم الاثنين والخميس أو إذا رزقه الله ولداً تصدق بكذا وكذا، أو إذا تزوج يتصدق بكذا، يوفي بنذره، إذا كان طاعة لله مثلما ذكر، أما نذر المعاصي لا يجوز، لو قال نذر لله عليه أنه يشرب الخمر أو يسرق أو يزني فهذا نذرٌ منكر لا يجوز له فعله، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: (من نذر أن يعصي الله فلا يعصيه) وعليه كفارة يمين في أصح قولي العلماء عن هذا النذر الخبيث، أما النذر المباح فهو مخير إن شاء فعله وإن شاء كفر عنه، إذا قال نذرٌ لله أني آكل من هذا الطعام، نذرٌ: لله أني أبيت في هذا البيت، أو أسافر اليوم، هو مخير إن شاء وفى وإن شاء كفر عن يمينه كفارة النذر لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- :(كفارة النذر كفارة اليمين). جزاكم الله خيراً
سيدنا يوسف عليه السلام
عمر ال عوضه
- مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ المعروف بـ"مصطفى محمود"
- كاتب وطبيب وأديب
- ولد في 25 ديسمبر 1921 في شبين الكوم ـ منوفية
- ألّف مصطفى محمود 89 كتابًا، متعددة الموضوعات والمجالات فمنها...
علي الدوخي هو عازف بيانو سعودي
طه ايسو هو يوتيوبر و رحالة مغربي ، اشتهر برحلاته حول العالم و طريقته الجميلة في تقريب الأشياء للمتابعين .