الجواب هو ... ثابت بن قيس رضي الله عنه .
لمّا نزلت الآية الكريمة : {ان الله لا يحب كل مختال فخور}... أغلق ثابت باب داره وجلس يبكي... وطال مكثه على هذه الحال، حتى دعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسأله عن حاله ، فقال ثابت : (يا رسول الله ، اني أحب الثوب الجميل، والنعل الجميل وقد خشيـت أن أكون بهذا من المختاليـن)... فأجابه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يضحك راضيا: (انك لست منهم.. بل تعيش بخير.. وتموت بخير.. وتدخل الجنة ).
ولما نزل قول الله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي * ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض، أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون }.
أغلق ثابت - رضي الله عنه - عليه داره، وطفق يبكي، وافتقده الرسول -صلى الله عليه وسلم- فسأل عنه، ثم أرسل من يدعوه، وجاء ثابت ، وسأله النبي عن سبب غيابه، فأجابه: (اني امرؤ جهير الصوت، وقد كنت أرفع صوتي فوق صوتك يا رسول الله، واذن فقد حبط عملي، وأنا من أهل النار).
وأجابه الرسول - صلى الله عليه وسلم : (انك لست منهم... بل تعيش حميدا... وتقتل شهيدا... ويدخلك الله الجنة) ... فقال : (رضيتُ ببُشرى الله ورسوله، لا أرفعُ صوتي أبداً على رسول الله)... فنزلت الآية الكريمة: قال تعالى : { إنَّ الذينَ يغُضُّونَ أصواتَهُمْ عند رسولِ الله أولئِكَ الذَّينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلوبَهُم للتَّقْوَى، لهم مَّغْفِرةٌ وِأجْرٌ عَظِيمٌ }.
خطيب الإسلام
كان ثابت - رضي الله عنه - خطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - والإسلام، وكانت الكلمات تخرج من فمه قوية، صادعة جامعة رائعة، ففي عام الوفود أذن له الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن يجيب على خطيب وفد (بني تميم).
فبعض مما قال ثابت : (الحمد لله، الذي السماوات والأرض خلقه، قضى فيهن أمره، ووسع كرسيه علمه، ولم يك شيء قط الا من فضله... ثم كان من قدرته أن جعلنا أئمة، واصطفى من خير خلقه رسولا، أكرمهم نسبا، وأصدقهم حديث وأفضلهم حسبا فأنزل عليه كتابه، وائتمنه على خلقه، فكان خيرة الله من العالمين... ثم كنا - نحن الأنصار - أول الخلق إجابة... فنحن أنصار الله، ووزراء رسوله ).
جهاده
شهد ثابت - رضي الله عنه - مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - غزوة أحد والمشاهد بعدها، ولم يشهد بدراً، وشهد بيعة الرضوان ، وكانت فدائيته من طراز فريد .
في حروب الردة، كان في الطليعة دائما ، يحمل راية الأنصار، ويضرب بسيف لا يكبو... وفي موقعة اليمامة ، رأى ثابت - رضي الله عنه - وقع الهجوم الذي شنه جيش مسيلمة الكذاب على المسلمين أول المعركة فصاح بصوته : ( والله ، ما هكذا كنا نقاتل مع رسـول اللـه - صلى اللـه عليه وسلم -)... ثم ذهب غير بعيد، وعاد وقد تحنط، ولبس أكفانه.
وصاح مرة أخرى : ( اللهم اني أبرأ اليك مما جاء به هؤلاء - يعني جيش مسيلمة - وأعتذر اليك مما صنع هؤلاء) ... يعني تراخي المسلمين في القتال ... وانضم اليه سالم مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وكان يحمل راية المهاجرين، وحفر الاثنان لنفسيهما حفرة عميقة ثم نزلا فيها قائمين، وأهالا الرمال عليها حتى غطت وسط كل منهما.
الشهادة
وهكذا وقفا طودين شامخين، نصف كل منهما غائص في الرمال مثبت في أعماق الحفرة، في حين نصفهما الأعلى -صدرهما وجبهتهما وذراعاهما- يستقبلان جيوش الوثنية والكذب، وراحا يضربان بسيفيهما كل من يقترب منهما من جيش مسيلمة حتى استشهدا في مكانهما، وكان مشهدهما - رضي الله عنهما - هذا أعظم صيحة أسهمت في رد المسلمين الى مواقعهم ، حيث جعلوا من جيش مسيلمة ترابا تطؤه الأقدام .