لم-الدكتور- محمد عبدالله باسلامة - كان لليمن القديم دور حضاري، امتدت جذوره منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، وظهر نشاطه التاريخي خلال الألف الأولى قبل الميلاد وبداية العصر الميلادي من خلال ممالك سبأ ومعين وحضرموت وقتبان وأوسان وأخيرا مملكة حمير ( سبأ وذوريدان وحضرموت ويمانة) ولا يعرف بالتحديد بداية كل منها أو كيف اختفت ومتى انتهى بعضها، إلا أن اسم سبأ استمر منذ ظهورها حتى انتهاء دورها بعد الاحتلال الحبشي لليمن في القرن السادس للميلاد وظهور الإسلام، وقد تعاصرت بعض الدول أو أدخلت في كيانات سياسية في بعض الفترات، وكان لها وجود سياسي وجغرافي ومراكز حكمها، وتفاعلت مع بعضها البعض ومع دول الجوار بأنشطة حضارية مختلفة، نتج عن النشاط الحضاري لليمن القديم ظهور شواهد أثرية نقوش كتابية ونماذج فنية لأشكال آدمية وهندسية، بما فيها من عناصر حيوانية ونباتية وأدوات ورموز دينية، عملت من الطين وأنواع الأحجار الجيرية والكلسية والرخام والمرمر والبرونز ومن الخشب والعظم والزجاج.
إن أعمال الآثار ونقلها إلى الخارج مسألة قديمة ومستمرة، خاصة إذا ما علمنا أن المواقع الأثرية في اليمن كثيرة، وتحتاج إلى المزيد من الحرص والوعي لأهمية كل أثر، كما أن فقدان الأثر وعرضه أو الاحتفاظ به في كل بقعة من العالم يشكل نقصا في مدلوله العلمي والثقافي لدى الباحثين والمهتمين.
الممالك اليمنية القديمة
ينبغي أن يسبق المراحل التاريخية الحضارية لليمن القديم، ذكر لعصر التاريخ المبكر وعصر ما قبل التاريخ، وهما عصران لم تتضح بعد الصور الأولية لهما نظرا لقلة العمل الأثري في اليمن بهذا الخصوص. وقد أنبأت الشواهد القليلة المتوافرة عن فترات العصر البرونزي والعصر الحجري وهي الفترات السحيقة التي ينبغي أن تسبق في العادة عصر التاريخ القديم أو فترة الحضارة الراقية، بل يرجح أن بلاد اليمن قد شهدت مراحل التحولات الحضارية الأولى التي عهدت في بقاع معهد الحضارات المعروفة مثل حضارة ما بين النهرين وحضارة وادي النيل وحضارة بلاد الشام، فموقعها المجاور والملامس لتلك البقاع يقتضي أن تكون قد عرفت حضارة مبكرة تشكل امتدادا لها أو من بعض أصولها. غير أن اليمن لم تنل حظها من الجهود الأثرية التي نالتها تلك البقاع، ولذا كانت الدلائل الأثرية القليلة التي تؤمئ إلى تلك العصور السحيقة غير كافية، ولا بد من جهود كبيرة متضافرة ومسح آثاري شامل وتنقيب علمي منظم يتم في هذه البلاد حتى يتسنى لها إبراز شواهدها الحضارية وكتابة فصولها التاريخية منذ أقدم العصور.
ظهرت في اليمن حضارة عريقة، امتدت قيدما إلى معظم أجزاء الجزيرة العربية، ففي هذا الإقليم من بلاد العرب، قامت حضارة يعود قديماً آثارها إلى ماقبل الألف الأول قبل الميلاد، حضارة جذبت إليها أنظار العالم القديم وأثرت فيه، وبلغت من ذيوع الصيت ما جعل الكتاب الكلاسيكيين من أمثال سترابو وبلني وبطليموس يتحدثون عنها بكثير من الإعجاب والانبهار. ففي تلك العهود عاشت على مسرح الحوادث في العربية السعيدة ممالك في فترات متداخلة ومتعاقبة هي: سبأ ومعين وحضرموت وقتبان، ومملكة لم تظهر هويتها كاملة هي تلك التي كانت تدعى أوسان، والتي تبدو أنها كانت على الأغلب متعاصرة متعاونة أو متنافسة متناصرة، كل منها تستقل بنفسها تارة وتدين بالولاء لبعض جاراتها تارة أخرى.
وتنافست الممالك الأربع التي تختلف في قوتها، بعضها مع البعض الآخر. وفي نهاية القرن الثاني قبل الميلاد برزت سبأ قوة استطاعت أن تغزو معين، وكذلك أجزاء من مملكة قتبان الغربية، أما التهديد الخطير الوحيد لممالك اليمن فهو الذي جاء في حوالي ( 25-24ق، م) عندما سيطر الجيش الروماني بقيادة "اليوس جاليوس" aelius Gallus)) على مصر، ومن ثم تغلغل إلى الجنوب العربي بمساعدة أدلائهم من الأنباط، وهاجم الرومان نجران ومعين التي ربما فتحت أبوابها للأعداء. أما مأرب فقد صمدت وتراجع الرومان بسبب قلة الماء وانتشار الأمراض. وكان في خطط الإسكندر المقدوني القيام بحملة بسبب موته المبكر، أما مملكة قتبان فقد استمرت في ضعفها، فعاصمتها" تمنع" دمرت في الربع الأول للقرن الأول بعد الميلاد من قبل حضرموت، أما الأجزاء الأخرى لقتبان فقد سقطت في أيدي السبئيين وأهل حضرموت.
مملكة سبأ
مملكة سبأ هي الأقدم من بين الممالك اليمنية القديمة فتاريخ سبأ هو في الحقيقة سناد التاريخ اليمني القديم وعموده، ودولة سبأ في العصر الأول، هي أكبر وأهم تكوين سياسي فيه، وما تلك الدول التي تذكر معها سوى تكوينات سياسية كانت تدور في الغالب في فلكها، ترتبط بها حينا وتنفصل عنها حينا آخر، مثل دول معين وقتبان وحضرموت، أو تندمج معها لتكون دولة واحدة مثل حمير، والتي لقب ملوكها بملوك سبأ وذوريدان، وذوريدان هم حمير، وأرض سبأ في الأصل هي منطقة مأرب، وتمتد إلى الجوف شمالا، ثم ما تلاها من المرتفعات والهضبات إلى المشرق، مثل مناطق أرحب وخولان وقاع صنعاء وقاع البون كان موقع مأرب عاصمة مملكة سبأ في وادي سبأ على مشارف الصحراء يسيطر على طريق التجارة المهم المعروف بطريق اللبان.
وقد وصفت أرض (شبا) ( سبأ) في التوراة بأنها كانت تصدر اللبان وكانت ذات تجارة، وأن تجارها كانوا يتاجرون مع العبرانيين، واشتهرت قوافلها التجارية التي كانت ترد محملة بالأشياء النفسة. وتبين من المواضع التي ورد فيها ذكر السبئيين في التوارة أن معارف العبراينيين عنهم قد حصلوا عليها من اتصالهم التجاري معهم.
جاء في وصف حديث للمدينة ( مأرب وسبأ) والمنطقة المجاورة ما يأتي" وهناك وهدة واسعة وبالأخرى سلسلة من الوهاد المتقاربة على طول ( 160) ميلا إلى الشمال والشمال الشرقي من بلاد اليمن ويفصل هذه الوهاد عن هضبة صنعاء والمناطق الفاصلة من ( نهم وبلاد خولان) ويمتد هذا المنخفض الكبير غير المنتظم من الشمال إلىالجنوب منحدرا من هضبة اليمن .
بما فيها عسير, ويحاذيه من الشرق الكثبان العالية من الصحراء الشرقية الكبرى، ويدعى القسم الجنوبي من ذلك المنخفض بالجوف ( ويدعى كثيرا بجوف اليمن) وقد كان مركزا لحضارة السبئيين والمعينيين قديما. وسبأ أرض اليمن مدينتها مأرب بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام.
ورد سم سبأ دون غيرها من الممالك اليمنية القديمة في القرآن الكريم في سورة النمل وفي سورة تحمل اسمها ( سورة سبأ) وهو بذلك أول مصدر يعتد به في الحديث عن مملكة سبأ وقومها وما كانوا عليه من ديانة وأوضاع اجتماعية.
مملكة معين.
أقام المعينيون في الجوف مملكتهم، وفيه لا تزال خرائب حاضرتهم ( قرنو) التي تعرف باسم ( معين) باقية إلى اليوم، والجوف منفهق من الأرض ، تحيط به الجبال: برط والشعف واللوذ من الشمال، وسليام ثم يام من الجنوب وتفضي إليه أربعة أودية، أهمها وادي الخارد.
وقد ذكر الهمداني، مواضع كثيرة في منطقة الجوف مثل معين ونشق وبراقش. وكمنا وغيرها. وأقدم من ذكر المعينيين الجغرافي اليوناني "سترابو". نقلها من مصادر يونانية قديمة عندما عدد ممالك بلاد العرب الجنوبي، فقد ذكر مملكة المعينيين، وأن عاصمتهم هي قرنا( karna) وحسب وصف "سترابو"، تقع معين في الشمال إلى الجنوب منها سبأ وإلى الجنوب البعيد تقع قتبان وإلى الشرق منها كلها تقع حضرموت، ومعين اسم حصن ومدينة باليمن.
ويرى بعض العلماء أن مملكتي سبأ ومعين، قد وثقتا العلاقة بينهما، وأصبحت معين مستقلة حتى نهاية القرن الخامس قبل الميلاد، ومنذ القرن الرابع دخلت فترة طويلة من الازدهار والرخاء الاقتصادي، وخلال تلك الفترة سيطرت على معظم طرق التجارة، التي تستمر مدة شهرين في طريقها حتى تصل للبحر المتوسط..
ولتوفير الحماية لهذا الطرق فإن المعينيين أنشأوا مستعمراتهم بعيدا في الشمال الغربي للجزيرة العربية من منطقة واحات ددان.
مملكة قتبان
يورد( ثيوفراستوس) ( حوالي 312 ق.م ) ( كتبيا أو كتبين) (katabani kattabaina) ( قتبان) ضمن ممالك بلاد العرب الجنوبي الأربع وهذه التسمية تتفق مع ما ذكره سترابو عن القتبانيين وما جاء في بلني، كما ورد اسم قتبان في النقوش اليمنية القديمة ويصف سترابو هذه المملكة بأنها تشغل أقصى الزارية الجنوبية الغربية من بلاد العرب في المنطقة المجاورة لمضيق باب المندب، الذي يشكل مدخل البحر الأحمر، وعلى ساحلها الجنوبي يقع ميناء عدن. قتبان اسم دولة وأرض وقبيلة كانت مثاويها في الأصل فيها يعرف اليوم بمنطقة بيحان ( وادي بيحان)، ويعتبر وادي حريب الواقع إلى الغرب من بيحان ضمن أراضي مملكة قتبان. وقد حرص القتبانيون على ربط الواديين بطريق عبر عقبة مبلقة، المواجهة لمدينة ذو غيل ثانية المدن القتبانية أهمية ( بعد العاصمة القديمة تمنع وقتبان جمع قتب: موضع في نواحي عدن.
وقد اختلف علماء الآثار في تحديد ظهور قتبان ونهايتها. أقدم النقوش تعود إلى عصر المكربيين ( الملوك) الأول الذي يقدر" البرايت" منهم بالفترة ما بين القرنين السابع والخامس قبل الميلاد، ويظهر أن أقدم من ورد اسمه منهم في النقوش المعروفة ( المكرب سمة على وتر) من القرن السادس قبل الميلاد، وفي القرن الرابع ومنذ حوالي 350 ق.م فيما يبدو, أصبحت قتبان تسيطر على الشريط الساحلي الممتد من باب المندب حتى ما وراء عدن إلى الشرق، ومنذ ذلك الوقت ازدهرت قتبان, وأتت أغلب النصوص الطويلة وأغلب النصوص التذكارية.
ومنذ نهاية القرن الثاني قبل الميلاد، أخذ الحميريون يقتطعون أجزاء من الأراضي التابعة لقتبان. وبنهاية القرن الأول ق.م تمتد سيطرة حمير على الأجزاء الساحلية وفقدت بذلك قتبان سيطرتها على التجارة البحرية.
وفي عام 1950م قامت بعثة "مؤسسة دراسة الإنسان الأمريكية" بإجراء حفريات في "هجر كحلان" بوادي بيحان وهو الموقع الذي كانت تقوم عليه تمنع، والتي قال بلني إن "بها خمسة وستون معبداً" الأمر الذي يصور لنا مدى اتساعها.
وتوصل القائمون على الحفريات- على الرغم من عدم اكتمالها- إلى نتائج مهمة يتعلق البعض منها بتاريخ قتبان.
مملكة أوسان
اسم إحدى الممالك اليمنية القديمة، فقد جاء في النقوش السبئية والقتبانية "ملك/ أوسن" و"ملك أوسن"، وهو الاسم الذي أطلق على المنطقة الواقعة على ساحل خليج عدن وبعض المناطق الداخلية، ويرجع أن موطنها الأصلي في وادي مرخة. ويستفاد من نقش صرواح الكبير الذي يذكر أن "الملك المكرب" السبئي كرب إل وتار بن ذمار علي، قد قام بعدة حملات عسكرية داخلية خلال فترة حكمه "القرن السابع قبل الميلاد" يهدف منها إلى تثبيت السلطة المركزية لدولته وتأديب من خرج عنه.. وشملت حملاته مناطق أوسان وغيرها من المنطق الجنوبية حتى باب المندب.. ويستفاد من النقش أن ذلك الحاكم تمكن من إقامة دولة مركزية قوية انضوى تحت لوائها كل اليمن تقريباً.
مملكة حضرموت
يرد اسم حضرموت في التاريخ بأسماء مختلفة، فهي عند ارثوسثيس "حضر موتيتاي" وعاصمتها "كباتاتون" وعند "سترابو" و"ثيوفر استوس" هي "حضرميتا"، بينما يشير "بلني" إلى أهل حضرموت أنهم جماعة من السبئيين. ويأتي ذكر مملكة حضرموت في العديد من النقوش الكتابية القدمية، فقد ورد اسم حضرموت في الكتابات المعنية، كما وردت أسماء ملوك حضرموت في كتابات حضرمية. أما الهمداني فيقول: "حضرموت من اليمن وهي جزؤها الأصغر نسبت هذه البلدة إلى حضرموت بن حمير الأصغر فغلب اسم ساكنها". واسم حضرموت في التوراة" حاضر ميت"،وقيل سميت بحضرموت بن يقطن بن عامد، وحضرموت بن قحطان، فهو اسم موضع واسم قبيلة.
وقد ظلت حضرموت تعرف بهذا الاسم دون انقطاع ولم يزل الاسم بزوال المملكة القديمة.
كما حدث لشقيقاتها، كما أن أكبر وديانها يعرف باسم وادي حضرموت ويبلغ طوله 160كم ويربط الأجزاء الغربية والشرقية في منطقتها.
وقد كانت حضرموت بلاد البخور لأنها كانت مملكة مترامية الأطراف تتوسط بلاد العرب، وتمتد إلى ظفار أعظم المناطق المنتجة للبخور، ولا شك أن مملكة حضرموت في أوج ازدهارها وقواتها أكبر الممالك اليمنية القديمة رقعة، امتدت من مشارق بيحان "قتبان" غرباً إلى حدود عمان شرقاً شاملة ظفار كلها، وامتدت أيضاً عبر البحر إلى جزيرة سقطرى، ويذكر أن مدينة شبوة "العاصمة" تقع في الداخل وأنها محل إقامة الملك، وإليها يجلب اللبان لخزنه، كما أن مدينة "قنأ" كانت الميناء التجاري لحضرموت، وتقع في أسفل جبل يعرف اليوم باسم "حصن الغراب".
وتتضارب آراء العلماء حول زمن بدء مملكة حضرموت القديمة وتطورها.
وقد عرفت حضرموت نظام المكربين "لقب ديني ومدني" وفيما عدا العلاقة الخاصة بين حضرموت ومعين في الثلث الأخير من الألف الأول قبل الميلاد فإننا لا نكاد نعرف شيئاً عن نشاط أهل حضرموت في ذلك الوقت، ولكن الإشارات الواردة في كتب المؤرخين الكلاسيكيين تدل على أن تجارة البخور كانت مزدهرة، وأن شبوة كانت مركزاً رئيسياً لتجميع تلك السلعة الثمينة. وازدهرت حضرموت ازدهاراً شديداً في الفترة التي نسميها فترة "ملوك سبأ وذو ريدان) أي القرون الثلاثة الأولى لعصر ما بعد الميلاد، ويعود ذلك فيما يبدو إلى عدة عوامل، منها ازدياد الإقبال على مادة اللبان الذي يجعلها تولي اهتماما خاصا بمنطقة (إقليم ظفار) حيث أقامت ميناء (سمهر) (على خور روري) بالقرب من صلالة.
كما أن حركة التجارة في ميناء قنا وفي سقطرى كما يظهر في كتاب (الطواف حول البحر الأحمر) كانت نشطة وكانت الوفود والتجار يتوافدون على البلاد برا وبحرا كما نلمس من نقوش العملة.
وخاضت حضرموت حرب الثلاثمائة عام التي دارت حول توحيد كل من سبأ وذي ريدان. وقد تمكنت في مطلع القرن الثاني الميلادي من السيطرة على معظم بلاد (ولد عم) (قتبان)، وبعد ذلك الوقت دخلت حضرموت ضمن المملكة الحميرية التي شملت اليمن كله منذ بداية القرن الرابع الميلادي.
جهود نقل الآثار سابقاً:
اهتمت المؤسسات العلمية والمتاحف العالمية باقتناء الآثار والنقوش اليمنية منذ بدء الرحلات الاستكشافية في القرن الثامن عشر، ثم بتنظيم رحلات البعثات العلمية والآثارية إلى اليمن لجلب الآثار في العصر الحديث، وذلك خلال الوجود التركي والاستعمار البريطاني والحكم الإمامي، حيث شجعت عملية بيع الآثار وتهريبها إلى الخارج. ووجدت في اليمن- حيث مناطق الآثار وانتشارها- شبكات تجميع الآثار ونقلها إلى عدن، حيث يوجد تجار وسماسرة الآثار. ولهذا نجد الآن كميات كبيرة من النقوش والقطع الأثرية في حوزة المتاحف العالمية ولدى أرباب المجموعات الأثرية الخاصة.
حديث الوثائق
يستفاد من كتاب (المستشرقون وآثار ليمن) بجزأيه لمؤلفه د. محمد بافقيه 1988م أن الشخصية المهمة الذي يرد اسمه في رسائل الكتاب، هو "الكونت دي لندبرج" أو عمر السويدي (1848-1924) الذي زار اليمن مرات ما بين عام 1882م وعام 1894م وبلغ في إحداها مأرب تحت اسم الشيخ حسين.. ظل تطلعه الى اختراق المناطق الداخلية مشروعا على ورق الرسائل التي تبادلها مع أولي الشأن في تلك المناطق: (نصاب ويشم وبيحان وعدن وسقطرى وقشن والشحر والمكلا وبالحاف وحورة وعرقة وأحور وشقرة).
تشكل الرسائل إضافة مهمة الى حصيلتنا من الوثائق عن الفترة التي تعود إليها، وهي فترة شهدت تسارعا في وتيرة التغلل البريطاني في المناطق الداخلية من جنوب اليمن تغلغلا لعب فيه دورا ملحوظا المغامر البريطاني وإيمان بري (أو عبدالله منصور) الذي تردد اسمه في الرسائل أكثر من أي مخلوق آخر، وتغطي الرسائل العائدة إلى الأعوام من 1895-1911م مجمل الفترة التي ظل خلالها، بل وإلى ما وراءها قليلا، المستشرق السويدي الكونت كارلودي لندبرج على اتصال بمعاريفه اليمنيين، يلتقيهم بداره في عدن أو أماكن إقامته في (أوروبا). أما الجانب الطاغي في الرسائل فهو ذلك الذي يتعلق بتجارة الآثار وفي مقدمتها (الأحجار المكتوبة) أي النقوش أو المساند، تلك التجارة المشئومة التي ألحقت الضرر في مجال التراث وعناية المثقفين. فهي تراث الحضارة العريق والعادات والتقاليد والفنون.
تصدمنا الرسائل بعنف حين تُظهر أن تجارة الآثار في اليمن قد اتخذت عند التقاء القرنين التاسع عشر العشرين أبعادا خطيرة، إذ كادت تشمل اليمن كله رغم وعورة الطريق وصعوبة التنقل من جراء اهتزاز الأمن المرافق لحالة التمزق التي أضعفت البلاد وقتها وخلقت فيها حالة القابلية للاستعمار. لقد قامت في تلك الفترة شبكة تخريب وتسرب للآثار كانت الحلقة العدنية – كما يظهر من رسائل الملف- أبرز حلقاتها، وذلك لأن حركة السفن التي تربط الميناء اليمني بالموانئ المهمة في أوروبا والهند قد سهلت في ظل الوجود البريطاني عملية التسريب.
وكان القانون في عدن هو إرادة المستعمر، ولم تكن إرادته تتعارض مع تشجيع الاتجار في الآثار رغم علمه بأنها مسروقة بل كان الضباط البريطانيون أنفسهم من عسكريين وأشباه مدنيين لا يتورعون عن الاستحواذ على ما تصل إليه أيديهم من قطع أثرية بعضها يتهافتون عليه لقيمته المادية وبعضها يحتفظ به الأفراد منهم على سبيل التذكار، والبعض الآخر يجد طريقه إلى متاحفهم والمتاحف الأوربية الأخرى بيعا وإهداء
في الرسالة رقم 96/2 بتاريخ 20/3/1896م أن محمد صالح قد اتخذ الترتيبات من أجل إحضار (التواريخ الحميرية ومؤلفات الهمداني للكونت من صنعاء. و(التواريخ الحميرية) عبارة فضفاضة ولكنها تشير الى طبيعة الوثائق التي كان "لندبرج" يسعى إلى اقتنائها ويحتمل أنها تعني النقوش. أما مؤلفات الهمداني فكثيرة ولعل ما كان يبحث عنه "لندبرج" هو المزيد من أجزاء (الإكليل). عاش الهمداني وهو أبو محمد الحسن بن يعقوب في القرن الرابع الهجري- العاشر الميلادي- وهو العلامة الموسوعي اليمني الذي اشتهر بلقب لسان اليمن.
من خلال الرسالة رقم 98/9 بتاريخ 12/4/98م وهي تشير الى جلب 11 حمالا من نقوش واضحة عبارة عن أحجار كبيرة وصغيرة، حملها من عدن إلى "لندبرج" وهي من أرض الخورة والعلهين ودمان وأرض عوذلة وأرض النخعين. بخمسمائة ورقة مطبوعة (مضغوطة) وأن هناك أحجارا أخرى تقدر بـ15 حملا.ومن خلال حفريات المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان في اليمن بين عامي1950-1952م بقيادة وندل فيلبس، والتي عملت تنقيبات أثرية في بيحان (تمنع، حيد بن عقيل، هجر بن حميد) التابعة لمملكة قتبان، وفي مأرب مملكة سبأ جاء في وصفه: كانت مقبرة تمنع في حيد بن عقيل مصدرا طيبا للدخل لبعض البدو لمدة طويلة من الزمن.. كانت القطع الأثرية تباع في الأسواق منذ سنوات عدة قبل عمل البعثة الأمريكية بالحفريات الأثرية، عن طريق البدو الباحثين عن الكنوز كان هؤلاء يحفرون في الرمال في تشكيل معالم الوجوه واللحية الكثة والأذرع المحورة، وأهم ما تتميز به هو وجود خناجر ذات طرف حاد ومقبض ينتهي برأس هلالي الشكل ويليها التماثيل الحجرية فاقدة الأرجل، سطوحها وجوانبها نحتت بأسلوب تكعيبي بدائي، وملامح الوجوه فيها لا تظهر بوضوح. كما أن نسب الجسم غير متناسقة وتأتي بعدها الدمى الطينية التي عملت بأصابع اليد في تشكيل الرأس والوجه المستدير، وتسطيح أو تدوير الجسم، بأطراف قصيرة، وهي إما واقفة أو جالسة، تتصف بعجز واسع، وقد أضيفت لبعضها قطع طينية للدلالة على خصال الشعر أو القلائد التي عملت أيضا بأشرطة مثقوبة أو خطوط محززة، ويستدل الى العيون والأثداء بثقوب أو قطع بارزة ومنها ما يتشابه بما وجود على دمى طينية في بلاد وادي الرافدين، والتي تمثل آلهة الخصب ورمز الأمومة.
وتأتي التماثيل البرونزية لتعطي انطباعاً على مدى التطور الذي وصلت إليه في المحافظة على نسب أجزاء الجسم، ذلك أنها اختلفت في تشكيلها عن التماثيل الحجرية من حيث عملها في قوالب برونزية وجاءت معبرة لسمات الشخصية اليمنية لتماثيل الذكور والإناث. وكان للفنان الحرية في وضع الأيدي وابتعاده عن الالتصاق بالجسم ودلت ملامح الوجوه على دقة تمثيلها لتحاكي الشكل الطبيعي وإظهار الابتسامة على محياها باستنثاء تمثال معدي كرب الذي يبدو عليه الصرامة كما في التماثيل الحجرية وقد أفرد تمثال معدي كرب قدمه اليسرى لتتقدم على اليمنى وهو الوضع في تمثال برونزي لرجل.
وتتميز النماذج ذات النحت النصفي البارز على ألواح حجرية بأنها تعد أدق ما أنتجه النحات اليمني القديم في شكل الرأس وملامح الوجوه وإبراز الصدر وتقنية القلائد وشفافية الثوب. ولهذه الألواح أهمية دينية.
وفي شواهد القبور السبئية ترتدي النساء أثواباً طويلة تصل إلى القدمين، على شكل طيات ملتفة، ويبدو الثور على النصف العلوي المنحوت للمرأة بتشكيل متقن دقيق شفاف وقد يمثل عند فتحة الرقبة على شكل أشعة الشمس مع إظهار مواضع التكفيت وطرف الأكمام القصيرة بالإضافة إلى الملابس فقد شكلت الأحذية لبعض النماذج: أنواع منهما على شكل حذاء ذي مشبك أو حذاء يغطي كامل القدمين، من المحتمل أنه عمل للمتوفى صاحب شاهد القبر وهو الحذاء الذي وجد بجانب المومياوات المكتشفة في اليمن.
واختلفت تسريحات الشعر بين نماذج الذكور والإناث. ففي التماثيل الأنثوية ذات النحت التكعيبي البدائي، عملت تركيبات مقصوصة على جانبي الرأس وحصل تطور في بعضها لتصبح التسريحة طبيعية وفي التماثيل ذات النحت المدور منها ماعمل الشعر على شكل إكليل مضفور أو أرسلت تسريحات الشعر للخلف كما في نماذج التماثيل الأنثوية البرونزية أو يصفف ويشد للخلف وقد يعمل على شكل طاقية بخصلات مضفورة مركزها وسط الرأس كما في نموذج تمثال معدي كرب والذي عملت له أيضا لحية من خصل مجعدة مصفوفة.
وتميزت الأشكال الهندسية بأنها عملت على كتل حجرية كتصميمات هندسية محورة، مثل مباني مقدسة بما فيها من أبواب والنوافذ وشبابيك واسعة وضيقة، تحيطها إطارات مستطيلة الشكل وعقود، مدببة مثلثة مقوسة ترتفع فوق الأبواب.
يرافق هذه العناصر المعمارية رموز دينية، إلى جانب أعمدة ومباخر متنوعة ومختلفة بها أشكال هندسية، والتي تظهر فيها دقة وبراعة النحات في تشكيلها وتنفيذها وإخراجها، محافظا على نسبه الهندسية وصقل مسطحاتها حتى وإن تكررت في أوجه الكتل الهندسية إن النحات اليمني القديم قد اتبع في نحت نماذجه طرائق وأساليب خاصة به وقد تنوعت وتعددت تفاصيل النحت، ومع ذلك فإن للنحات اليمني أسلوبا متميزا ومعبرا عن خصوصية الحضارة اليمنية القديمة.
-الدكتور محمد سلامة استاذ للاثار بجامعة صتعاء
تدل أقدم المعلومات المعتمدة على قيام حضارة يمنية راقية، يعود تاريخها على الأقل إلى القرن العاشر قبل الميلاد وتقترن هذه المعلومات بذكر سبأ التي ارتبطت بها معظم الرموز التاريخية في اليمن القديم والتي هي بالفعل واسطة العقد في هذا العصر ، ويمثل تاريخ دولة سبأ، وحضارة سبأ فيه عمود التاريخ اليمني، وسبأ عند النسابة هو أبو حمير وكهلان، ومن هذين الأصليين تسلسلت أنساب أهل اليمن جميعا،كما أن هجرة أهل اليمن في الأمصار ارتبطت بسبأ، حتى قيل في الأمثال: تفرقوا ايدي سبأ ،والبلدة الطيبة التي ذكرت في القرآن الكريم هي في الأصل ارض سبأ، كما أن ابرز رموز اليمن التاريخية ، سد مأرب ، قد اقترن ذكره بسبأ، وكان تكريمه بالذكر في القرآن سببا في ذيوع ذكر سبأ وحاضرتها مأرب
ودولة سبأ في العصر الأول هي أكبر وأهم تكوين سياسي فيه، وما تلك الدول التي تذكر معها سوى تكوينات سياسية كانت تدور في فلكها، ترتبط بها حينا وتنفصل عنها حينا آخر، مثل دولة معين وقتبان وحضرموت، أو تندمج فيها لتكون دولة واحدة مثل دولة حمير، والتي لقب ملوكها بملوك سبأ وذي ريدان وذو ريدان هم حمير
وأرض سبأ في الأصل هي منطقة مأرب ، وتمتد إلى الجوف شمالا، ثم ما حاذاها من المرتفعات والهضاب إلى المشرق، وكانت دولة سبا في فترات امتداد حكمها تضم مناطق أخرى ، بل قد تشمل اليمن كله
وكانت مأرب عاصمة سبأ،وتدلل الخرائب والآثار المنتشرة التي تكتنف قرية مأرب الصغيرة اليوم على الضفة اليسرى من وادي أذنه على جلال المدينة القديم وكبرها، ويرجح ان التل الذي تقع عليه قرية مأرب اليوم هو مكان قصر سلحين الذي ذكره العلامة الحسن بن احمد الهمداني قبل الف عام، والذي ورد ذكره بالإسم نفسه في النقوش اليمنية القديمة
وقد تحكم موقع مأرب في وادي سبأ بطريق التجارة الهام المعروف بطريق اللبان، وكان اللبان من أحب أنواع الطيوب وأغلاها في بلدان الشرق القديم، وحوض البحر المتوسط، وقد تميزت اليمن بانتاجها أجود أنواع اللبان وهو الذي كان ينمو في الجزء الأوسط من ساحله الجنوبي في بلاد المهرة وظفار، وقد أدى ذلك الطلب المتزايد عليه إلى تطوير تجارة واسعة نشطة، تركزت حول هذه السلعة وامتدت إلى سلع أخرى نادرة عبر طريق التجارة المذكورة.
وكان يمتد هذا الطريق بصفة رئيسية من ميناء قنا في مصب وادي ميفعة على بحر العرب إلى غزة في فلسطين على البحر المتوسط، مرورا بمدينة شبوة ومأرب، ثم يمر بوادي الجوف، ومنه إلى نجران حيث يتفرع إلى فرعين : طريق يمر عبر قرية الفاو في وادي الدواسر، ومنه إلى هجر في منطقة الخليج، ثم إلى جنوب وادي الرافدين، وطريق رئيس يمتد من نجران نحو الشمال، مارا بيثرب، ثم ددان في شمال الحجاز، ومنه إلى البتراء، ويتجه الطريق الرئيس من البتراء نحو ميناء غزة، بينما يتجه فرع آخر إلى دمشق وإلى مدن الساحل الفينيقي
ولا شك أن إستئناس الجمل الذي يرجح انه تم في القرون الأخيرة من الألف الثاني قبل الميلاد قد لعب دورا بارزا في إزدهار التجارة بقدرته على حمل الأثقال ولمسافات طويلة، وتتوافق تواريخ استئناس الجمل مع ما ورد في التوراة من إشارات إلى زيارة ملكة سبأ للنبي سليمان عليه السلام في القرن العاشر قبل الميلاد، وهي الزيارة التي تفيد وجود علاقات تجارية بين بلاد الشام وبلاد اليمن، إذ تذكر الأخبار المرتبطة بتلك الزيارة ان ملكة سبأ أحضرت معها كميات كبيرة من الطيوب منها اللبان
وتعتبر أخبار هذه الزيارة كما وردت في التوراة أقدم الأخبار التي وصلتنا عن سبأ وحضارتها، وقصة هذه الزيارة مشهورة وقد طبقت شهرتها الآفاق وملأت اسماع الدنيا، وشغلت الناس عشرات القرون، ذكرتها الكتب السماوية، وتواتر ذكرها في الأخبار وروايات متعددة، وخاصة موروث أهل اليمن، فملكة سبأ عندهم رمز تاريخي لحضارة يمنية قديمة راقية، وقد كرمت ملكة سبا وقصة زيارتها للنبي سليمان بالذكر في القرآن الكريم،قال تعالى : وجئتك من سبأ بنبأ يقين، إني وجدت إمرأة تملكهم وأوتيت من كل شيئ ولهاعرش عظيم ،
وإذا كانت التجارة وموردها المالي الوفير قد أسهمت بقسط عظيم في صياغة الحياة العامة للناس وإزدهارها في مراكز الحضارة اليمنية القديمة ، وخاصة في قلب تلك الحضارة ، أرض سبأ وعاصمتها مأرب، فإن سد مأرب هو أهم شاهد على أن اليمن شهدت أيضا حضارة زراعية فائقة،
وتشير بعض الدراسات الأثرية الجادة التي أجريت ميدانيا على آثار السد إلى أن أسسه ربما تعود تاريخيا إلى قبل مطلع الألف الأول قبل الميلاد على الأقل، وهو أمر يتوافق أيضا مع ما سلف ذكره من أخبار تتحدث عن حضارة يمنية راقية منذ مطلع الألف الأول قبل الميلاد،
وقد ذكرت النقوش ملكة سبأ التي حكمت في القرن العاشر قبل الميلاد وبعدها ذكرت عددا كبيرا من المكربين والملوك الذين تولوا الحكم في دولة سبأ، والفرق بين الملك والمكرب هو أن الملك يحكم شعبا واحدا أو قبيلة واحدة بينما المكرب لقب للمجمِّع والموحِّد لعدة شعوب أي الموحد،ووجود المكربين في تاريخ اليمن القديم يشهد بجدارة على الجهود المبكرة جدا لتوحيد أهل اليمن تحت سلطة سياسية واحدة،
وقد حاول أحد العلماء ترتيبهم زمنيا خلال الألف الأول قبل الميلاد، فبلغوا ما يقارب الخمسين، إبتداء من القرن الثامن إلى القرن الأول قبل الميلاد، ومن هؤلاء الحكام يثع أمر بين بن آسْمُهُ عَلَي الذي تذكره الحوليات الآشورية حوالي عام 715 ق،م مقترنا بالملك الآشوري سرجون الثاني وهو ما يشهد على قيام علاقات دبلوماسية مع العالم الخارجي ، اما النقوش اليمنية فتذكره مقترنا ببعض المنشآت المعمارية ومنها أنه سور مأرب،
ومنهم أيضا كَرِبْ إل وتار بن ذمارعلي الذي بعث بهدية إلى الملك الآشوري سنحريب، حسب ما يذكر نقش بناء معبد بيت أكينو في آشور، حوالي 685 ق،م، ويرجح أنه هو نفسه صاحب نقش صرواح الكبير الذي يذكر أن هذا الملك قد قام بعدة حملات عسكرية داخلية خلال فترة حكمه يهدف منها إلى تثبيت السلطة المركزية لدولته وتأديب من خرج عنه، وشملت حملاته مناطق أوسان وغيرها من المناطق الجنوبية حتى باب المندب، كما شملت حملاته أيضا مناطق امتدت ما بين نجران والمعافر بلاد الحجرية، من محافظة تعز وبعض مدن وادي الجوف، مثل نشان ونشق، ويذكر النقش أنه كافأ الجهات التي حافظت على الولاء له مثل حضرموت وقتبان، وأنه قام بإصلاحات واسعة في منطقة مأرب ومنها قصر سلحين وسوَّر عددا من المدن اليمنية، وأصلح عددا من سبل الري والأراضي التابعة لها،
ويعد المكرب يَدَعْ إل ذريح بن آسْمُهُ علي أشهر حكام سبا في أمور البناء، فقد عثر على نقوش عديدة من عهده تذكر منشآته المعمارية، وخاصة المعابد، وقد ارتبطت باسمه معابد شهيرة باليمن القديم مثل معبد أوام البيضاوي الكبير محرم بلقيس ومعبد صرواح ، ومعبد في المساجد وغيرها من الأبنية التي تنبئ عن آثارها عن مستوى راق من الإتقان المعماري والإبداع الهندسي،
وظلت سبأ وحتى القرن الخامس قبل الميلاد الدولة الكبيرة الأم ، حين خرجت عن سيطرتها منا طق عدة واستطاعت أن تكون دولا مستقلة،
ودخلت هذه الدول في منافسة مع سبأ، وشاركتها نفوذها السياسي والتجاري، بل إن كل واحدة من تلك الدول لم تكن أقل شأنا من سبأ في أوج إزدهارها وأبرز هذه الدول هي معين وقتبان وحضرموت،
أما دولة معين فقد ظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد في الجوف، بعد أن تمكنت مناطق الجوف بقيادة مدينة يَثُل = براقش العصمة الدينية من السيطرة على طريق اللبان التجاري بمساندة حضرموت وقتبان، ثم اتجه المعينيون شمالا، وأقاموا المحطات التجارية والمستوطنات المعينية على طرق القوافل التجارية مثل قرْية في وادي الدواسر على الطريق بين نجران والبحرين أي شرق الجزيرة ، ومثل ددان في وادي القرى على الطريق بين نجران وغزة،
ومن قرنو عاصمة الدولة المعينية انطلق أهل معين يرتادون الأسواق العالمية في فلسطين ومصر واليونان وغيرها، وقد عثر بمصر على قبر تاجر معيني نقش اسمه زيد إلأ بن زيد وكان يتاجر بالمر والقرفة في مصر أيام بطليموس الثاني حوالي 264 ق،م،
وكان العالم القديم يعرف المعينيين، وقد ذكرهم مؤلفوا اليونان في كتبهم وسموا اللبان باسمهم، على أن تلك المصادر لا تقصر الذكر على المعينيين، وإنما تذكر معهم أيضا في اليمن: السسبئيين والحضارمة والقتبانيين،
وكان أول ذكر لقتبان قد ورد في نقش الملك كرب إل وتار السبئي، وكانت حينها موالية لسبأ التي خلصتها من سيطرة أوسان،
على أن قتبان مثل معين استطاعت أن تخرج عن سيطرة سبأ في القرن الخامس قبل الميلاد، وأن تمد نفوذها على حساب سبأ متحالفة مع حضرموت،
كانت مدينة تمنع في وادي بيحان عاصمة قتبان وهو مقر قبائلها في الأصل ، وفي القرن الثالث والثاني قبل الميلاد بلغت قتبان أوج ازدهارها وشملت رقعتها مناطق أوسان القديمة حتى ساحل بحر العرب، ومدت نفوذها جنوبا لتشمل واحة الجوبة على بعد مسيرة يوم واحد من مأرب العاصمة السبئية،
وتميز القتبانيون بنشاط زراعي هائل، فأقاموا مشاريع الري في الوديان، وشقوا القنوات الطويلة وحفروا الآبار وبنوا السدود، وأحسنوا استثمار موقعهم على طريق اللبان التجاري، فجنوا من الزراعة والتجارة الخير الوفير، وكانوا يعنون بسن الشرائع ووضع القوانين التي تنظم أمورهم الاقتصادية، ولا تزال تقوم إلى اليوم وفي محل السوق القديم بهجر كحلان تمنع العاصمة قديما مَسَلَّةٌ نقش على جوانبها تعاليم خاصة بسوق المدينة واسمه سوق شمر ويبين النقش إجمالا الرسوم المفروضة ، وفئات التجار وغير ذلك،
أما حضرموت في أقدم عهودها فقد كانت تابعة لدولة سبأ الكبيرة ثم موالية لها، وفي القرن الخامس ق،م، إبان ضعف الدولة السبأية خرجت حضرموت عن سبأ كغيرها وكونت دولة مستقلة، وقد نمت قوتها تدريجيا واكتسبت أهمية فائقة، خاصة لكونها تملك أرض اللبان في ظفار وكانت عاصمتها شبوة التي تقع في أقصى غرب وادي حضرموت على أطراف مفازة صيهد، وكانت تشمل في عز ازدهارها ظفارا ارض اللبان والنطاق الجنوبي الممتد حتى ساحل العرب، وتمتد شمالا باتجاه الربع الخالي وما يحاذي العَبْر، بالإضافة إلى موطنها الأصلي وادي حضرموت، وتبرز أهمية هذه الدولة بوضوح من خلال ذكرها وذكر عاصمتها في المصادر الكلاسيكية، إذ تذكر أن شبوة عاصمة حضرموت كانت مركزا هاما لتجارة اللبان.
سيدنا يوسف عليه السلام
عمر ال عوضه
- مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ المعروف بـ"مصطفى محمود"
- كاتب وطبيب وأديب
- ولد في 25 ديسمبر 1921 في شبين الكوم ـ منوفية
- ألّف مصطفى محمود 89 كتابًا، متعددة الموضوعات والمجالات فمنها...
علي الدوخي هو عازف بيانو سعودي
طه ايسو هو يوتيوبر و رحالة مغربي ، اشتهر برحلاته حول العالم و طريقته الجميلة في تقريب الأشياء للمتابعين .