الشرط الأول : الإسلام :
فلو حج الكافر ثم أسلم بعد ذلك تجب عليه حجة الإسلام، لأن الحج عبادة، بل هو من أعظم العبادات والقربات، والكافر ليس من أهل العبادة.
الشرط الثاني : العقل :
لأن العقل شرط للتكليف، والمجنون ليس مكلفاً بفروض الدين، بل لا تصح منه إجماعاً لأنه ليس أهلاً للعبادة، فلو حج المجنون فحجه غير صحيح، فإذا شفي من مرضه وأفاق إلى رشده تجب عليه حجة الإسلام.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : "رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل" أخرجه الترمذي وحسنه، وأبو داود، وابن ماجه.
الشرط الثالث : البلوغ :
لأن الصبي ليس بمكلف، فلو حج صح حجه وكان تطوعاً.
الشرط الرابع : الحرية :
فالعبد المملوك لا يجب عليه الحج، لأنه مستغرق في خدمة سيده.
الشرط الخامس : الاستطاعة :
فلا يجب الحج على من لم تتوفر فيه، لأن القرآن خص الخطاب بهذه الصفة في قوله تعالى : {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُ البَيْتِ مَنِ اَسْتَطَاعَ ِإلَيْهِ سَبِيلاً}.
والاستطاعة التي تشرط لوجوب الحج قسمان :
القسم الأول : الاستطاعة التي تشترط في الرجال والنساء :
القدرة على الزاد وآلة الركوب، وصحة البدن، وأمن الطريق، وإمكان السير.
آ- القدرة على الزاد وآلة الركوب والنفقة :
ذهب الجمهور الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه يختص اشتراط القدرة على آلة الركوب بمن كان بعيداً عن مكة ذهاباً وإياباً.
والمسافة البعيدة عند الشافعية والحنابلة فهو من كان بينه وبين مكة مرحلتان، وهي مسافة القصر عندهم. وتقدر بـ 88.5 كم.
وعند الحنفية تقدر بـ 81 كم وقيل 83.5 كم.
وذهب المالكية إلى أنه يجب عليه الحج إذا كان صحيح البنية يقدر على المشي، وهو يملك الزاد.
اختلاف العلماء في الزاد ووسائل المواصلة هل يشترط ملكية المكلف لما يحصلها به أو لا يشترط ؟ :
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن ملك ما يحصل به الزاد ووسيلة النقل شرط لتحقق وجوب الحج.
وذهب الشافعي إلى أَنه يجب الحج بإباحة الزاد والراحلة إذا كانت الإباحة ممن لا منَّةَ له على المباح له، كالوالد إذا بذل الزاد والراحلة لابنه.
- شروط الزاد وآلة الركوب وما يتفرع عليها :
وقد ذكر العلماء شروطاً في القدرة على الزاد وآلة الركوب هي تفسير وبيان لهذا الشرط، نذكرها فيما يلي :
أ- أن الزاد الذي تشترط القدرة عليه هو ما يحتاج إليه في ذهابه ورجوعه من مأكول ومشروب وكسوة بنفقة وسط لا إسراف فيها ولا تقتير، فلو كان يستطيع زاداً أَدنى من الوسط الذي اعتاده لا يعتبر مستطيعاً للحج، ويتضمن اشتراط الزاد أيضاً ما يحتاج إليه من آلات للطعام والزاد مما لا يستغنى عنه.
ب- صرح الفقهاء : بأنه يشترط في الراحلة أن تكون مما يصلح لمثله إما بشراء أَو بكراء.
ومعلوم أن تقدم الحضارة أَلغى استعمال الدواب في الأسفار وأَحل مكانها الطائرات والبواخر والسيارات، فمن وجد نفقة وسيلة للسفر لا تناسبه لا يكون أيضاً مستطيعاً للحج حتى يتوفر لديه أَجر وسيلة سفر تناسب أمثاله.
جـ- إن ملك الزاد ووسيلة النقل يشترط أن يكون فاضلاً عما تمس إليه الحاجة الأصلية.
والحاجة الأصلية تشمل ثلاثة أمور هي :
1) نفقة عياله ومن تلزمه نفقتهم مدة ذهابه وإيابه، لأن النفقة حق للآدميين، وحق العبد مقدم على حق الشرع، وقد روى عبد الله ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" أخرجه أبو داود والحاكم.
2) ما يحتاج إليه هو وأهله من مسكن، ومما لابد منه لمثله كالخادم وأثاث البيت وثيابه بقدر الأعتدال المناسب له في ذلك كله.
3) قضاء الدين الذي عليه، لأن الدين من حقوق العباد، وهو من حوائجه الأصلية فهو آكد، وسواء كان الدين لآدمي أو لحق الله تعالى كزكاة في ذمته، أو كفارات ونحوها.
فإذا ملك الزاد والحَمولة زائداً عما تقدم فقد تحقق فيه الشرط، وإلا لم يجب عليه الحج.
وهنا فروع تتعلق بهذه المسألة نذكر منها :
1) ذهب الحنفية إلى أنَّ من كان له مسكن واسع يفضل عن حاجته بحيث لو باع الجزء الفاضل عن حاجته من الدار الواسعة لو في ثمنه للحج لا يجب عليه البيع.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى وجوب البيع.
وذهب الحنفية أيضاً إلى أنه لو كان مسكنه نفسياً يفوق على مثله لو أبدل داراً أدنى لوَفَّى تكاليف الحج، لا يجب عليه البيع.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى وجوب ذلك.
2) من ملك بضاعة لتجارته هل يلزمه صرف مال تجارته للحج ؟
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه يشترط بقاء رأس مال لحرفته زائداً على نفقة الحج، ورأس المال يختلف باختلاف الناس، والمراد ما يمكنه الاكتساب به قدر كفايته وكفاية عياله لا أكثر، لأنه لا نهاية له.
وذهب الشافعي إلى قولين الأصح أنه يلزمه صرف مال تجارته لنفقة الحج ولو لم يبق له رأسمال لتجارته.
3) من ملك نفقة الحج وأراد أن يتزوج فله حالان :
الحال الأولى : إن يكون في حالة اعتدال بالنسبة للشهوة فهذا يجب عليه تقديم الحج على الزواج إذا كان ملك ذلك في أشهر الحج.
الحال الثانية : أن يكون في حالة توقان نفسه والخوف من الزنا، فهذا يكون الزواج في حقه مقدماً على الحج إتفاقاً.
4) إذا ملك نقوداً لشراء دار يحتاج إليها وجب عليه الحج، وإن جعلها في غيره أثم، إذا حصلت له النقود وقت خروج الناس للحج، أما قبله فيشتري به ما شاء لأنه مَلَكَه قبل الوجوب.
5) ليس من الحوائج الأصلية ما جرت به العادة المُحْدَثَة برسم الهدية للأقارب والأصحاب، فلا يعذر بترك الحج لعجزه.
ب- صحة البدن :
1) إذا وجدت سائر شروط الحج في شخص وهو مريض زَمِن أو مصاب بعاهة دائمة أو مقعد أو شيخٍ كبير لا يثبت على آلة الركوب بنفسه فلا يجب عليه أن يؤدي هو فريضة الحج اتفاقاً، ولكن اختلفوا هل صحة البدن شرط لأصل الوجوب أو هي شرط للأداء بالنفس - أي لوجوب أداء الحج بنفسه -.
ذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنها شرط للوجوب، وبناء على ذلك لا يجب على فاقد صحة البدن أن يحج بنفسه ولا بإنابة غيره ولا الإيصاء بالحج عنه في المرض، لقوله تعالى : {مَنِ اَسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً }، وهذا غير مستطيع بنفسه فلا يجب عليه الحج.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن صحة البدن ليست شرطاً للوجوب، بل هي شرط للزوم الأداء بالنفس، فمَن كان هذا حاله يجب الحج عليه.
ويتفرع على ذلك :
1) أَن مَنْ كان قادراً على الحج بمساعدةِ غيره كالأعمى وجب عليه الحج بنفسه إذا تيسر له مَن يعينه تبرعاً، أو بأجرة إن كان قادراً على أجرته إذا كانت أجرة المثل، ولا يكفيه حج الغير عنه إلا بعد أن يموت. ومن لم يستطع الحج بمساعدة غيره وجب عليه أن يرسل غيره ليحج عنه. ويجب على المريض أن يوصي بالحج عنه بعد موته.
2) إذا وجدت شروط الحج مع صحة البدن فتأخر حتى أصيب بعاهة تمنعه من الحج ولا يُرجَى زوالهُا فالحجُّ واجب عليه اتفاقاً، ويجب عليه أَن يرسل شخصاً يحج عنه. أَما إذا أُصيب بعاهة يرجى زوالها فلا تجوز الإنابة، بل يجب عليه الحج بنفسه عند زوالها عنه.
3) ذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنه من كان غير مُعافى وملك المال وجب أن ينيب من يحج عنه.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى وجوب ذلك، وهذا هو الأحوط لبراءة الذمة.
ج- أمن الطريق وعدم الحبس أو المنع من السلطان أو الخوف منه :
وذلك وقت خروج الناس للحج، ومثله تنظيم الدور إن لم يستطع تخطيه لأن الاستطاعة لا تثبت دونه. واختلفت الرواية في أمن الطريق بين الفقهاء :
ذهب أبو حنيفة في رواية والشافعية وأحمد في رواية إلى أنه شرط الوجوب، لأن الاستطاعة لا تتحقق بدون أمن الطريق.
وذهب أبو حنيفة في رواية أخرى وهي الأصح وأحمد في رواية أخرى وهي الراجحة إلى أنه شرط للأداء لا للوجوب وهو الأصح، فعلى هذا المذهب من استوفى شروط الحج عند خوف الطريق فمات قبل أمنه يجب عليه أن يوصي بالحج. أما إذا مات بعد أمن الطريق فتجب الوصية اتفاقاً بين الجميع.
د- إمكان السير :
وهو أن تكمل فيه شرائط الحج والوقت متسع يمكنه الذهاب للحج.
ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه شرط لأصل الوجوب.
وذهب الحنبلية إلى أنه شرط للأداء.
القسم الثاني : الشروط الخاصة بالنساء :
أما الشروط الخاصة بالنساء فهي شرطان لابد منهما لكي يجب الحج على المرأة، يضافان إلى شرط الاستطاعة التي ذكرناها، وهذان الشرطان هما : الزوج أو المحرم، وعدم العدة :
أ- الزوج أو المحرم الأمين :
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه يشترط أن يصحب المرأة زوجها أو ذو رحم محرم منها مؤبد التحريم - إذا كانت المسافة بينها وبين مكة ثلاثة أيام، وهي مسيرة القصر في السفر : (83 كيلومتراً أو 88.5).
استدلوا بحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم" أخرجه الشيخان.
وذهب الشافعية إلى أنها إذا وجدت نسوة ثقات اثنتين فأكثر تأمن معهن على نفسها كفى ذلك بدلاً من المحرم أو الزوج بالنسبة لوجوب حجة الإسلام على المرأة، وعندهم: "الأصح أنه لا يشترط وجود محرم لإحداهن لأن الأطماع تنقطع بجماعتهن" فإن وجدت امرأة واحدة ثقة فلا يجب عليها الحج، لكن يجوز لها أن تحج معها حجة الفريضة أو النذر، بل يجوز لها أن تخرج وحدها لأداء الفرض أو النذر إذا أمنت.
وذهب المالكية : إلى أنَّ المرأة إذا لم تجد المحرم أو الزوج ولو بأجرة تسافر لحج الفرض أو النذر مع الرفقة المأمونة، بشرط أن تكون المرأة بنفسها هي مأمونة أيضاً. والرفقة المأمونة جماعة مأمومنة من النساء أو الرجال الصالحين.
أما حج النفل فلا يجوز للمرأة السفر له إلا مع الزوج أو المحرم فقط، باتفاق العلماء، ولا يجوز لها السفر بغيرهما، بل تأثم به.
وههنا مسائل تتعلق بالمحرم :
1) اختلفوا في المحرم هل هو شرط وجوب أو شرطٌ للزوم الأداء بالنفس، والراجح أنه شرط للزوم الأداء بالنفس.
2) يشترط في المحرم أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً صاحب استقامة، لكي يحصل به المقصود وهو حمايتها ورعايتها. وذهب الحنفية والحنبلية إلى أنه لو كان محرمها فاسقاً فإنه لا يكفي لتوفر الشرط في حقها، لأن المقصود لا يحصل به.
وذهب المالكية مثل ما ذهب إليه الحنيفة والحنبلية، لكن لم يشترطوا البلوغ بل التمييز والكفاية. أما عند الشافعي فلا تشترط العدالة في المحرم والزوج، بل يكفي ولو كان فاسقاً إذا كان له غَيْرَة تمنعه أن يرضى بالزنا. وتشترط الثقة في النساء.
3) ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه يشترط أن تكون قادرة على نفقتها ونفقة المحرم، لأنه يستحقها عليها، أما الزوج فعليه هو نفقتها.
وذهب المالكية والشافعية إلى أن له أخذ الأجرة إذا كانت أجرة المثل.
4) ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنه إذا وجدت محرماً لم يكن للزوج منعها من الذهاب لحج الفرض، ويجوز أن يمنعها من الحج النفل.
وقال الشافعية : ليس للمرأة الحج إلا بإذن الزوج فرضاً أو غيره، لأن في ذهابها تفويت حق الزوج، وحق العبد مقدم، لأنه فرض بغير وقت إلا في العمر كله، فإن خافت العجز البدني بقول طبيبين عدلين لم يشترط إذن الزوج.
ب- عدم العدة :
ذهب الحنفية إلى أنه يشترط ألا تكون المرأة معتدة عن طلاق رجعي أو سابق أو وفاة مدة إمكان السَّيْرِ للحج، لأن الله تعالى نهى المعتدات عن الخروج من بيوتهن بقوله : {لا تُخرِجُوهُنَّ من بيوتهِنَّ ولا يخرُجْنَ إلا أنْ يأتينَ بفاحشةٍ مُبيِّنةٍ} [الطلاق: 1] والحج يمكن أداؤه في وقت آخر فلا تلزم بأدائه الآن.
وذهب الحنبلية إلى أنه لا تخرج المرأة إلى الحج في عدة الوفاة، ولها أن تخرج إليه في عدة الطلاق المبتوت، وذلك لأن لزوم البيت فيه واجب في عدة الوفاة والطلاق المبتوت لا يجب فيه ذلك وأما عدَّة الرجعية فالمرأة فيه بمنزلتها في طلب النكاح لأنها زوجة.
وذهب الشافعية : إلى أنَّ للزوج أن يمنع المطلقة الرجعية للعدة وذلك لأنه يحق للزوج عندهم منعها عن حجة الفرض.