لغة: فعل ما ينبغي أن يفعل من الخير، والإحسان أعم من الإنعام. فالإحسان فوق العدل وذلك أن العدل هو أن يعطي ما عليه ويأخذ ماله ، والإحسان أن يعطي أكثر مما عليه ويأخذ أقل مما له، فالإحسان زائد علي العدل فتحري العدل واجب وتحري الإحسان ندب وتطوع .
والإحسان ضد الإساءة والفرق بين الإحسان والإنعام أن الإحسان يكون لنفس الإنسان ولغيره، تقول : أحسنت إلى نفسى، والإنعام لا يكون إلا لغيره
اصطلاحاً: أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك .
فهو فعل ما ينبغي أن يفعل من الخير فضلاً ومحبة ، والأفضل أن يكون ذاتياً دائماً دون نقص أو انقطاع؛ لأنه عمل بالفضائل ، ولأنه قربة إلى الله تعالى .
والإحسان في العبادات يكون باستكمال شروطها وأركانها، واستيفاء سننها وآدابها مع استغراق المؤمن في شعور قوي بأن الله عز وجل مراقبه حتى لكأنه يراه تعالى ، ويشعر بأن الله تعالى مطلع عليه ، كما جاء في حديث جبريل .
أما الإحسان في المعاملات يكون ببر الوالدين، من حيث طاعتهما، وإيصال الخير إليهما، وكف الأذي عنهما، والدعاء والاستغفار لهما، وإكرام صديقهما، وإنفاذ عهدهما .
قال تعالي: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} ثم ذكرت الآية ثمانية أصناف أخرى يجب لها الإحسان وهي {وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36] .
وكذلك ورد توجيه نبوي في الإحسان إلي الخادم ، وذلك بإعطائه أجره قبل أن يجف عرقه، وبعدم تكليفه ما لا يطيق. فإن كان مقيما بالبيت فليأخذ حقه من الطعام والكساء ، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدكم خادمه بطعام ، فإن لم يجلسه معه، فليناوله لقمة أو لقمتين ، أو أكلة أو أكلتين ، فإنه ولي علاجه" ( رواه البخاري) .
بل يكون الإحسان في جميع أنواع المعاملات، في إيصال الحقوق إلى أصحابها وعدم التعدي عليهم أو الغش لهم أو الظلم لهم: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ}، {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع، سمحًا إذا اشترى سمحًا إذا قضى، سمحًا إذا اقتضى"، فالإحسان هنا في البيع والشراء والتقاضي .
حديث شريف
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدكم خادمه بطعام ، فإن لم يجلسه معه، فليناوله لقمة أو لقمتين ، أو أكلة أو أكلتين ، فإنه ولي علاجه" ( رواه البخاري) .
عن شدّاد بن أوْس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء. فإذا قتلتم فأحْسِنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة. وليحدّ أحدكم شفرته ولْيُرِحْ ذبيحته" رواه مسلم.
الإحسان نوعان: إحسان في عبادة الخالق، بأن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه. وهو الجد في القيام بحقوق الله على وجه النصح، والتكميل لها.
وإحسان في حقوق الخلق.
وأصل الإحسان الواجب، أن تقوم بحقوقهم الواجبة، كالقيام ببر الوالدين، وصلة الأرحام، والإنصاف في جميع المعاملات، بإعطاء جميع ما عليك من الحقوق، كما أنك تأخذ مالك وافياً، قال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}(1) فأمر بالإحسان إلى جميع هؤلاء.
ويدخل في ذلك الإحسان إلى جميع نوع الإنسان، والإحسان إلى البهائم، حتى في الحالة التي تزهق فيها نفوسها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : "فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة".
فمن استحق القتل لموجب قتل يضرب عنقه بالسيف، من دون تعزير ولا تمثيل.
وقوله صلى الله عليه وسلم : "إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة" أي: هيئة الذبح وصفته. ولهذا قال: "وليُحِدَّ أحدكم شَفرته" أي: سكينه: "وليرح ذبيحته" فإذا كان العبد مأموراً بالإحسان إلى من استحق القتل من الآدميين، وبإحسان ذبحة ما يراد ذبحه من الحيوان. فكيف بغير هذه الحالة؟
واعلم أن الإحسان المأمور به نوعان:
أحدهما: واجب، وهو الإنصاف، والقيام بما يجب عليك للخلق بحسب ما توجه عليك من الحقوق.
والثاني: إحسان مستحب. وهو ما زاد على ذلك من بذل نفع بدني، أو مالي، أو علمي، أو توجيه لخير ديني، أو مصلحة دنيوية، فكل معروف صدقة، وكل ما أدخل السرور على الخلق صدقة وإحسان. وكل ما أزال عنهم ما يكرهون. ودفع عنهم ما لا يرتضون من قليل أو كثير، فهو صدقة وإحسان.
ولما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قصة البغيّ التي سقت الكلب الشديد العطش بخفيها من البئر، وأن الله شكر لها وغفر لها. قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن لنا في البهائم أجراً قال: في كل كبد حَرَّى أجر".
فالإحسان هو : بذل جميع المنافع من أي نوع كان، لأي مخلوق يكون، ولكنه يتفاوت بتفاوت المحسَن إليهم، وحقهم ومقامهم، وبحسب الإحسان، وعظم موقعه، وعظيم نفعه، وبحسب إيمان المحسن وإخلاصه، والسبب الداعي له إلى ذلك.
ومن أجَلِّ أنواع الإحسان: الإحسان إلى من أساء إليك بقول أو فعل. قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} {هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ}، {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}، {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ}، {إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} أي: المحسنين في عبادة الله، المحسنين إلى عباد الله.
والله تعالى يوجب على عباده العدل من الإحسان، ويندبهم إلى زيادة الفضل منه. وقال تعالى في المعاملة: {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} أي: اجعلوا للفضل والإحسان موضعاً من معاملاتكم. ولا تستقصوا في جميع الحقوق، بل يَسِّروا ولا تعسروا، وتسامحوا في البيع والشراء، والقضاء والاقتضاء. ومن ألزم نفسه هذا المعروف، نال خيراً كثيراً، وإحساناً كبيراً. والله أعلم.