القران الكريم اعتقد
تفسير قوله تعالى: (وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم)
ثم قال الله: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ [الزخرف:4] الأصل في كلمة (أم) أنها تأتي بإزاء الأب هذا هو الأصل، وإذا خرجت اللفظة عن أصلها وأدت معنىً آخر، ودلت قرينها على أننا لا نريد الأصل فهذا ما يسميه البلاغيون استعارة، وسأقرب المعنى إلى فهم المشاهدين، فعندما تذهب إلى رجل لديه فرح وتشاهد هذا الفرح بجوار داره، ثم أعجبك ذلك الفرش الذي أنت جالس عليه فظننت أن هذا الفرش ملك لصاحب الدعوة، ثم لم تلبث أن قلّبت الفرش فوجدت عليه علامة أو ختماً أو أمارة مكتوب عليها: مفروشات كذا وكذا، أو محلات كذا وكذا للتأجير، فإنك تفهم أن هذا الفرش مستعار وليس لصاحب الدار، فقد استعاره من صاحبه الأصلي، والقرينة تلك الورقة أو الختم أو الإشارة أو العلامة، وكذلك في اللغة فالكلمة يكون لها أصل، فإذا وجدناها استخدمت استخداماً غير الذي هو أصلها وجدنا من خلال القرينة ما يدل على أنها استعارة، وتنقسم الاستعارة إلى: استعارة تصريحية، واستعارة تبعية، واستعارة مكنية وهذا باب آخر، لكن نبدأ تدريجياً فهذا معنى الاستعارة، فالأصل في كلمة (أم) أنها التي تلد، قال الله: فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ [طه:40]، فليس ههنا استعارة؛ لأن أم موسى هي التي ولدته، لكن قول الله جل وعلا هنا: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ [الزخرف:4] المقصود أصل الكتب، أي: أصل ما خط في اللوح المحفوظ، فـأُمِّ الْكِتَابِ [الزخرف:4] هو اللوح المحفوظ، فهذا يسمى استعارة، وقد تقول: إنه بمعنى واسع هنا، ولا أريد أن أدخل في ألفاظ حولها إشكال فالمهم المعنى، وأظن أن ابن قدامة أو ابن قتيبة -التبس عليَّ الآن وهذا من الحفظ القديم- يعبّر تعبيرات ويقول: لا عبرة بالمصطلح الذي يتنازع عليه الناس، وهذا كلام جيد فالعبرة بالمعنى، فكلمة (أم) في القرآن وردت على عدة معاني، وردت بمعنى الوالدة: فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ [طه:40]، ووردت بمعنى المرضعة: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء:23]، وتسمى المرضعة في اللغة ظئراً، ووردت بمعنى المآل، قال الله جل وعلا: فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ [القارعة:9] أي: مآله أن يهوي في جهنم، ووردت بمعان عدة منها: قول الله جل وعلا هنا: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ [الزخرف:4]، وأطلق على مكة أنها أم القرى، قيل: بمعنى الأصل، ومنه قول الله تعالى في آل عمران: هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ [آل عمران:7] أي: أصل الكتاب، وغير ذلك مما هو مشهور، فالذي يعنينا أن (أُم) هنا استعير لها المعنى، فأم الكتاب هو اللوح المحفظ.
الإجابة: إن الله سبحانه وتعالى أخبر أنه يمحو ما يشاء مما كتبه معلقاً بالشروط وانتفاء الموانع، ويثبت ما يشاء من ذلك، {وعنده أم الكتاب} وهي الصحف التي عند الله فوق عرشه كتَبَ فيها ما هو كائن، فتلك الصحف ليس فيها تعليق بالشروط ولا بانتفاء الموانع.
وأما اللوح المحفوظ فيكتب فيه الأمر مشروطاً بالشروط وبانتفاء الموانع، ولذلك فالملائكة إنما يعرفون ما كتب في اللوح المحفوظ أو ما تكلم الله به، فإذا تكلم الله بشيء من قدره اهتز له الملائكة فرعبوا له، فإذا سري عنه قالوا: {ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير}، فيجيبهم جبريل عليه السلام بما أمر الله به من أمره، فذلك عندما يفزع عن صدورهم أي يزول عنهم الفزع: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} فيكتب الله تعالى في اللوح المحفوظ مقادير الأمور مشروطة بالشروط وانتفاء الموانع فيقال مثلاً: فلان بن فلان إذا وصل رحمه أو إذا تصدق بكذا زيد عمره بكذا، وإذا لم يفعل مات في الوقت الفلاني، فملك الموت لا يدري هل سيفعل ذلك أو لا يفعله لأن هذا من الغيب الحقيقي الذي اختص الله به، {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} في خمسٍ لا يعلمهن إلا الله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} فملك الموت إنما يطَّلعُ على ذلك مشروطاً بالشروط وانتفاء الموانع، ودليل هذا ما أخرجاه في الصحيحين أن ملك الموت أتى موسى عليه السلام عندما حان أجله فأراد قبض روحه فصكه على عينه ففقأ عينه أي عين تلك الصورة التي ظهر فيها، فرجع إلى ربه فقال: أي رب أرسلتني إلى عبدٍ لا يريد الموت، فكلَّم الله موسى عليه السلام فعرض عليه أن يطول عمره أن يضع يده على صفحة ثور فله بكل شعرة سنة، فقال: أي رب ثم ماذا؟ قال: ثم الموت قال: أما إذا كان لا بد منه فالآن، فلذلك لم يكن ملك الموت يعلم أن عمر موسى قد تأخر قليلاً في تلك اللحظة، إنما كان يعلم أنه كتب أنه سيموت في تلك اللحظة إذا أدى شرطاً أو إذا انتفى مانع، فخفي عليه ذلك وقد علمه الله سبحانه وتعالى وهو في أم الكتاب عنده، فلذلك قال: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} أي من اللوح المحفوظ، {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} وهي الصحف التي عنده فوق عرشه ليس فيها محو ولا تبديل، فكل ما فيها فهو على حاله.
سيدنا يوسف عليه السلام
عمر ال عوضه
- مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ المعروف بـ"مصطفى محمود"
- كاتب وطبيب وأديب
- ولد في 25 ديسمبر 1921 في شبين الكوم ـ منوفية
- ألّف مصطفى محمود 89 كتابًا، متعددة الموضوعات والمجالات فمنها...
علي الدوخي هو عازف بيانو سعودي
طه ايسو هو يوتيوبر و رحالة مغربي ، اشتهر برحلاته حول العالم و طريقته الجميلة في تقريب الأشياء للمتابعين .