رنيكو فيرمي(1901-1954) عالم فيزيائي إيطالي أمريكي حاصل على جائزة نوبل لإنجازاته في انتاج المواد المشعة صناعيا و اكتشافه لعملية إبطاء النيوترونات. اسهم في إنشاء إول مفاعل نووي و كان له انجازات ضخمة في مجالات الفيزياء النووية و فيزياء الكم و فيزياء الجسيمات و الميكانيكا الإحصائية.
في عام 1922 حصل على الدكتوراة ليكون أول عالم فيزياء ذرية إيطالي. أسس مع زملائه مجموعة أسهمت في عدة مجالات في الفيزياء مثل اكتشاف كيفية ابطاء النيوترون و نظرية تحلل بيتا التي نشر عنها ورقته عام 1938.
كما ان له إحصاء يعرف باسمه (إحصاء فرمي) لدراسة الجسيمات الخاضعة لمبدأ باولي في الانتفاء(1).
وضع متناقضة عرفت باسمه “متناقضة فرمي” : هناك تناقض بين العمر الكبير للكون و عدد النجوم واحتمال أن يكون هناك كوكب مثل كوكب الأرض، وبين عدم وجود أي دليل على وجود حياة أخرى في مكان آخر غير الأرض. مع هذا العمرللكون و بلايين النجوم فيه فإن المرء يفكر بأن أي نوع من الذكاء الحي يجب أن يكون قد اتصل بنا الآن.
كان هو أول من نبّه الى الحقيقة الكامنة في معادلة اينشتاين e=mc2 من أن هناك طاقة هائلة “نووية” يمكن استغلالها او استثمارها وذلك في عام 1923.
عام 1938، ذهب لاستوكهولم لاستلام جائزة نوبل و من هناك توجه إلى نيويورك لأنه كان يخشى من نظام موسيليني و خصوصا أن زوجته لورا ذات أصول يهودية. وهناك عمل في جامعة كولمبيا.
في عام 1942، انتقل إلى جامعة شيكاغو و عمل على أول مفاعل نووي. كما بحث مع إدوارد تايلور عن فكرة استخدام قنابل الانشطار النووي في صنع قنبلة أكثر تدميرا هي قنابل الاندماج النووي (تندمج انوية نظائر الهيدروجين لتكوّن الهيليوم – مثل التفاعلات التي تحدث في الشمس – لتعطي طاقة هائلة) وهي ما يعرف اليوم بالقنبلة الهيدروجينية.
و قام مع ستانيسلو أولام بحساب كمية الترينيوم المطلوبة لنجاح تصميم تايلور لقنابل الاندماج النووي. ثم في عام 1944، أصبح مستشاراً لروبرت اوبنهاور، رئيس فريق مشروع منهاتن.
بعد الحرب، عاد إلى جامعة شيكاغو وعمل في فيزياء الجسيمات وتوفي سنة 1954 بسبب إصابته بسرطان المعدة.
كان لايحب النظريات المعقدة و يختار دائما أبسط الحلول. وكان من العلماء القلائل الذين جمعوا بين الفيزياء العملية و النظرية
و سمي العنصر رقم 100 في الجدول الدوري باسم فرميوم تكريما له.
من انتاج النظائر إلى الأسلحة النووية
النظائر هي المواد التي لها نفس العدد الذري ولكن تختلف في كتلتها الذرية أو عدد النيوترونات. مثلا، الكلور عدده الذري 17 و عدد البروتونات في نواته 17 ولكن له نظيران، أحدهما عدد البروتونات في نواته 18 و الآخر 20.
في عام 1934، استطاع الزوجان ايرين – ابنة ماري كوري – وجوليو كوري، انتاج نظائر مشعة صناعيا بواسطة قذف نوى الذرات بجسيمات الفا(2). وكان ذلك فتحاً عظيماً في الفيزياء نالا عليه جائزة نوبل.
و هذا أوحى لفرمي بفكرة تعريض الأنوية للنيوترونات للحصول على النظائر المشعة لأن النواة تمتص النيوترون المتعادل الشحنة بدلاً من جسيمات ألفا ذات الشحنة الموجبة و التي تتنافر معها.
عندما عرّض نواة اليورانيوم235 للنيوترونات، حصل على ما ظن أنه مواد جديدة تلي اليورانيوم في الجدول الدوري و كان هذا من أكبر الأخطاء العلمية التي أخرت تطور الفيزياء النووية ما يقارب الأربع سنوات و مع ذلك فإن هذه التجربة هي علامة فارقة في تاريخ البشرية.
احتار العلماء في طبيعة هذه المواد فبعضها كانت له خواص كيميائية مشابهة للباريوم – والتي حسبها العلماء خطأ الراديوم- وبعضها له خواص اللانتان. ومع أن حجم هذه الذرات هو نصف حجم ذرة اليورانيوم، لم يهتد أحد لفكرة الانشطار النووي!
في عام 1938، تنبهت ليز ميتنر و زميلها أوتو فريش (إبن اختها) إلى أن ما قام به فرمي هو انشطار نووي و أن نواة اليورانيوم انقسمت الى انوية الباريوم و اليود و أطلقت بعض النيوترونات و قد شبهت ليز انشطار النواة كانقسام قطرة الماء.
إن انشطار النواة الواحدة يحرر كمية من الطاقة. و للحصول على قدر أكبر من الطاقة، يجب أن نطيل مدة التفاعل ولذلك بدأ فرمي محاولة الحصول على تفاعل متسلسل فكرته هي ان تمتص نواة اليورانيوم نيوترونا لتنشطر و تتحرر منها نيوترونات تمصها أنوية أخرى لتنشطر و تحرر نيوترونات أخرى و هكذا تستمر السلسلة.
::. تبسيط لفكرة التفاعل المتسلسل
كان أول شرط للحصول على التفاعل المتسلسل هو تبطيئ حركة البروتونات حتى تمتصها الأنوية و تنشطر. و لكن يجب أن لا تكون بطيئة لدرجة عدم حصول الانشطار. وقد استخدم فيرمي الجرافايت في مفاعله من أجل ذلك.
و أيضا، للحصول على التفاعلات النووية، يجب الحصول على كميات نقية من نظير اليورانيوم 235. في الطبيعة، يوجد اليورانيوم 238 بنسبة %99.3 أما اليورانيوم 235 فهو موجود بنسبة 0.7%. و دائما ما تكون هذه النظائر مختلطة مع بعضها و لأن لها نفس الخواص الكيميائية، فمن الصعب فصلها عن بعضها. و لذلك، فالحصول على اليورانيوم 235 بنسبة نقاء عالية هو شرط الحصول على التفاعلات النووية المتسلسلة.
عملية فصل نظائر اليورانيوم تسمى عملية تخصيب اليورانيوم.
في جامعة شيكاغو عام 1942، أدت دراساته إلى انشاء أول مفاعل نووي- معمل للتحكم بالانشطارات النووية- ونجح في الحصول على تفاعل متسلسل من ركام ذري مكون من طوب من الجرافايت مع اليورانيوم.
::. أول مفاعل نووي
::. مفاعل حديث
هذا النجاح هو أساس مشروع منهاتن كما أنه أنتج البلوتونيوم الذي استخدم في قنبلة نجازاكي ثم سافر إلى لوس ألاموس في نيو مكسيكو
عام 1944 ليشارك في مشروع منهاتن و يصبح مستشار لروبرت اوبنهاور رئيس فريق المشروع. وفي عام 1945تم انتاج أول سلاح نووي سمي الفتى الصغير Little Boy وقد استخدم فيها اليورانيوم وهي من النوع المدفعي و كانت هي القنبلة التي ألقيت على هيروشيما. ثم أنتجت القنبلة الثانية المسماة الرجل السمين Fat Man وقد استخدم فيها البلوتونيوم وهي من النوع الانفجار إلى الداخل و التي تم القاؤها على نجازاكي وبذلك تغير مجرى التاريخ وبدأ العصر الذري وسباق التسلح النووي.
::. الرجل السمين
::. الفتى الصغير
واليوم هناك عدة أنواع من الأسلحة النووية.
منها أسلحة نووية انشطارية: فكرة عملها هي تحفيز أنوية العناصر-اليورانيوم 235,البلوتنيوم 239- بواسطة نيوترونات فتنشطر هذه الأنوية إلى مواد أخف منها محررة طاقة. وهذه الأسلحة نوعان: الإنفجار إلى الداخل أو المدفعي.
ومنها أسلحة الاندماج المعزز بالانشطار: وفكرة علمها هي أن تندمج انوية نظائر الهيدوجين-التريتيوم، الديتوريوم – لنحصل على نواة الهيليوم و طاقة وهي ما تعرف بالقنابل الهيدروجينية.
ومنها أسلحة نووية ذات أكثر من مرحلة: و هي عبارة عن سلسلة من تفاعلات الاندماج المعزز بالانشطار. وهي أشدها تدميرا.
عند العامة، يشتهر آينشتاين أنه أذكى وأكثر البشر عبقرية ولكن هناك علماء لا يقلون ذكاء ولا عبقرية عنه وإنجازاتهم إذا قارناها بالكم، هي أكثر بكثير من انجازاته. وفيرمي هذا، خير دليل على ذلك. ففي عمره القصير جداً، صنع انجازات من الصعب حصرها أو تفصيلها في مقالة كهذه. يقول عنه أحد مؤرخي الفيزياء، أنه لو لم يكتشف أنوية الذرة ولا بور وضع نموذجه للذرة فإن فيرمي كان سيصل إلى ذلك بنفسه. وفي النهاية، فإن العلم قوة عمياء هي أسوأ ما يكون إذا استخدمت في المصالح السياسية والتجارية