جان جاك روسو (28 يونيو 1712-2 يوليو 1778) فيلسوف سويسري، كان أهم كاتب في عصر العقل. وهو فترة من التاريخ الأوروبي، امتدت من أواخر القرن السابع عشر إلى أواخر القرن الثامن عشر الميلاديين. ساعدت فلسفة روسو في تشكيل الأحداث السياسية، التي أدت إلى قيام الثورة الفرنسية. حيث أثرت أعماله في ا لتعليم والأدب والسياسة
حياته المبكرة
وُلد روسو في مدينة جنيف فيما يُعرف الآن بسويسرا. وكانت أسرته من أصل بروتستانتي فرنسي، وقد عاشت في جنيف لمدة مائتي عام تقريبًا. توفيت أمه عقب ولادته مباشرة، تاركة الطفل لينشأ في كنف والده، الذي عُرف بميله إلى الخصام والمشاجرة. ونتيجة لإحدى المشاجرات عام 1722م، اضطر والد روسو إلى الفرار من جنيف. فتولى عم الصبي مسؤولية تربيته.
وفي عام 1728م، هرب روسو من جنيف، وبدأ حياة من الضياع، ومن التجربة والفشل في أعمال كثيرة. كانت الموسيقى تستهويه دوماً، وظل لسنوات مترددًا بين احتراف الكتابة أو الموسيقى. وبعد وقت قصير من رحيله عن جنيف، وهو في الخامسة عشرة من عمره، التقى روسو بالسيدة لويز دي وارنز، وكانت أرملة موسرة. وتحت تأثيرها، انضم روسو إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية. ومع أن روسو كان أصغر من السيدة دي وارنز باثني عشر أو ثلاثة عشر عامًا، إلا أنه استقر معها بالقرب من مدينة شامبيري، في دوقية سافوي. وقد وصف سعادته بعلاقتهما في سيرته الذاتية الشهيرة اعترافات التي كتبت في عام 1765 أو 1766م - 1770م، ونُشرت عامي 1782م و 1788م، ولكن العلاقة لم تدم، فقد هجرها روسو أخيرًا عام 1740م.
****وفي عام 1741م أو 1742م، كان روسو في باريس يجري وراء الشهرة والثروة، وقد سعى إلى احتراف الموسيقى. وكان أمله يكمن في وضع نظام جديد للعلامات والرموز الموسيقية قد كان ابتكره. وقدم المشروع إلى أكاديمية العلوم، ولكنه أثار قدرًا ضئيلاً من الاهتمام. في باريس، اتَّصل روسو بـالفلاسفة وهي جماعة من مشاهير كتاب وفلاسفة العصر. وحصل على التشجيع المادي من مشاهير الرأسماليين. ومن خلال رعايتهم، خدم روسو أمينًا للسفير الفرنسي في البندقية خلال عامي 1743، 1744م.
كانت نقطة التحول في حياة روسو عام 1749م، حين قرأ عن مسابقة، تكفَّلت برعايتها أكاديمية ديجون، التي عرضت جائزة مالية لأحسن مقال عن الموضوع، وهو ما إذا كان إحياء النشاط في العلوم والفنون من شأنه الإسهام في تطهير السلوك الأخلاقي. وما أن قرأ روسو عن المسابقة حتى أدرك المجرى الذي ستتّجه إليه حياته. وهو معارضة النظام الاجتماعي القائم، والمضيّ فيما بقي من حياته في بيان الاتجاهات الجديدة للتنمية الاجتماعية. وقدم روسو مقاله إلى الأكاديمية تحت عنوان: بحث علمي في العلوم والفنون عام 1750 أو 1751م، حمل فيه على العلوم والفنون لإفسادها الإنسانية. ففاز بالجائزة، كما نال الشهرة التي ظل ينشُدها منذ أمد بعيد.
المنزل الذي كان يسكنه مع زوجته في السابق[عدل] حياته المتأخرة
عندما تحول روسو إلى المذهب الكاثوليكي، خسر حقوق المواطنة في جنيف. ولكي يستعيد هذه الحقوق تحول مرة أخرى عام 1754م إلى المذهب البروتستانتي. وفي عام 1757م اختلف مع الفلاسفة؛ لأنه استشعر منهم الاضطهاد.
[عدل] أعماله
تتسم آخر أعمال روسو بالإحساس بالذنب وبلغة العواطف. وهي تعكس محاولته للتغلب على إحساس عميق بالنقص، ولاكتشاف هويته في عالم كان يبدو رافضًا له. حاول روسو في ثلاث محاورات صدرت أيضًا تحت عنوان قاضي جان جاك روسو كُتبت في المدة بين عامي 1772 - 1776م، ونُشرت عام 1782م، حاول الرد على اتهامات نقاده، ومن يعتقد أنهم كانوا يضطهدونه. أما عملُه الأخير، الذي اتسم بالجمال والهدوء، فكان بعنوان أحلام اليقظة للمتجول الوحيد (كُتبت بين عامي 1776 و1778م، ونُشرت عام 1782م). كذلك، كتب روسو شعرًا ومسرحيات نظمًا ونثرًا. كما أن له أعمالاً موسيقية من بينها مقالات كثيرة في الموسيقى ومسرحية غنائية (أوبرا) ذات شأن تسمى عرّاف القرية، ومعجم الموسيقى (1767م)، ومجموعة من الأغنيات الشعبية بعنوان العزاء لتعاسات حياتي (1781م). وفضلاً عن ذلك، كتب روسو في علم النبات، وهو علم ظل لسنوات كثيرة تتوق نفسه إليه.
[عدل] أفكاره
قام روسو بانتقاد المجتمع في رسائل عديدة. ففي رسالته تحت عنوان: "بحث في منشأ وأسس عدم المساواة" (1755م)، هاجم المجتمع والملكية الخاصة باعتبارهما من أسباب الظلم وعدم المساواة. وكتابه "هلويز الجديد" (1761م) مزيج من الرواية الرومانسية والعمل الذي ينتقد بشدة زيف المبادئ الأخلاقية التي رآها روسو في مجتمعه. وفي كتابه "العقد الاجتماعي" (1762م)، وهو علامة بارزة في تاريخ العلوم السياسية، قام روسو بطرح آرائه فيما يتعلق بالحكم وحقوق المواطنين. وفي روايته الطويلة "إميل" (1762م) أعلن روسو أن الأطفال، ينبغي تعليمهم بأناة وتفاهم. وأوصى روسو بأن يتجاوب المعلم مع اهتمامات الطفل. وحذر من العقاب الصارم ومن الدروس المملة، على أنه أحس أيضًا بوجوب الإمساك بزمام الأمور لأفكار وسلوك الأطفال.
كان روسو يعتقد أن الناس ليسوا مخلوقات اجتماعية بطبيعتهم، معلنًا أن من يعيشون منهم على الفطرة معزولين عن المجتمع، يكونون رقيقي القلب، خالين من أية بواعث أو قوى تدفعهم إلى إيذاء بعضهم بعضًا. ولكنهم ما إن يعيشوا معًا في مجتمع واحد حتى يصيروا أشرارًا. فالمجتمع يُفسد الأفراد من خلال إبراز ما لديهم من ميل إلى العدوان والأنانية.
لم يكن روسو ينصح الناس بالعودة إلى حالة من الفطرة. بل كان يعتقد أن الناس بوسعهم أن يكونوا أقرب ما يكونون إلى مزايا هذه الحالة، إذا عاشوا في مجتمع زراعي بسيط، حيث يمكن أن تكون الرغبات محدودة، والدوافع الجنسية والأنانية محكومة، والطاقات كلها موجهة نحو الانهماك في الحياة الجماعية. وفي كتاباته السياسية، رسم روسو الخطوط العريضة للنظم التي كان يعتقد، أنها لازمة لإقامة ديمقراطية يشارك فيها كافة المواطنين. يعتقد روسو أن القوانين يتعيّن عليها أن تعبر عن الإرادة العامة للشعب. وأي نوع من الحكم يمكن أن يكتسب الصفة الشرعية مادام النظام الاجتماعي القائم إجماعيًا. واستنادًا إلى ما يراه روسو، فإن أشكال كافة الحكم تتجه في آخر الأمر إلى الضعف والذبول. ولا يمكن كبح التدهور إلا من خلال الإمساك بزمام المعايير الأخلاقية، ومن خلال إسقاط جماعات المصالح الخاصة. وقد تأثر روبسْبيير وغيره من زعماء الثورة الفرنسية بأفكار روسو بشأن الدولة، كما أن هذه الأفكار كانت مبعث إلهام لكثير من الاشتراكيين وبعض الشيوعيين.
[عدل] نفوذه الأدبي
مهد روسو لقيام الرومانسية، وهي حركة سيطرت على الفنون في الفترة من أواخر القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلاديين؛ فلقد ضرب روسو، سواء في كتاباته أو في حياته الشخصية، المثل على روح الرومانسية، من خلال تغليبه المشاعر والعواطف على العقل والتفكير، والنزوة والعفوية على الانضباط الذاتي. وأدخل روسو في الرواية الفرنسية الحب الحقيقي المضطرم بالوجدان، كما سعى إلى استخدام الصور الوصفية للطبيعة على نطاق واسع، وابتكر أسلوبًا نثريا غنائيًا بليغًا. وكان من شأن اعترافاته أن قدمت نمطًا من السير الذاتية التي تحوي أسرارًا شخصية. والى هنا ينتهي النفوذ الادبي له املين انكم قد استفدتم منما قدمنتاه
جان جاك روسو والعقد الاجتماعي (1712-1778)
حياته:
ولد جان جاك روسو jean – Jacques rousso في جنيف من أسرة فرنسية، احترف في أول حياته مختلف الحرف، لكنه عرف بعض الاستقرار في مدينة سافوي فاستطاع أن يتعلم الموسيقي واللاتينية والفلسفة، ثم ذهب الى مدينة البندقية حيث أصبح كاتباً لسفير فرنسا فيها وعاد إلى باريس وهو في الثالثة والثلاثين. في باريس اتصل (بريد رو) المفكر الفرنسي وكتب في موسوعته الجزء الخاص بالموسيقة.
في صيف 1749 قرأ إحدى الصحف إن أكاديمية ديجون تعرض للمسابقة هذه المسألة، هل تعاونت الفنون والعلوم على تصفية الأخلاق؟ فشرع يكتب على الفور في هذا الموضوع وقدم للأكاديمية ما كتب وأحرز الجائزة.
كان هذا هو أول الطريق الى شهرته العالمية. ثم أعلنت الأكاديمية إنها تضع للمسابقة هذا الموضوع (ما منبع تفاوت المراتب بين الناس)؟ وهل يقره القانون الطبيعي؟ فعقد العزم على الكتابة وأخرج كتابه الثاني (مقال في أصل التفاوت بين الناس)؟ وهل يقره القانون الطبيعي؟ فعقد العزم على الكتابة وأخرج كتابه الثاني (مقال في أصل التفاوت بين الناس) ولكنه لم يحصل على الجائزة ونشر الكتاب عام 1574، وبعد ثمان سنوات (1762) أخرج كتابين (العقد الاجتماعي) (في التربية) فأنكره السلطات الباريسية الكتاب الثاني وهمت بإعتقاله ففر إلى سويسرا ثم لجأ إلى النكلترا وسمع له أخيراً بالعودة على فرنسا حيث عاد وقضى بقية أيامه بحالة مضطربة.
آراءه في العقد الاجتماعي:-
يرى روسو إن الانسان طبيعي لا هو بالخير ولا هو بالشرير، وإن المساواةين الناس قد زالت بظهور الزراعة والصناعة والملكية. إن القوانين قد شرعت لتثبيت قوة الظالم على المظلوم، والناس يستطيعون تحقيق شيء من الحرية المدنية بدخولهم في تعاقد اجتماعي يجعل السيادة للمجتمع بأسره بحيث لا يجوز النزول عنها لأحد.
يفترض روسو إن الإنسان كان متوحداً في الغالب لا يعرف أهله ولعله لم يكن يعرف أولاده ولا لغة له ولا صناعة ولا فضيلة ولا رذيلة من حيث أنه لم يكن له مع أفراد نوعه أي علاقة يمكن أن تكون علاقة خلقية كان حاصلا بسهولة على وسائل ارضاء حاجاته الطبيعية ولم يصاب الا بالقليل من الأمراض قلما كان يحتاج إلى الأدوية لأن الصحة إنما تعتل بالإسراف في المعيشة وبالميول المصطنعة وما ينتج عنها من اجهاد جسمي وعقلي. 1 يرى روسو ان الحرية هي التي تميز الإنسان أكثر من الفهم (الموجود في الحيوان إلى حد ما) ويقول ان الحيوان ينقاد لدافع الطبيعة ولكن الإنسان يرى نفسه حراً في الانقياد له أو مقاومته. ويعتقد روسو أن هوبز قد أخطأ في قوله أن حالة الطبيعة تتميز بالطمع والكبرياء، فإن هاتين العاطفتين لا تنشآن إلاّ في حالة الإجتماع، فالإنسان المتوحد كان كاملاً سعيداً لأن حاجاته قليلة.
يبدر هذا التساؤل عن كيفية خروج الإنسان من هذه الحالة؟ خرج الإنسان منها اتفاقاً بأن عرضت له أولاً اسباب طبيعة كالجدب والبرد والقيظ اضطرته إلى التعاون مع غيره من أبناء نوعه... تعاوناً[19] موقتاً كان الغرض منه صيد الحيوان... ثم اضطرتهم الفيضانات والزلازل إلى الإجتماع بصفة مستديمة فاخترعت اللغة فتغير السلوك وبرز الحسد.
ان هذا الإجتماع بنوعيه، المؤقت والمستديم، يمثل في رأي روسو، حالة التوحش الخالية من القوانين وليس فيها ردع سوى خوف الإنتقام ولكن تطور حياة الإنسان واتساع ضروراتها أدى إلى نشوء حالة مدنية منظمة بالقوانين تثبت الملكية ويتوطد التفاوت بين الناس. وهكذا يتحول الإنسان الطيب بالطبع إلى شرير بالاجتماع.
إن الاجتماع قد أضحى ضروريا ومن العبث فضه والعودة إلى حالة الطبيعة.1
وكل ما تستطيع صنعه هو أن تصلح مفاسده بأن تقيم الحكومة الصالحة وتهيئ لها بتربية المواطنين الصالحين. فمن الوجهة الأولى تعود المسألة إلى إيجاد ضرب من الإتحاد يحمى بقوة المجتمع شخص كل عضو وحقوقه ويسمح للكل وهو متحد بالكل بأن لا يخضع إلا لنفسه وبأن تبقى له الحرية التي كان يتمتع بها من قبل. لم تكن ملكية الأرض مضمونة بما فيه الكفاية. وكان لابد من تدبر وسائل جديدة لحمايتها. وقد لجأ الأغنياء إلى الحيلة للإيقاع بالفقراء وقد ابتكروا كما يقول روسو، أذكى خطة عندما قالوا للفقراء نتحد لكي نحمي الضعفاء من الظلم والجور، ونضع قوانين العدل والسلم وبدلاً من أن نستنفذ قوانا في الاقتتال نوحد أنفسنا في سلطة عليا وفق الشرائع الحكيمة... وهكذا قاد تأسيس الملكية الأرضية البشر إلى الميثاق الاجتماعي.[20]
هذه المسألة التي يعالجها روسو في كتابه (العقد الاجتماعي) يذهب إلى أن هذا الفرض (الحريات والحقوق) ممكن التحقيق عندما تجمع الكثرة المفككة على أن تؤلف شعبا واحداً، وأن تحل القانون محل الإدارة الفردية وينزل عن نفسه وعن حقوقه للمجتمع بأكمله وهذا هو البند الوحيد للعقد الاجتماعي إذ بمقتضاه يصبح الكل متساوين في ظل القانون، والقانون ارادة الكل تقر الكلي أي المنفعة العامة وأن الشعب لا يريد إلا المنفعة العامة. فالإرادة الكلية مستقيمة دائماً ومن يأب الخضوع لها يرغمه المجتمع بأكمله.
كانت القوانين في البداية، على حد قول رسو، تفتقر إلى بعض الضوابط والمعايير الملزمة للأفراد وكان المجتمع بأسره يضمن احترامها والتقيد بها. لكن سرعان ما أوحى ضعف شكل الحكم هذا فكرة (توكيل أفراد معينين على الوديعة الخطيرة، السلطة العامة)
هكذا ظهر الولاة المنتخبون، بما أن الشعب وحَّد إرادته جمعاء في مشيئة واحدة، فيما يتصل بالعلاقات الاجتماعية، فإن كل ما وضع موضوعاً لهذه المشيئة صار للحال قانوناً أساسياً ملزماً لجميع أعضاء الدولة دونما استثناء. وهكذا نجد أن العقد الاجتماعي لا يتمخض، من منظور روسو عن تكوين المجتمع كتنظيم سياسي فحسب، وإنما يحدد أيضاً العلاقات المتبادلة بين الشعب وبين الذين انتخبهم كيما يحكموه.
لقد كان العقد أداة إرادية يتنازل به الأفراد عن حريتهم الطبيعية إلى كل فرد آخر، وأذابوا إرادتهم الفردية في إرادة عامة مشتركة واتفقوا على قبول أحكام هذه (الإرادة العامة) كأحكام نهائية قاطعة، وكانت هذه الإرادة العامة هي السلطة صاحبة السيادة، وإذا ما فهمت هذه السلطة فهما صادقا فإنها سلطة (مطلقة) و(مقدسة) ولا يمكن الخروج عليها. أما الحكومة فهي أمر ثانوي عرضي، فالملك والموظفون أو الممثلون المنتخبون ممثلون عن الشعب الذي يملك السلطة والسيادة.[21]
إن العقد الاجتماعي عند روسو ليس عقداً بين أفراد (كما عند هوبز) ولا عقداً بين الأفراد والسلطات (كما عند لوك) فبموجب هذا العقد، كما يرى روسو، فأن كل واحد يتحد مع الكل فالعقد هو بين المجموعة بحيث يضع كل واحد شخصه وقدرته في الشراكة تحت سلطات الإرادة العامة, وسيكون كل شريك متحداً مع الكل ولا يتحد مع أي شخص بشكل خاص.1
إن العقد الاجتماعي هو الشرط الضروري والملازم لكل سلطة شرعية ولكل ابرام هذا العقد يمثل في الوقت نفسه من منظور روسو مرحلة محددة من التطور التاريخي يشير إلى الانتقال من الحالة الطبيعية إلى المجتمع المدني، وان ما يخسره الإنسان من جراء العقد هو حريته الطبيعية والحق اللا محدود في كل ما يقربه وكل ما يستطيع أن يبلغه ويطوله
وما يربحه بالمقابل هو الحرية المدنية وهو تملكه لكل ما ملكته يده.
يتلخص جوهر العقد الاجتماعي على النحو الآتي، يضع كل واحد منا شخصه وكامل حقوقه تحت الأمرة العليا للمشيئة العامة وان غاية العقد الاجتماعي الحفاظ، ولا ريب على حياة المتعاقدين.
ولكن من يرغب بالحفاظ على حياته بمعونة الآخرين ملزم بالتضحية بها في سبيلهم عندما يقتضي الأمر ذلك إن الفرد إن يمنح نفسه للمجتمع، يستودعه أمواله أيضاً.
فروسو يذعن أن الميثاق الاجتماعي يجعل من الدولة مالكة أموال رعاياها كافة. غير أن الدولة التي تتقبل أموال رعاياها وممتلكاتهم لا تجردهم منها وإنما تضمن لهم تملكهم المشروع فالدولة وحدها قادرة على تحويل الإغتصاب إلى حق للتمتع على ملكية [22]
ثم يأتي روسو على أهم جانب من جوانب نظرية وهو الجانب الذي يميزه عن النظريات الأخرى، فليس من المعقول في نظر روسو أن تتخيل عقداً يتعهد أحد الطرفين بموجبه أن يأمر، والثاني أن ينصاع، ان العقد الوحيد هو الذي يتولد عنه الحسم السياسي.
وكل عقد يحد من سلطة الشعب السائدة المطلقة يقوِّض أساس الميثاق الاجتماعي، ليس ممثلوا السلطة التنفيذية إذا كانوا قادة الشعب أو رؤساء، إنما هم موظفون عنده وهو من يعيينهم أو يسرِّحهم، ولا تقوم وظيفتهم على أساس بنود عقد محدد وإنما على أساس انصياعهم للواجب الذي تفرضه الدولة.
إن أشكال الحكم في نظر روسو ليست أكثر من أشكال تنظيمية للسلطة التنفيذية ومهما اختلفت أشكال الحكم، تبقى السلطة السيادية على الدوام. من حق الشعب، ولكن قد يعهد هذا الأخير بالسلطة التنفيذية أما إلى الجزء الأكبر من الشعب، وأما إلى عدد محدود صغير من الأشخاص، وأما إلى شخص واحد، ويطلق على الشكل الأول من أشكال الحكم اسم الديمقراطية وعلى الثاني الأرستقراطية، وعلى الثالث اسم الملكية.1
اختار روسو الديمقراطية في حقبة لم تتواجد فيها الديمقراطية لا في الواقع ولا في الأفكار، وبما أن الشروط التاريخية للديمقراطية لم تكن متوفرة، وجد روسو نفسه مضطراً أما لقبول أيديولوجية اللبرالية البرجوازية التي كانت يومئذ الإيديولوجية السائدة (حرية، مساواة، ملكية) وأما بناء مدينة طوبائية لكنها في نفس الوقت عقلانية.[23]
حاول روسو في (العقد الاجتماعي) أن يثبت إنهُ يستحيل في المجتمع الحر أن يحكم أي إنسان من قبل أي إنسان آخر، وكيف إن كل فرد هو في آن معاً رعيَّة ومواطنين، وإن السلطة الشرعية لابد أن تتبثق عن موافقة المحكومين، وإن السيادة تكمن في الإرادة العامة في اجتماع الأمة، وإن الذين يشغلون منصباً عاماً لا يؤدون مهامهم بمقتضى حقهم الخاص، أو حق موروث، وإنما بمقتضى سلطة أوكلتها إليهم، سلطة تمنح وتحسب.[24]
***********************
توماس هوبز والعقد الإجتماعي
أولاً: - حياته/
ولد توماس هوبز في إنكلترا عام 1588 ودخل أكسفورد وهو في الخامسة عشرة، ومكث بها خمس سنوات يتلقى المنطق المدرسي والطبيعيات دون كبير اهتمام. ثم أخذ يطالع الآداب القديمة وبخاصة المؤرخين والشعراء.
وعمل في خدمة (بيكون) كاتماً لسره ومعاوناً له في نقل مؤلفاته إلى اللاتينية وفي سنة 1629 نشر ترجمة لتاريخ (توكيديد) حيث تبدو الديمقراطية سخيفة أشد السخف على حد قوله.
ولم يكتب شيئاً في الفلسفة حتى بلغ سن الأربعين.
سافر إلى فرنسا وأقام بها سنتين (1629- 1631) فعرف فيها مبادئ أقليدس. ولم يكن درس الرياضات من قبل. وأعجب بالمنهج القياسي وعول على إصطناعه. ثم عاد مرة أخرى إلى باريس فقوبل بالأوساط العملية الباريسية باعتباره فيلسوفاً مذكوراً.[8]
اتضحت معالم فلسفة هوبز عام 1640 خلال نشره كتاب (مبادئ القانون الطبيعي السياسي)، بعدها بعشر سنوات نشر هوبز كتاب (لاوثيان) أو المجتمع الكنيسي والموثي مادته وصورهُ وسلطهُ. ولأوثيان هوالتنين الهائل المذكور في سِفر أيوب ويقصد به هوبز الحكم المطلق.
تأثرت فلسفة هوبز بالثورة البرجوازية في القرن السابع عشر، فمن خلالها يرى البعض إن هوبز فيلسوفاً مادياً إنكليزياً. فضلاً عن ذلك كان هوبز معلماً للملك شارل الأول، وقد دافع في كتابه المشار اليه (لاوثيان) عن الحكم المطلق وكان يؤيد بذلك حكم آل ستيوارت في إنكلترا.