هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون
ابن زيدون هو بحتري المغرب
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا ابن زيدون مرحبــــــــــا .. قد أطلت التغيبـــــــا
أنت في القول كلـــــــــه .. أجمل الناس مذهبـا
شـــاعرا أم مصـــــــــورا .. كنت، أم كنت مطربا؟
ترسل اللــــــحن كلـــــه .. مبدعا فيه مـــغربـــا
...........................................أحمد شوقي
ابــــــــــن زيـــــــــدون .....بحتـــــــــري المغـــــــــــرب
الوزير... الشاعر .. العاشق
واشهر رسائله (الرساله الهزليه )و (الرساله الجديه)
(394هـ/1003م - أول رجب 463 هـ/4 أبريل 1071 م)
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي الأندلسي، أبو الوليد المعروف بـابن زيدون
شاعر أندلسي، برع في الشعر كما برع في فنون النثر، حتى صار من أبرز شعراء الأندلس المبدعين وأجملهم شعرًا وأدقهم وصفًا وأصفاهم خيالا، كما تميزت كتاباته النثرية بالجودة والبلاغة، وتعد رسائله من عيون الأدب العربي.
ابن زيدون كان وزيرا، وكاتبا، وشاعر من أهل قرطبة، انقطع إلى ابن جهور من ملوك الطوائف بالأندلس، فكان السفير بينه وبين ملوك الأندلس.
كان التحول الأكبر في حياة شاعرنا علي يد ولادة بنت المستكفي الخليفة الأموي الضعيف، وبعد سقوط الخلافة حولت ولادة قصرها إلى منتدى للشعراء والأدباء الذين توافدوا علي "صالونها الثقافي" عشقا في فاتنة العصر ذكاءا وثقافة.
وكان أحد هؤلاء بن زيدون الذي هام بها حبا حتى الجنون، وبادلته هي حبا بحب، لكن السعادة بينهما لم تدم كثيرا، حيث هجرته ولادة في سبب اختلف المؤرخون فيه
ومن القصائد التي قالها في استمالة ولادة
أيُوحِشُني الزّمانُ، وَأنْتَ أُنْسِي ..... وَيُظْلِمُ لي النّهارُ وَأنتَ شَمْسي؟
وَأغرِسُ في مَحَبّتِكَ الأماني ..... فأجْني الموتَ منْ ثمرَاتِ غرسِي
لَقَدْ جَازَيْتَ غَدْراً عن وَفَائي ..... وَبِعْتَ مَوَدّتي، ظُلْماً، ببَخْسِ
ولوْ أنّ الزّمانَ أطاعَ حكْمِي ..... فديْتُكَ، مِنْ مكارهِهِ، بنَفسي
وقال يستعطف ولادة
أَغائِبَةً عَنّي وَحاضِرَةً مَعي ..... أُناديكِ لَمّا عيلَ صَبرِيَ فَاسمَعي
أَفي الحَقِّ أَن أَشقى بِحُبِّكِ أَو أُرى .... حَريقاً بِأَنفاسي غَريقاً بِأَدمُعي
أَلا عَطفَةٌ تَحيا بِها نَفسُ عاشِقٍ ..... جَعَلتِ الرَدى مِنهُ بِمَرأىً وَمَسمَعِ
صِلينِيَ بَعضَ الوَصلِ حَتّى تَبَيَّني ..... حَقيقَةَ حالي ثُمَّ ماشِئتِ فَاصنَعي
ثم يخبرها بأنها اذا استمرت في دلالها عليه فسيضطر لوداعها إلى غير رجعة، وهذا الموقف الذي سيتخذه سيكون مكرها عليه ، لأنها هي التي أصرت على ذلك ، وإذا كانت قد سلته فسيحاكيها في سلوانها ويقلدها في انصرافها عنه
عَلَيكِ السَلامُ سَلامُ الوَداعِ .. وَداعِ هَوىً ماتَ قَبلَ الأَجَل
وَما بِاِختِيارٍ تَسَلَّيتُ عَنكِ .. وَلَكِنَّني مُكرَهٌ لا بَطَل
وَلَم يَدرِ قَلبِيَ كَيفَ النُزوعُ .. إِلى أَن رَأى سيرَةً فَامتَثَل
وَلَيتَ الَّذي قادَ عَفواً إِلَيكِ .. أَبِيَّ الهَوى في عَنانِ الغَزَل
وهو إلى جانب ذلك لن يبوح بما بينهما من أسرار ، وسيتحمل في سبيلها ما لا يحتمل ، وسيظل علي عهده مهما اشتطت واستبدت
بَيني وَبَينَكَ ما لَو شِئتَ لَم يَضِعِ ... سِرٌّ إِذا ذاعَتِ الأَسرارُ لَم يَذِعِ
يا بائِعاً حَظَّهُ مِنّي وَلَو بُذِلَت ... لِيَ الحَياةُ بِحَظّي مِنهُ لَم أَبِعِ
يَكفيكَ أَنَّكَ إِن حَمَّلتَ قَلبِيَ ما ... لَم تَستَطِعهُ قُلوبُ الناسِ يَستَطِعِ
ولكي تغيظه وجدت عاشقًا جديدًا هو الوزير أبو عامر بن عبدوس.. وحاول ابن زيدون إبعادها عن ابن عبدوس واستعادة الأيام الجميلة الماضية، لكنها رفضت.
من آثار ابن زيدون الرساله الهزليه التي بعث بها عن لسان "ولادة" إلى ابن عبدوس الذي كان
يزاحمه على حبها وهي باسلوب تهكمي ساخر , والرسالة تحتوي على كثير من الكنايات
والتشبيهات والاشارات التاريخية
اما بعد , ايها المصاب بعقله , المورط بجهله , البين سقطه , الفاحش غلطه , العاثر في ذيل اغتراره ,
الاعمى عن شمس نهاره ,الساقط سقوط الذباب على الشراب , المتهافت تهافت الفراش في الشهاب , فان العجب
اكبر , ومعرفة المرء نفسه اصوب , وانك راسلتني مستهديا من صلتي ما صفرت منه ايدي أمثالك , متصديا من
خلّتي ما قُرعت دونه أنوف أشكالك , مرسلا خليلتك مرتادة , مستعملا عشيقتك قوادة , كاذبا نفسك انك ستنزل
عنها الي , وتخلف بعدها علي
ولست باول ذي همة دعته لما ليس بالنائل
ولا شك انها قلتك اذ لم تضن بك, وملتك اذ لم تغر عليك , فانها اعذرت في السفارة لك , وما قصرت في النيابة
عنك , زاعمة ان المروءة لفظ انت معناه , والنسانية اسم انت جسمه وهيولاه , قاطعة انك انفردت بالجمال ,
واستاثرت بالكمال , واستعليت في مراتب الجلال , واستوليت على محاسن الخلال , حتى خلت ان يوسف _ عليه
السلام _ حاسنك فغضضت منه , وان امراة العزيز رأتك فسلت عنه , وأن قارون أصاب بعض ما كنزت , والنّطِفَ
عثر على فضل ما ركزت , وكسرى حمل غاشيتك , وقيصر رعى ماشيتك , والسكندر قتل دارا في طاعتك ,
وأردشير جاهد ملوك الطوائف لخروجهم عن جماعتك , والضحاك استدعى مسالمتك , وجذيمة الابرش تمنى
منادمتك , وشيرين قد نافست بوران فيك , وبلقيس غايرت الزباء عليك , وان مالك بن نويرة انما ردف لك ,
وعروة ابن جعفر انما رحل اليك , وكليب بن ربيعة انما حمى المرعى بعزتك , وجساسا انما قتله بانفتك ,
ومهلهلا انما طلب ثأره بهمتك , والسموءل انما وفى عن عهدك , والاحنف انما احتبى في بردك , وحاتما انما
جاد بوفرك , ولقى الاضياف ببشرك , وزيد بن مهلهل انما ركب بفخذيك , والسليك ابن السلكه انما عدا على
رجليك , وعامر بن مالك انما لاعب الاسنة بيديك , وقيس بن زهير انما استعان بدهائك , واياس بن معاوية انما
استضاء بمصباح ذكائك , وسحبان انما تكلم بلسانك , وعمرو بن الاهتم انما سحر ببيانك , وان الصلح بين بكر وتغلب تم برسالتك , والحمالات بين عبس وذبيان اسندت الى كفالتك , وان احتال هرم بن سنان لعلقمة وعامر
حتى رضيا كان عن اشارتك, وجوابه لعمر _ وقد سأله عن ايهما كان ينفر _ وقع عن ارادتك , وان الحجاج تقلد
ولاية العراق بجدك , وقتيبة فتح ما وراء النهر بسعدك , والمهلب اوهن شوكة الازارقة بأيدك , وفرق ذات بينهم
بكيدك , وأن هرمس اعطي بلينوس ما اخذ منك , وافلاطون اورد على ارسطاطاليس ما نقل عنك , وبطليموس
سوى الاسطرلاب بتدبيرك , وصور الكرة على تقديرك , وبقراط علم العلل والمراض بلط حسك , وجالينوس
عرف طبائع الحشائش بدقة حدسك , وكلاهما قلدك في العلاج , وسألك عن المزاج , واستوصفك تركيب الاعضاء , واستشارك في الداء والدواء , وانك نهجت لابي معشر طريق القضاء , وأظهرت جابربن حيان
على سر الكيمياء , وأعطيت النظّام أصلا أدرك به الحقائق , وجعلت للكندي رسما استخرج به الدقائق ,
وان صناعة الالحان اختراعك , وتاليف الاوتار والانقار توليدك وابتداعك , وان عبدالحميد بن يحيى بارى اقلامك , وسهل بن هارون مدون كلامك , وعمرو بن بحر مستمليك , ومالك بن انس مستفتيك , وانك اللذي
اقام البراهين , ووضع القوانين , وحد الماهية , وبين الكيفية والكمية , وناظر في الجوهر والعَرَض ,
وميز الصحة من المرض , وفك المعمّى , وفصل بين الأسم والمسمى , وصرف وقسم , وعدل وقوّم ,
وصف الاسماء والافعال , وبوب الظرف والحال , وبنى وأعرب , ونفى وتعجب , ووصل وقطع , وثنى وجمع ,
وأظهر وأضمر , واستفهم وأخبر , وأهمل وقيد , وأرسل وأسند , وبحث ونظر , وتصفح الاديان ,
ورجّح بين مذهبي ماني وغيلان , وأشار بذبح الجعد , وقتل بشار بن برد , وأنك لو شأت خرقت العادات ,
وخالفت المعهودات , فأحلت البحار عذبة , وأعدت السّلام رطبة , ونقلت غدا فصار امسا , وزدت في العناصر فكانت خمسا , وأنك المقول فيه : ((كلّ الصيد في جوف الفرا)) .
و : ليس على الله بمستنكرِ أن يجمع العالم في واحد
والمعنيّ بقول ابي تمام :
فلو صورت نفسك لم تزدها على ما فيك من كرم الطباعِ
والمراد بقول ابي الطيب :
ذكر الانام لنا فكان قصيدة كنت البديع الفرد من أبياتها
فكدمت في غير مكدم , واستسمنت ذا ورم , ونفخت في غير ضرم , ولم تجد لرمح مهزا , ولا لشفرة محزا ,
بل رضيت من الغنيمة بالأياب , وتمنت الرجوع بخفي حنين , لأني قلت :
* لقد هان من بالت عليه الثعالب *
وأنشدت :
على انها الايام قد صرن كلها عجائب , حتى ليس فيها عجائب
ونخرت وكفرت , وعبست وبسرت , وأبدأت وأعدت , وأبرقتُ وأرعدت .
و :
* هممت ولم أفعل وكدت وليتني*
ولولا ان للجوار ذمة , وللضيافة حرمة , لكان الجواب في قذال الدّمُستقِ , والنعل حاضرة , ان عادت العقرب ,
والعقوبة ممكنة ان أصر المذنب .
وهبها لم تلاحظك بعين كليلة عن عيوبك , ملؤها حبيبها , حسنٌ فيها من تود , وكانت انما حلّتك بحُلاك ,
ووسمتك بسيماك , ولم تعرك شهادة , ولا تكلفت لك زيادة , بل صدقت سن بكرها فيما ذكرتهُ عنكَ , ووضعتِ
الهِناءَ مواضع النقبِ بما نسَبتهُ اليك , ولم تكن كاذبةً فيما أثنت به عليك , فالمعيدي تسمع به خير من ان تراه .
هجين القذال , ارعن السبال , طويل العنق والعلاوةِ , مُفرط الحمق والغباوة , جافي الطبع , سيئ الاجابة
والسمع , بغيض الهيئة , سخيف الذهاب والجيئة , ظاهر الوسواس , منتن الانفاس , كثير المعايب , مشهور
المثالب , كلامكَ تمتمة , وحديثُك غمغمة , وبينك فهفهة , وضحكك قهقهة , ومشيُك هرولة , وغناك مسألة ,
ودينُك زندقة , وعلمُك مخرقة
مَساوٍ لو قسمن على الغواني لما أمهرن الا بالطلاق
حتى ان باقلا موصوفٌ بالبلاغة اذا قرن بك , وهبنّقة مستحق لاسم العقل اذا اضيف اليك , وطويسا مأثور
عن يمن الطائر اذا قيس عليك , فوجودك عدم , والاغتباط بك ندم , والخيبة منك ظفر , والجنة معك سقر .
كيف رأيت لؤمك لكرمي كِفاء , وَضِعَتُكَ لشرفي وفاء , واني جهلت ان الاشياء انما تنجذب الى أشكالها , والطير
انما تقع على الافها , وهلا علمت ان الشرق والغرب لا يجتمعان , و شعرت ان المؤمن والكافر لا يتقاربان ,
وقلت : الخبيث والطيب لا يستويان , وتمثلت :
ايها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يلتقيان
وذكتَ اني عِلقٌ لا يباع فيمن زاد , وطائرٌ لا يصيده من اراد , وغرض لا يصيبه الا من اجاد , ما احسبك الا
كنت قد تهيأت للتهنئة , وترشحت للترفئة , ولولا ان جرح العجماء جبار , للقيت من الكواعب ما لاقى يسار,
فما هم الا بدون ما هممت به , ولا تعرض الا لايسر ما تعرضت .
اين ادعاؤكك رواية الاشعار , وتعاطيك حفظ السير والاخبار , اما ثاب لك قول الشاعر :
بنو دارم اكفاؤهم ال مسمع وتنكح في اكفائها الحبطاتُ
وهلا عشّيت ولم تغتر! وما اشك انك تكون وافد البراجم , أو ترجع بصحبة المتلمس , او افعل بك ما فعله
عقيل بن علفة بالجهني حين اتاه خاطبا , فدهن استه بزيت , وأدناه من قرية النمل .
ومتى كثر تلاقينا , واتصل ترائينا , فدعوني اليك ما دعا ابنة الخس الى عبدها من طول السواد ,
وقرب الوساد !
وهل فقَدتُ الاراقم فانكح في جنبٍ , او عَضَلَني همام بن مرة فاقول : زوج من عود , خير من قعود !
ولعمري لو بلغت هذا المبلغ , لارتفعت , عن هذه الحِطة , ولا رضيت بهذه الخطة , فالنار ولا العار ,
والمنية ولا الدنية , والحرة تجوع ولا تاكل بثدييها
فكيف وفي ابناء قومي منكح وفتيان هِزّان الطوال الغرانقة
ما كنت لاتخطى المسك الى الرماد , ولا امتطي الثور بعد الجواد , فانما يتيمم من لم يجد ماء ,
ويرعى الهشيمَ , من عدِمَ الجميم , ويركب الصعب من لا ذلول له , ولعلك انما غرك من علمت صبوتي اليه ,
وشَهِدت مساعفتي له , من أقمار العصر , وريحان المصر , اللذين همُ الكواكب عُلُوّ هممٍ , والرياضُ
طيب شيم
من تلقى منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري
فحن قدح ليس منها , ما انت وهم ؟ واين تقع منهم ؟ وهل انت الا واو عمرو فيهم , وكالوشيظة في
العظم بينهم !
وان كنت انما بلغت قعر تابوتك , وتجافيت عن بعض قوتك , وعطرت اردانك , وجررت هميانك ,
واختلت في مشيتك , وحذفت فضول لحيتك , واصلحت شاربك , ومططت حاجبك , ورفعت خط عذارك ,
واستانفت عقد ازارك , رجاء الاكتنان فيهم , وطمعا في الاعتداد منهم , فظننت عجزا , واخطات استك الحفرة .
والله لو كساك محرق البردين , وحلّتك مارية بالقرطين , وقلدك عمرو الصمصامة , وحملك الحارث على
النعامة , ما شككت فيك , ولا سترت اباك , ولا كنتَ الا ذاك .
وهبك ساميتهم في ذروة المجد والحسب , وجاريتهم في غاية الظرف والادب , اليس تأوي الى بيت قعيدته
لكاع , اذا كلهم عزب خالي الذراع !
واين من انفرد به ممن لا اغلب الا على الاقل الاخس منه ! وكم بين من يعتمدني بالقوة الظاهرة , والشهوة
الوافرة , والنفس المصروفة الي , واللذة الموقوفة علي , وبين اخر قد نضب غديره , ونزحت بيره , وذهب
نشاطه , ولم يبقى الا ضراطه !
وهل يجتمع لي فيك الا الحشف وسوء الكيلة , ويقترن علي فيك بك الا الغدة والموت في بيت سلولية !
تعالى الله يا سلم بن عمرو أذل الحرص اعناق الرجال
ما كان اخلفك بان تقدر بذراعك , وتربع علي ضلعك , ولاتكن براقش الدالة على اهلها , وعنز السوء المستثيرة
لحتفها , فما اراك الا سقط العشاء بك على سرحان , وبك لا بظبي أعفر , أعذرت ان اغنيت شيا , واسمعت لو
ناديت حيا
ان العصا قرعت لذي الحلم والشيئ تحقره وقد ينمي
وان بادرت بالندامة , ورجعت على نفسك بالملامة , كنت قد اشتريت العافية لك بالعافية منك , وان قلت :
(( جعجعة بلا طحن )), و ((رب صلف تحت الراعدة )), وانشدت :
لا يؤيسنك من مخدرة قول تغلظه وان جرحا
فعدت لما نهيت عنه , وراجعت ما استعفيت منه , بعث من يزعجك الى الخضراء دفعا , ويستحثك نحوها
وكزا وصفعا .
فاذا صرت اليها عبث أكاروها بك , وتسلط نواطيرها عليك , فمن قرعة معوجة تقوم في قفاك ,
ومن فجلة منتنة يرمى بها تحت خصاك , ذلك بما قدمت يداك , لتذوق وبال امرك , وترى ميزان قدرك
فمن جهلت نفسه قدره راى غيره منه ما لا يرى
ابن زيـــــــدون في الســـــــــــــــــجن
ودفعت مكانة بن زيدون حساده إلى تدبير مؤامرة للنيل منه، واتهمه ابن عبدوس بأنه ضالع في مؤامرة سياسية، وأنه يريد عودة الحكم إلى بني أمية، ونجحت الحيلة، وتغير قلب بن جهور علي وزيره المخلص الحكم وزُجَّ به في السجن.
في السجن.. كتب ابن زيدون قصائد كثيرة يستعطف فيها "أبا الحزم جهور" حاكم قرطبة، كما كتب قصائد أخرى لأبي الوليد بن أبي الحزم ليتوسط لدى أبيه، وكان أبو الوليد يحب ابن زيدون، لكن وساطته لم تنفع، فهرب ابن زيدون من السجن، واختبأ في إحدى ضواحي قرطبة وظل يرسل المراسيل إلى الوليد وأبيه حتى تمَّ العفو عنه، فلزم أبا الوليد حتى تُوُفِّيَ أبو الحزم وخلفه أبو الوليد الذي ارتفع بابن زيدون إلى مرتبة الوزارة.
وقال في قصيدة إلى بن جهور وهو يعاني من وحشة السجن
لا يهنئ الشامِتَ المُرتاحَ خاطِرُهُ ... ... أَنّي مُعَنّى الأَماني ضائِعُ الخَطَرِ
هَلِ الرِياحُ بِنَجمِ الأَرضِ عاصِفَةٌ ... .... أَمِ الكُسوفُ لِغَيرِ الشَمسِ وَالقَمَرِ
إِن طالَ في السِجنِ إيداعي فَلا عَجَبٌ .. قَد يودَعُ الجَفنَ حَدُّ الصارِمِ الذَكَرِ
وَإِن يُثَبِّط أَبا الحَزمِ الرِضى قَدَرٌ ....... عَن كَشفِ ضُرّي فَلا عَتَبٌ عَلى القَدَرِ
ما لِلذُنوبِ الَّتي جاني كَبائِرِها ..... غَيري يُحَمِّلُني أَوزارَها وَزَري
مَـن لَـم أَزَل مِـن تَأَنّـيهِ عَلى ثِـقةٍ ..... وَلم أَبت مِـن تَـجَـنّـيهِ عَـلى حَـذَرِ
وبعد مرور خمسمائة يوم في السجن بعث إلى بن جهور برسالته الجدية
والتى نصـــــــها كالتــــــــــــــالي :
كتب أبو الوليد أحمدُ بن زيدون إلى ابن جهور:
"يامولاي وسيدي الذي ودادي له ، وأعتمادي عليه ،
وأعتدادي به .
ومن أبقاه الله تعالى ماضي حد العزم ،
وأرى زند الأمل ، ثابت وعهد النعمة .
إن سلبتني أعزك الله لباس إنعامك ،
وعطلتني من حلي إيناسك ، وأضمأتني إلى
بُرُدِ إسعافك ، نفضت بي كف حِياطتك ،
وغضضت عني طرف حمايتك ؛
بعد أن نظر الأعمى إلى تأملي لك ،
وسمع الأصم ثنائي عليك ، وأحس
الجمادُ بإستِحمادي إليك ؛ فلا غرو ،
وقد يغص بالماء شاربه ، ويقتل الدواء المستشفي به ،
ويؤتى الحذِر من مأمنِه ، وتكون منيتهُ المتمنى في أُمنِيته ،
والحينُ قد يسبق حِرص الحريص .
كلُ المصائب قد تمر على الفتى .....وتهونُ غير شماتةِ الأعداءِ
وإني لأجلد ؛ وأرى الشامتين أني لريب الدهر لا أتضعضع ،
فأقول:
هل أنا إلا يدٌ أدماها سِوارها ، وجبينٌ عض به إكليله ،
ومشرفيٌ ألصقه بالأرضِ صافله ، وسمهريٌ عرضه
على النارِ مثقفه ، وعبدٌ ذهب به سيده مذهب الذي يقول :
فقسا ليزدجروا ومن يكُ حازماً....فليقسُ أحياناً على من يرحمُ
هذا العتب محمود عواقبه ، وهذه النبوة غَمرةٌ ثم تنجلي ،
وهذه النكبة سحابةٌ صيفٍ عن قليلٍ تقشع .
ولن يريبني من سيدي أن أبطأ سيبُه ،
أو تأخر غيرَ ضنين غَناؤه ، فأبطأُ الدلاءِ فَيضاً أملَؤُها ،
وأثقلُ السحاب مَشياً أحفُلها ، وأنفعُ الحيا ما صادف جَدبا ،
وألذُ الشراب ما أصابَ غَلِيلا ، ومع اليومِ غَدٌ ، ولكلِ أجلٍ كتاب ؛
له الحمدُ على اهتبالِه ، ولا عَتبَ عليه في إغفالِه .
فإن يَكُنِ الفِعلُ الذي ساءَ واحداً .......فأفعالُه اللاتي سَرَرن أُلُوفُ
وأعود فأقول: ما هذا الذنب الذي لم يسعه عفوُك ،
والجهلُ الذي لم يأتِ مِن ورائِه حِلمُك ،
والتطاوُل الذي لم يستغرقه تَطوُلُك ،
والتحامُل الذي لم يَفِ به احتِمالُك ؛
ولا أخلو من أن أكونَ بريئاً فأين العدل !
أو مُسِيئاً فأين الفضل !
إلا يَكن ذنبٌ فَعَدلُكَ واسعٌ.......أو كانَ لي ذنبٌ ففضلُك أوسعُ
حَنَانيَك ! قد بَلغ السيلُ الزُّبىَ ، ونالني ماحَسبي به وكَفَى .
وما أراني إلا لو أني أُمرت بالسجود لآدمَ فأبيتُ واستكبرت ،
وقال لي نوح : ( اركب مَعَنا ) ،
فقلتُ: ( سَآوِي إلى جَبَلٍ يَعصِمُني مِن الماءِ ) ،
وأمرت بِبناء صَرحِ لعلي أطَّلِعُ إلى إلهِ مُوسى ،
وعكفتُ على العِجل ، واعتديتُ في السبت ،
وتَعاطيت فَعقَرت ، وشرِبت من النَّهر الذي أبتُلي
به جُيوشُ طالوت ، وقُدتُ الفِيلَ لأبرهَة ،
وعاهدتُ قُريشاً على مافي الصَّحيفة ، وتأولتُ
في بَيعَة العقَبة ، ونفرتُ إلى العِير ببَدر ،
وأنَحَزلت بُثُلث النّاس يومَ أُحُد ، وتخلفتُ عن
صَلاة العَصر في بني قُريظة ، وجئتُ بالإفك
على عائِشةَ الصِّدِّيقة ، وأَنِفتُ من إمارة أُسامة ،
وزَعمتُ أن بيعَةَ أبى بَكر كانت فلتةً ،
ومِن أدلة القُرآنِ عَلى خِلافةِ أبى بكرٍ ،
ورَويتُ رُمحِي مِن كتِيبةِ خَالِد ،
ومزقتُ الأدِيم الذي باركت يدُ الله عليه ،
وضَحّيت بالأشمط الذي عُنوانُ السُّجودِ به ، وبذلت لقَطام :
ثلاثةَ آلافِ وعَبداً وقينةً ..... وضَربَ عليٍّ بالحُسامِ المسممِ
وكتبتُ إلى عمر بنِ سعد : أن جَعجِع بالحُسين ،
وتمثلت عندما بلغني من وقعة الحَرة :
لَيتَ أشياخِي ببَدرٍ عَلِمُوا ...جَزَع الخَزرَج مِن وَقع الأَسَل
ورجمتُ الكعبة ، وصلبتُ العائِذَ على الثَّنِية – لكان فيما جَرى
علىَّ ما يحتمل أن يسمى نَكالاً ، ويدعَى ولو عَلَى المَجازِ عِقاباً .
وحَسبُكَ من حادِثٍ بامرِئٍ .......تَرَى حاسِدِيه له راحِمِينا
فكيفَ ولا ذنبَ إلا نمِيمَةٌ أهداها كاشحٌ ،
ونبأ جاءَ به فاسِق ، وهم الهمازون المشاءون بِنَميم ،
والواشُون الذين لا يلبثون أن يَصدعُوا العَصا ،
والغُواةُ الذين لا يَتركون أدِيماً صحيحاً ،
والسُّعاةُ الذين ذكَرهم الأحنفُ بنُ قيس ،
فقال : ماظَنُّك بقومٍ الصِّدقُ محمودٌ إلا منهم !
حلَفتُ فلَم أترُك لنفسِكَ رِيبةً ......وليسَ وراءَ اللهِ للمرءِ مّذهَبُ
ولا نَصَبتُ لك بعدَ النشيع فيك ،
ولا أزمعتُ مع ضمانٍ تكلفت به الثقة عنك ،
وعهدٍ أخَذَه حُسنُ الظن عليك ؛ ففيم عَبِث الجفاء بِأذمتي ،
وعاثَ العُقوقُ في مَواتي ، وتمكنَ الضَّياع من رسائلي !
ولِمَ ضاقت مذاهِبي وأكدَت مَطالِبي !
وعلامَ رضيتُ من المركَب بالتعليق ، بل من الغنِيمة بالإياب !
وأَنَّي غَلَبَني المغلب ، وفَخَر علىَّ العاجزُ الضعيف ،
ولطمتني غيرُ ذاتِ سِوار !
ومالَكَ لم تَمنَع مني قَبلَ أن أُفتَرَس ، وتُدركَني ولمّا أُمَزق !
أم كيف لا تتضرم جَوانحُ الأكفاء حَسداً لي على الخُصوصِ بك ،
وتتقطع أنفاسُ النُّظَراء مُنافَسةٌ في الكَرامة عليك ،
وقد زانني اسمُ خِدمَك ، وزهاني وَسمُ نِعمتك ،
وأبلَيتُ البَلاء الجميلَ في سِماطِك ،
وقُمتُ المَقام المحمودَ على بِساطِك .
أَلستُ المُوالي فيكَ غرَّ قصائدٍ......هيَ الأنجُمُ افتادَت مع الليل أنجُمَا
ثناءً يُظنُ الروضُ منه منثوراً .....ضُحى، ويُخالُ الوَشي فيه مُنمنَمَا
وهل لَبِس الصبَاحُ إلا بُرداً طرزتُهُ بفضائِلِك ،
وتفلدَتِ الجوزاءُ إلا عِقداً فصلتُهُ بمآثِرِك
ـ واستملى الربيع إلا ثناءً ملأتهُ من مَحاسِنِك ،
وبَث المِسكُ إلا حديثاً أذعتُه في مَحامِدك !
حَليمةَ بِسر .
وإن كنتُ لم أكسُك سَليباً ، ولا حَليتك عطلاً ،
ولا وسمتك غفلاً ؛ بل وجدتُ آخراً وجِصاً فبنيت ،
ومكانَ القول ذا سَعةٍ فقُلت
حاشا لكَ أن أعَد من العاملةِ النّاصِبة ،
وأكونَ كالذُّلة المنصوبةِ تُضيءُ للنّاس وهي تحترق !
فلك المَثَل الأعلى ، وهو بكَ – وبي فيكَ – أولى .
ولَعَمرُكَ مَاجَهِلتُ أن صَريحَ الرأيِ لأن أتحولَ
إذ بلغتني الشمس ، وأنا ببابي المَنزل ،
وأصفح عن المطامع التي تُقطع أعناقَ الرجال ،
فلا استوطيء العَجز ، ولا أطمئن إلى الغُرور ؛
ومن الأمثال المضروبة : خامري أمّ عامر ؛
وإني مع المعرفة أنّ الجلأ سِباء ، والنُّقلةَ مُثلة .
ومَن يَغتَرِب عن قَومِه لَم يَزَل يَرَى .....مَصارعَ مَظلومٍ؛ ومَجَراً ومَسحَباً
وتُدفَن منه الصّالحاتُ وإنْ يُسيءْ.....يكنْ – ما أساء- النَّار في رأسِ كَبكَبا
لعارفٌ بأنّ الأدب الوطنُ لا يُخشى فِراقه ،
والخليط لا يُترقع زيالُه ، والنَّسِيب لا يُجفئ ،
والجمالَ لا يخفى .
ثم ما قِرانُ السعد للكواكب أَبهَى أترا ، ولا أَسنَى خَطَرا ،
من اقتران غني النّفس به ، وانتظامها معه ؛ فإنّ الحائزَ لهما ،
الضاربَ بسَهمٍ فيها –وقليلٌ ما هُم- أينما تَوَجه وَرَدَ مَنهَلَ بِر ،
وحَطَّ في جَناب قَبول ، وضوحِك قبلَ إنزالِ رحلهِ ،
وأعطىَ حُكم الصِّبىِّ على أهله .
وقيل له :
أهلاً وسَهلاً ومَرحباً ..... فهذا مَبِيتٌ صالحٌ ومَقِيلُ
غير أن الوطن محبوب ، والمنشأ مألوف ،
واللبيب يحِن إلى وَطَنِه ، حَنينَ النّجِيبِ إلى عَطنَه ،
والكريمَ لا يجفُوا أرضاً فيها قَوابلُه ، ولا ينسى بَلَداً
فيها مَراضعُهُ قال الأول :
أحَبُ بلادِ الله ما بين مَنعجٍ.....إلىَّ وسَلمىَ أن يَصُوبَ سَحابُها
بلادٌ بها عَق الشبابُ تَمائِمي.....وأولُ أرضٍ مَسَّ مَنَّ جِلدِي تُرابُها
هذا إلى مُغالاتي لفقد جِوارك ، ومُنافستي بلَحظةٍ مِن قُربك ،
واعتقادي أن الطمع في غيرك طَبَع ، والغني من سوك
عناءٌ وكُلُ الصيد في جوف الفرأ ، والبَذل منك أعور ،
والعِوَض صفاء .
وإذا نظرت إلى أميري زادَني ...ضَنَّاً به نَظَري إلى الأمَراءِ
وفي كل شجرةٍ نار ، واستجمد المرخُ والعَفَار .
فما هذه البَراءة ممن يتولاك ، والميل عمن يميل عنك !
وهلاَ كان هواكَ فيمن هَواهُ فيك ، ورِضاكَ لمن رضاه لك !
يا من يَعِزُ علينا أن نُفارقهم .....وحداتُنا كل شيء بَعدكُم عَدَمُ
أُعيذُك ونفسي من أن أَشيم خلَّبا ، وأَستمطر جَهاماً ،
وأكدِم في غير مَكدَم ، وأشكو شَكوَى الجَريح إلى العِقبان والرخَم ؛
فما أبسستُ لكَ إلا لتدر وحركتُ لك الحِوار إلا لتحن ،
ونبهتُك إلا لِأَنام ، وسريتُ إليكَ إلا لأحمدَ السُّرى لديك .
وإنكَ إن شئتَ عَقد أمرٍ تيسر ، ومتى أعذَرتَ في فَكِّ أسرِي لم يتعذر ،
وعِلمُك محيطٌ بأن المعروفَ ثَمَرة والنِّعمةَ ،
والشفاعة زَكاةُ للمروءة ، وفضلَ الجاهِ –تَعودُ- به صَدَقة .
وإذا امرُؤٌ أهَدى إليكَ صَنِيعةً .....مِن جاهِه فكأنها مِن مالِهِ
لعلى أن ألقي العَصا بذراك ، ويستفر بي النّوى في ظِلك ،
وأَستأنف التأدبَ بأدبِك والاحتمالَ على مَذهَبك ،
فلا أُوجِد للحاسِد مَجالَ لحَظَة ، من هذه الشكوى ،
بصنيعةٍ تُصيبُ منها مكانَ المَصنع ،
وتستودِعها أحفَظَ مُستودَع ، حَسبما أنت خَلقٌ له ،
وأنا منك حَرِىٌ به ؛ وذلك بيدِه ، وَهّينٌ عليه .
ولمّا توالت غُرَرُ هذا النثر واتسقت دُررُه ، فَهز عِطفَ غُلوائه ،
وجر ذيل خُيلائِه ، عارضَه بالنظم مُباهِياً ؛ بل كايَدَه مُداهياً ،
حين أشفق أن يستعطِفك استعطافهُ ، وتميلَ بنفسك ألطافُه ،
فاستحسن العائدَةَ منه ، واعتد بالفائدة له ،
فمازال يستكدُ الذِّهنَ العليل ، والخاطرَ الكَلِِيل ،
حتى زَف إليك عَروساً مجلؤةً في أثوابها ،
منصوصةً بِحَليِها ومَلابسِها ، وهي :
الهوَى في طلوعِ تلك النّجومِ ..........والمُنَى في هُبوبِ ذاكَ النَّسيمِ
سَرنا عَيشنا الرفيقُ الحَواشي.........لو يَدومُ السُّرورُ للمستدِيمِ
وَطَرٌ ما انقضَى إلى أن تقضي ........زمنٌ ما ذمامُه بالـــذَّمــــيمِ
إذ ختامُ الرِّضا المسوغ مِسكٌ..........ومِزاجُ الوِصال من تَسنيمِ
وعَريضِ الدلال غَص جَنَى الصبوَة...... نشوانَ من سُلافِ النَّعيمِ
طالما نافر الهَوَى منه عِزٌ ................لم يَطُل عَهدُ جِيدِه بالتّميمِ
زارَ مستخِفياً، وهيهاتَ أن يخفى.......في سَنَا البدرِ في الظلام البَهيمِ
فوَشَى الحَلىُ إذ مَشى، وهفَا الطَيب.إلى حُسنِ كاشحٍ بالنميمِ
أيها المُؤذنِي بظلم الليالي...............ليس دهري بواحدٍ من ظلومِ
ما تَرَى البَدرَ إنْ تأملتَ والشمسَ.......هما يُكسَفان دونَ النّجومِ!
وهو الدهرُ ليس ينفك ينجو .............بالمُصابِ العظيم نحوَ العظيمِ
بوأ اللهُ جهوراً أشرفَ السوددِ ..........في السر واللبابِ الصمِيمِ
واحدٌ سلم الجميعُ له الأمر.............فكانَ الخُصوصُ وفق العُمومِ
قلد الغمرُ ذا التجاربِ فيه ...............واكتفى جاهلٌ بعلمِ عَليمِ
خطر يقتضى الكمال بنوعى............خُلُقٍ بارِعٍ وخَلقٍ وَسيمِ
أسوة الروضِ تطبيك يحظى ............نظرٍ ما اعتمدته وشميمِ
ابهذا الوزيرُ ها أنا أشكو .................والعَصَا بَدء قَرعِها للحليمِ
ما غناءٌ أن يألفَ السابق المربطَ ........في العِتقِ منه والتطهيمِ
وثواء الحسام في الجفن يثنى ........منه بعد المضاءِ والتصميمِ
أفصرٌ مئين جمساً من الأيامِ............ناهيكَ مِن عذابٍ أليمِ
ومُعنى من الصبا بهناتٍ..................نكأت بالكلومِ قزحَ الكلُومِ
شَقَمٌ لا أعادُ منه وفي العائد ...........أنسٌ يفي بُبرء السقيمِ
نار بَغىٍ سَعَى إلى جَنّة الأسنِ ........لظاها، فأصبحت كالصريمِ
بأبى أنتَ إن تَشَأتكَ برداً .................وسلاماً كنارِ إبراهيمِ
للشفيع الثناء والحمدُ في صوبِ........الحيا للرياحِ لا للغيومِ
وزعيم بأن يذللَ لي الصّعبَ ............فيأتي إلى الهُمام الزعيمِ
وثناء أرسلتُه سلوة الظاعِنِ ............عن شوقه ولهو المُقيمِ
وودادٌ يُغيرُ الدهر ما شاء ...............ويَبقى بقَاءَ عهدِ الكَريمِ
فهو رَيحانة الجَليس ولا فَخرَ ...........ومنه مِزاجُ كأسِ النَّديمِ
لَم تَزَلْ مُغِياً على هَفوة الجانِي ......مُصيخاً إلى أعتذارِ المُليمِ
ومتى نبدأ الصِّنيعةَ يُوليكَ..............تمامُ الخِصالٍ بالتتميمِ
ها كََها أعزَّك اللهُ يَبسطها الأمَل ، ويَقبِضها الخَجَل ،
لها ذَنْب التقصير ، وحُرمة الإخلاص ، فهَبْ ذَنباً لحُرمة ،
واشفَع نعمةً بنِعمة ؛ ليتأتى لك الإحسانُ مِن جهاتِه ،
وتَسُلك إلى الفضلِ طُرُقاتِه ؛ إن شاء الله تعالى .
هذه الرسالة الجدية الزيدونية بجملتها نثراً ونظماً
فــــــي قرطبــــــــــة
لكن لم تنجح توسلات بن زيدون، فيفر من السجن إلى اشبيلية سنة 433 هجريا، ويجد هناك عند المعتضد بن عباد صدرا رحبا، بيد أن نفس ابن زيدون كانت متعلقة بقرطبة، موطن هواه ومسرح صباه، فيكتب قصيدته النونية الشهيرة، والتي سوف نشير إليها بعد قليل.
لا يطيق ابن زيدون البقاء بعيدا عن قرطبة، فيعود إليها مستخفيا في ضاحية الزهراء، ومن هناك يرسل إلى ولادة قصيدته:
إِنّي ذَكَرتُكِ بِالزَهراءَ مُشتاقاً ... وَالأُفقُ طَلقٌ وَمَرأى الأَرضِ قَد راقا
وَلِلنَسيمِ اِعتِلالٌ في أَصائِلِهِ ... كَأَنَّهُ رَقَّ لي فَاعتَلَّ إِشفاقا
وَالرَوضُ عَن مائِهِ الفِضِيِّ مُبتَسِمٌ ... كَما شَقَقتَ عَنِ اللَبّاتِ أَطواقا
يَومٌ كَأَيّامِ لَذّاتٍ لَنا انصَرَمَت ... بِتنا لَها حينَ نامَ الدَهرُ سُرّاقا
نَلهو بِما يَستَميلُ العَينَ مِن زَهَرٍ ... جالَ النَدى فيهِ حَتّى مالَ أَعناقا
كَأَنَّ أَعيُنَهُ إِذ عايَنَت أَرَقي ... بَكَت لِما بي فَجالَ الدَمعُ رَقراقا
وأخيرا يعود السعد ويبتسم لابن زيدون، فيشفع له صديقه أبي الوليد بن جهور عند أبيه، فيرضي عنه، وفي عام 435 هجريا يتولي صديقه ابي الوليد الحكم في قرطبة فيتألق نجم بن زيدون، لكن لا تدوم المودة طويلا بينهما بعد اتهام بن زيدون بالاشتراك في محاولة لقلب نظام الحكم في قرطبة، فيسافر إلى بطليوس وهناك يكتب:
يا دَمعُ صُب ما شِئتَ أَن تَصوبا
وَيا فُؤادي آنَ أَن تَذوبا
إِذِ الرَزايا أَصبَحَت ضُروبا
لَم أَرَ لي في أَهلِها ضَريبا
ولا يستقر المقام به طويلا فيغادر بطليوس إلى اشبيلية، وهناك يلقي بن زيدون تكريمًا لم يسبق له مثيل، وأصبحت حياته كلها أفراحًا، لا يشوبها سوى حساده في بلاط المعتمد أمثال "ابن عمار" و "ابن مرتين" اللذين كانا سببًا في هلاكه في الخامس عشر من رجب سنة 463 هجرية؛ إذ ثارت العامة في أشبيلية على اليهود فاقترحا على المعتمد إرسال ابن زيدون لتهدئة الموقف، واضطر ابن زيدون لتنفيذ أمر المعتمد رغم مرضه وكبر سنه، مما أجهده وزاد المرض عليه فدهمه الموت.
القصيدة النونية
هذه القصيدة آية من الشعر العربي والعالمي ، وقد نالت شهرة واسعة ، لدرجة أن البعض قال "لو بن زيدون لم يكتب غيرها لكفته" ، وذكر المقري في نفح الطيب بأن حفظ النونية كان من شروط التحلي بالظرف والأدب عند الأندلسيين،، وقد ترجم هذه القصيدة المستعرب الأسباني "إميليو جارثيا جوميث" .
تقول القصيدة :
أضْحَى التّنائي بَديلاً عنْ تَدانِينَا،..... وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا
مَنْ مبلغُ الملبسِينا، بانتزاحِهمُ، ..... حُزْناً، معَ الدهرِ لا يبلى ويُبْلينَا
أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا ...... أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا
غِيظَ العِدا مِنْ تَساقِينا الهوَىفدعَوْا ..... بِأنْ نَغَصَّ، فَقالَ الدهر آمينَا
فَانحَلّ ما كانَ مَعقُوداً بأَنْفُسِنَا؛ ...... وَانْبَتّ ما كانَ مَوْصُولاً بأيْدِينَا
********
وَقَدْ نَكُونُ، وَمَا يُخشَى تَفَرّقُنا، .......... فاليومَ نحنُ، ومَا يُرْجى تَلاقينَا
يا ليتَ شعرِي، ولم نُعتِبْ أعاديَكم، .... ...... هَلْ نَالَ حَظّاً منَ العُتبَى أعادينَا
لم نعتقدْ بعدكمْ إلاّ الوفاء لكُمْ ....... ... رَأياً، ولَمْ نَتَقلّدْ غَيرَهُ دِينَا
ما حقّنا أن تُقِرّوا عينَ ذي حَسَدٍ ........ بِنا، ولا أن تَسُرّوا كاشِحاً فِينَا
كُنّا نرَى اليَأسَ تُسْلِينا عَوَارِضُه، ...... وَقَدْ يَئِسْنَا فَمَا لليأسِ يُغْرِينَا
بِنْتُم وَبِنّا، فَما ابتَلّتْ جَوَانِحُنَا .... شَوْقاً إلَيكُمْ، وَلا جَفّتْ مآقِينَا
نَكادُ، حِينَ تُنَاجِيكُمْ ضَمائرُنا، .... يَقضي علَينا الأسَى لَوْلا تأسّينَا
حَالَتْ لِفقدِكُمُ أيّامُنا، فغَدَتْ .... سُوداً، وكانتْ بكُمْ بِيضاً لَيَالِينَا
لا تَحْسَبُوا نَأيَكُمْ عَنّا يغيّرُنا؛ .... أنْ طالَما غَيّرَ النّأيُ المُحِبّينَا!
وَاللهِ مَا طَلَبَتْ أهْواؤنَا بَدَلاً ..... مِنْكُمْ، وَلا انصرَفتْ عنكمْ أمانينَا
ويقارن بين ما كان فيه من سعادة والحال الذي وصل إليه:
يا جنّة َ الخلدِ أُبدِلنا، بسدرَتِها والكوثرِ العذبِ، زقّوماً وغسلينَا
كأنّنَا لم نبِتْ، والوصلُ ثالثُنَا، وَالسّعدُ قَدْ غَضَّ من أجفانِ وَاشينَا
إنْ كان قد عزّ في الدّنيا اللّقاءُ بكمْ في مَوْقِفِ الحَشرِ نَلقاكُمْ وَتَلْقُونَا
ونقرأ من أجمل أشعاره :
موقف للوداع ..
خُنتَ عَهدي وَلَم أَخُن بِعتَ وُدّي بِلا ثَمَن
قائِلاً هَل مُزايِدٌ رابِحاً ثُمَّ مَن يَزِن
عُدَّتي كُنتَ لِلزَمانِ فَقَد حُلتَ وَالزَمَن
أَرخِصِ البَيعَ كَيفَ شِئـتَ وَذَرني لَتَندَمَن
سوف تبلي بغيرنا جرب الناس وامتحن
يا قاطعا حبل ودي ..
يا قاطعاً حبلَ ودّي، وَوَاصِلاً حَبْلَ صَدّي
وَسَالِياً، لَيْسَ يَدرِي بطولِ بثّي ووجدِي
لوْ كانَ، عندكَ، مني مثلُ الذي منكَ عندي
لبتَّ، بعديَ، مثلي، وبتُّ مثلَكَ بعدِي
يا ليل طل ..
يا ليلُ طلْ، لا أشتَهي، إلاّ بِوَصْلٍ، قِصَرَكْ
لوْ باتَ عندي قمرِي، ما بتُّ أرعَى قمرَكْ
يا ليلُ خبّرْ: أنّني ألْتذُّ عنْهُ خبرَكْ بِاللَّهِ
قُلْ لي: هَلْ وَفَى ؟ فَقالَ: لا، بَل غَدَرَكْ!
وقال يذكر ولادة
يا نازِحاً وَضَميرُ القَلبِ مَثواهُ .. أَنسَتكَ دُنياكَ عَبداً أَنتَ مَولاهُ
أَلهَتكَ عَنهُ فُكاهاتٌ تَلَذُّ بِها .. فَلَيسَ يَجري بِبالٍ مِنكَ ذِكراهُ
عَلَّ اللَيالِيَ تُبقيني إِلى أَمَلٍ .. الدَهرُ يَعلَمُ وَالأَيّامُ مَعناهُ
آلام المحب ..
مَتى أَبُثُّكِ ما بي .. يا راحَتي وَعَذابي
مَتى يَنوبُ لِساني .. في شَرحِهِ عَن كِتابي
اللَهُ يَعلَمُ أَنّي .. أَصبَحتُ فيكِ لِما بي
اللَهُ يَعلَمُ أَنّي .. أَصبَحتُ فيكِ لِما بي
**********
لَئِن فاتَني مِنكِ حَظُّ النَظَر ..... لأَكتَفِيَن بِسَماعِ الخَبَر
وَإِن عَرَضَت غَفلَةٌ لِلرَقيبِ .... فَحَسبِيَ تَسليمَةٌ تُختَصَر
أُحاذِرُ أَن تَتَظَنّى الوُشاةُ ..... وَقَد يُستَدامُ الهَوى بِالحَذَر
وَأَصبِرُ مُستَيقِناً أَنَّهُ ..... سَيَحظى بِنَيلِ المُنى مَن صَبَر
********
يا مَن غَدَوتُ بِهِ في الناسِ مُشتَهِراً .. قَلبي عَلَيكَ يُقاسي الهَمَّ وَالفِكَرا
إِن غِبتَ لَم أَلقَ إِنساناً يُؤَنِّسُني .. وَإِن حَضَرتَ فَكُلُّ الناسِ قَد حَضَر
هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون
هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون
هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون
هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون
سيدنا يوسف عليه السلام
عمر ال عوضه
- مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ المعروف بـ"مصطفى محمود"
- كاتب وطبيب وأديب
- ولد في 25 ديسمبر 1921 في شبين الكوم ـ منوفية
- ألّف مصطفى محمود 89 كتابًا، متعددة الموضوعات والمجالات فمنها...
علي الدوخي هو عازف بيانو سعودي
طه ايسو هو يوتيوبر و رحالة مغربي ، اشتهر برحلاته حول العالم و طريقته الجميلة في تقريب الأشياء للمتابعين .