ماذا تعرف عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه-



0      0

1
صورة المستخدم

Chergui Khaled

مشترك منذ : 24-01-2012
المستوى : مساهم
مجموع الإجابات : 2013
مجموع النقاط : 2040 نقطة
النقاط الشهرية : 0 نقطة

Chergui Khaled
منذ 12 سنة

هذا هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه)
أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) عند أهل السنّة هو أوّل من آمن من الصّبيان، وأوّل فدائيّ في الإسلام. أسد من أسود هذا الدّين وسيّد من سادات المجاهدين. رابع الخلفاء الرّاشدين المهديّين ورابع أفضل البشر بعد الأنبياء والمرسلين، يحبّ اللهَ ورسولَه ويحبّه اللهُ ورسولُه. أبو السّبطين وزوج سيّدة نساء العالمين، مبشَّر بالشّهادة والجنّة ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة. أحَبَّ الخلفاء الرّاشدين قبله وتولاّهم وأثنى عليهم وأوصى بموالاتهم ومحبّتهم، أقرّ بخلافتهم وبايعهم وكان خير وزير لهم، جاهد معهم وأقام الحدود بين أيديهم وبذل المشورة لهم، تزوّج أرملة الصدّيق وكفل ابنه محمّد، وزوّج الفاروقَ ابنته أمّ كلثوم وتمنّى أن يلقى الله بمثل صحيفته، وأرسل أبناءه للدّفاع عن ذي النّورين يوم حوصر في داره، وفوق هذا وذاك سمّى أبناءه بأسمائهم، وشهد أنّ خير هذه الأمّة بعد نبيّها أبو بكر وعمر، وهدّد من يفضّله عليهما بأن يقيم عليه حدّ المفتري.
عاش حياته موحّدا لله لا يدعو غير الله ولا يستغيث ولا يتوسّل إلا بالله ولا يلجأ إلا إلى الله، متّبعا لرسول الله يقتفي أثره ويستنّ بسنّته. طلّق الدّنيا بالثّلاث وزهد في المناصب والأموال، ونصب وجهه لذي العزّة والجلال، راغبا فيما عنده متمنّيا لقاءه.
هذا ما يعتقده أهل السنّة في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه)، وهم في معتقدهم هذا وسط بين جفاء النّواصب والخوارج الذين عادوه وكفّروه، وبين غلوّ الشّيعة الذين رفعوه فوق مرتبة النبوّة ووصفوه بصفات ليست إلا للخالق (جلّ في علاه)، وقد نبّه إلى هذه الحقيقة عليّ نفسه حينما قال: " وسيهلك فيّ صنفان: محبّ مفرط يذهب به الحبّ إلى غير الحقّ، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحقّ، وخير النّاس فيّ حالاً النّمط الأوسط فالزموه، والزموا السّواد الأعظم، فإنّ يد الله على الجماعة، وإياكم والفرقة " (نهج البلاغة: ومن كلام له (عليه السّلام) وفيه يبيّن بعض أحكام الدّين ويكشف للخوارج الشّبهة وينقض حكم الحكمين. خطبة رقم 127).

عليّ بن أبي طالب عند الشّيعة إمام منصّب من الله، أفضل من جميع الأنبياء والمرسلين سوى نبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)!، معصوم لا يسهو ولا ينسى ولا يخطئ!، يعلم الغيب ويعلم متى يموت ولا يموت إلاّ باختياره!، جعله الله واسطة بينه وبين عباده وفوّض إليه كثيرا من أمور الدّنيا وجعلها تحت تصرّفه في حياته وبعد موته!، فهو مُظهر العجائب والملاذ في النّوائب!، يرزق ويشفي وينصر وينجي!، وفوّض إليه بعض أمور الآخرة!، فلا يجوز الصّراطَ أحد إلا برضاه!، ولا يدخل الجنّةَ أحد إلا بإذنه!، فهو قسيم الجنّة والنّار!... إلى آخر ما قالوه من الغلوّ الذي يبرأ منه أمير المؤمنين (رضي الله عنه).
هذا الغلوّ جعل الشّيعة المغرّر بهم يرفعون عليا (رضي الله عنه) فوق مرتبة العبودية التي ارتضاها الله لعباده جميعا، وجعلهم يدعونه ويلجئون إليه ويستغيثون به مع الله، بل قد صرّح الشّيخ الشّيعيّ عليّ الكوراني – هداه الله - صراحة أنّ دعاء الله وحده من دون عليّ شرك!!!. وفي مقابل هذا الغلوّ فقد غفلوا عن اقتفاء أثره وتلمّس طريقه والسّير على نهجه، وتنكّروا لتلك الرّوايات الكثيرة المبثوثة في كتبهم، والتي تنسف كلّ ما ينسبونه إليه من تلك المبالغات التي لا يقرّها دين ولا عقل.

ولعلّنا في هذا الموضوع سننادي شبابنا المغرّر بهم مرّة أخرى لننفض الغبار سويا عن بعض تلك الرّوايات التي حوتها مصادر الشّيعة، والتي يحاول علماؤهم إخفاءها عن عوامّهم، لئلا يصدموا بحقيقة أنّ عليا (رضي الله عنه) هو علي الذي يعتقد به أهل السنّة لا عليّ الذي يعتقد به الشّيعة.

عليّ بن أبي طالب يوصي بإخلاص الدّعاء لله وحده، وينفي الوسائط والشّفعاء:
يقول (رضي الله عنه) موصيا ولده الحسن: " واعلم أنّ الّذي بيده خزائن السّماوات والأرض قد أذن لك في الدّعاء وتكفّل لك بالإجابة، وأمرك أن تسأله ليعطيك وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه، ولم يمنعك إن أسأت من التّوبة، ولم يعاجلك بالنّقمة، ولم يعيّرك بالإنابة ولم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى، ولم يشدّد عليك في قبول الإنابة، ولم يناقشك بالجريمة، ولم يؤيّسك من الرّحمة. بل جعل نزوعك عن الذّنب حسنة، وحسب سيّئتك واحدة، وحسب حسنتك عشرا، وفتح لك باب المتاب. فإذا ناديته سمع نداءك، وإذا ناجيته علم نجواك. فأفضيت إليه بحاجتك، وأبثثته ذات نفسك، وشكوت إليه همومك، واستكشفته كروبك، واستعنته على أمورك، وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطائه غيره من زيادة الأعمار وصحّة الأبدان وسعة الأرزاق " (نهج البلاغة للشّريف الرضيّ: وصية رقم 31، ومن وصيّته (عليه السّلام) للحسن بن علي (عليه السّلام)، كتبها إليه بـ"حاضرين" عند انصرافه من صفّين).

ويقول (رضي الله عنه) مبيّنا التوسّل الذي شرعه الله وأذن به: " إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى: الإيمان به وبرسوله والجهاد في سبيله، فإنّه ذروة الإسلام، وكلمة الإخلاص فإنّها الفطرة، وإقامة الصّلاة فإنّها الملّة، وإيتاء الزكاة فإنّها فريضة واجبة، وصوم شهر رمضان فإنّه جُنّة من العقاب، وحجّ البيت واعتماره فإنّهما ينفيان الفقر ويرحضان الذّنب، وصلة الرّحم فإنّها مثراة في المال ومنسأة في الأجل، وصدقة السرّ فإنّها تكفّر الخطيئة، وصدقة العلانية فإنّها تدفع ميتة السّوء، وصنائع المعروف فإنّها تقي مصارع الهوان " (نهج البلاغة للشّريف الرضيّ: خطبة رقم 110، ومن خطبة له عليه السّلام في أركان الدّين).

عليّ بن أبي طالب يرفض البناء على القبور:
يقول (رضي الله عنه): " بعثني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى المدينة فقال: (لا تدع صورة إلا محوتها، ولا قبرا إلا سوّيته، ولا كلبا إلا قتلته) " (وسائل الشيعة للحرّ العاملي: 03/209).

عليّ بن أبي طالب يوصي بلزوم التّوحيد والسنّة:
يقول (رضي الله عنه): " أمّا وصيّتي: فالله لا تشركوا به شيئا، ومحمّد (صلّى الله عليه وآله) فلا تضيّعوا سنّته. أقيموا هذين العمودين، وأوقدوا هذين المصباحين، وخلاكم ذمّ ما لم تشردوا. حمّل كلّ امرئ منكم مجهوده، وخفّف عن الجهلة. ربّ رحيم، ودين قويم، وإمام عليم " (نهج البلاغة للشّريف الرضيّ: خطبة رقم 149، ومن كلام له عليه السّلام قبل موته).

ويقول (رضي الله عنه) في كلامه عن قصّة التّحكيم: " ولمّا دعانا القوم إلى أن نحكّم بيننا القرآن لم نكن الفريق المتولّي عن كتاب الله وقد قال الله سبحانه: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ }، فردُّه إلى الله: أن نحكم بكتابه، وردّه إلى الرّسول: أن نأخذ بسنّته، فإذا حكم بالصّدق في كتاب الله فنحن أحقّ النّاس به، وإن حكم بسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنحن أحقّ النّاس وأوْلاهم بها " (نهج البلاغة: خطبة رقم 125، ومن كلام له عليه السّلام التّحكيم وذلك بعد سماعه لأمر الحكمين).

ويقول في رسالته إلى الأشتر النّخعي:
" واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب ويشتبه عليك من الأمور، فقد قال الله تعالى لقوم أحبّ إرشادهم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ }، فالردّ إلى الله الأخذ بمحكم كتابه، والردّ إلى الرّسول الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة " (نهج البلاغة: كتاب رقم 53، ومن كتاب له (عليه السّلام) كتبه للأشتر النخعي لمّا ولاّه على مصر وأعمالها حين اضطرب أمر أميرها محمّد بن أبي بكر).

عليّ بن أبي طالب يثني على أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويوصي بهم، ويشهد أنّهم لم يحدثوا ولم يأتوا محدثا:
يقول (رضي الله عنه) مخاطبا أهل الكوفة: "... ولوددت أنّ الله فرّق بيني وبينكم، وألحقني بمن هو أحقّ بي منكم، قوم والله ميامين الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحق، متاريك للبغي، مضوا قدما على الطريقة، وأوجفوا علـى المحجّة فظفروا بالعقبى الدّائمة والكرامة الباردة " (نهج البلاغة: خطبة 116، ومن خطبة له عليه السّلام وفيها ينصح أصحابه).

ويقول ذاكرا حاله وحال الصحابة مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم):
" ولقد كنّا مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا، ما يزيدنا ذلك إلا إيمانا وتسليما ومضيا على اللقم، وصبرا على مضض الألم وجدا في جهاد العدو، ولقد كان الرّجل منّا وآخر من عدوّنا يتصاولان تصاول الفحلين يتخالسان أنفسهما أيّهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرّة لنا من عدوّنا ومرّة لعدوّنا منّا، فلمّا رأى الله صدقنا أنزل في عدوّنا الكبت وأنزل علينا النّصر، حتّى استقر الإسلام ملقيا جرانه ومتبوّئا أوطانه، ولعمري لو كنّا نأتي ما أتيتم ما قام للدّين عمود ولا اخضرّ للإيمان عود، وأيم الله لتحتلبُنَّها دما ولتتبعُنها ندما " (نهج البلاغة: خطبة رقم 56، ومن كلام له عليه السّلام يصف أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك يوم صفين حين أمر الناس بالصلح).

ويقول أيضا:
" أين القوم الذين دُعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرأوا القرآن فأحكموه، وهُيّجوا إلى القتال فولهوا وَلَهَ اللّقاح إلى أولادها، وسلبوا السّيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفا زحفا، وصفا صفا، بعضٌ هلك وبعضٌ نجا، لا يبشرون بالأحياء ولا يعزّون عن الموتى، مره العيون من البكاء خمص البطون من الصّيام، ذبل الشّفاه من الدّعاء، صفر الألوان من السّهر، على وجوههم غبرة الخاشعين، أولئك إخواني الذّاهبون، فحقّ لنا أن نظمأ إليهم ونعضّ الأيدي على فراقهم " (نهج البلاغة: خطبة رقم 121، ومن خطبة له عليه السّلام بعد ليلة الهرير).

وعن الصّادق، عن آبائه، عن علي (عليه السّلام) قال في وصية طويلة: "... وذرية نبيّكم (صلّى الله عليه وآله) لا يُظلمون بين أظهركم وأنتم تقدرون على الدّفع عنهم، وأوصيكم بأصحاب نبيّكم، لا تسبّوهم وهم الذين لم يُحدثوا بعده، ولم يأتوا محدثاً، فإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أوصى بهم " (الأمالي للطّوسيّ: ص523).

عليّ بن أبي طالب يشهد أنّ عمر بن الخطّاب رحل عن الدّنيا نقي الثّوب قليل العيب:
يقول علي (رضي الله عنه) في حقّ عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه): " لله بلاء فلان، فلقد قوّم الأود وداوى العَمَد وأقام السّنّة، وخلّف الفتنة (يعني تركها خلفًا لا هو أدركها ولا هي أدركته)، ذهب نقيّ الثّوب قليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرّها، أدّى إلى الله طاعته واتّقاه بحقّه، رحل وتركهم في طرق متشعّبة لا يهتدي فيها الضّالّ، ولا يستيقن المهتدي " (نهج البلاغة للشّريف الرضيّ: ومن كلام له (عليه السّلام) يريد بعض أصحابه: رقم 228).
قال العالم الشّيعيّ محمّد جواد مغنية: " ( لله بلاء أو بلاد فلان... الخ ) قيل: المراد بفلان: أبو بكر. وقيل: عمر، وهو الأشهر " (في ظلال نهج البلاغة: 03/330).

ويقول أمير المؤمنين عليّ (رضي الله عنه) مخاطبا عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه) وقد استشاره في الخروج لغزو الرّوم بنفسه، يقول: " إنّك متى تسر إلى هذا العدوّ بنفسك فتلقهم بشخصك فتنكب لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم (كانفة: عاصمة يلجؤون إليها ). ليس بعدك مرجع يرجعون إليه. فابعث إليهم رجلا محربا، واحفز معه أهل البلاء والنّصيحة، فإن أظهر الله فذاك ما تحبّ، وإن تكن الأخرى كنت ردءا للنّاس (درعا وملجأ) ومثابة للمسلمين " (نهج البلاغة للشّريف الرضيّ: خطبة رقم 134، ومن كلام له عليه السّلام وقد شاوره عمر بن الخطّاب في الخروج إلى غزو الرّوم بنفسه).

عليّ بن أبي طالب لم يكفّر أصحاب الجمل:
يقول (رضي الله عنه) في خطبة له عند خروجه لقتال أهل البصرة (في موقعة الجمل):
" ما لي ولقريش! والله لقد قاتلهم كافرين ولأقاتلنّهم مفتونين، وإنّي لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم " (نهج البلاغة: ومن خطبة له عليه السّلام عند خروجه لقتال أهل البصرة، رقم 33).
فها هو (رضي الله عنه) يفرّق بين حال قريش في الجاهلية حين قاتلهم كافرين، وبين حالهم يوم ذاك إذ سمّاهم مفتونين، ولم يسمّهم كافرين. أي أصابتهم الفتنة لاشتباه الأمور عليهم.
عليّ بن أبي طالب لم يكفّر أهل الشّام:

يقول (رضي الله عنه) مخاطبا الخوارج وقد خرج إلى معسكرهم وهم مقيمون على إنكار الحكومة، يقول ذاكرا ما كان بينه وبين معاوية (رضي الله عنه):

" ولكنّا إنّما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزّيغ والاعوجاج والشّبهة والتّأويل، فإذا طمعنا في خصلة يلمّ الله بها شعثنا ونتدانى بها إلى البقية فيما بيننا رغبنا فيها وأمسكنا عما سواها " (نهج البلاغة: ومن كلام له عليه السّلام قاله للخوارج، رقم 122).

فها هو أمير المؤمنين (رضي الله عنه) يصف معاوية ومن معه بأنّهم "إخوانه في الإسلام"، وهذه شهادة صريحة ببقائهم على الإسلام.

وقال (رضي الله عنه) قبل ذلك موصيا عسكره قبل لقاء صفّين: " لا تقاتلوهم حتى يبدؤوكم، فإنّكم بحمد الله على حجّة، وترككم إياهم حتى يبدؤوكم حجّة أخرى لكم عليهم. فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبرا ولا تصيبوا مُعْوِراً، ولا تجهزوا على جريح، ولا تهيّجوا النّساء بأذىً وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم، فإنّهنّ ضعيفات القوى والأنفس والعقول، إن كنا لنؤمر بالكفّ عنهنّ وإنّهنّ لمشركات " (نهج البلاغة: ومن وصية له عليه السّلام لعسكره قبل لقاء العدو بصفين، رقم 14).
وفي هذه الوصية إقرار منه (رضي الله عنه) أنّ أهل صفّين مسلمون، يعاملون معاملة المسلمين في القتال.

علي بن أبي طالب لم يكن يقول أنّه خليفة منصّب من الله:
يشهد أمير المؤمنين عليّ (رضي الله عنه) أنّ بيعته كانت كبيعة الخلفاء الرّاشدين قبله، ويقرّر أنّ أمر الخلافة إنّما يكون شورى بين المسلمين، فيقول: "إنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشّاهد أن يختار ولا للغائب أن يَرُدَّ، وإنّما الشّورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إمامًا كان ذلك لله رضا، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين وولاّه الله ما تولّى " (نهج البلاغة للشّريف الرضيّ: ومن كتاب له (عليه السّلام) إلى معاوية).

ويقول في خطبة له: " أيّها النّاس إنّ أحقّ النّاس بهذا الأمر أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر الله فيه، فإن شغّب شاغب استعتب، فإن أبى قوتل، ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى يحضرها عامّة النّاس فما إلى ذلك سبيل، ولكنّ أهلها يحكمون على من غاب عنها، ثم لم يكن للشّاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار " (نهج البلاغة: ومن خطبة له عليه السّلام في رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلّم) ومن هو جدير بأن يكون للخلافة وفي هوان الدنيا، رقم 173).
وهذا نصّ صريح في كون الخلافة شورى بين المسلمين، وأنّ أحقّ النّاس بها أقواهم عليها وأعلمهم بأمر الله فيها.

ويقول أيضا: " والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ولا في الولاية إربة، ولكنّكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها ". (نهج البلاغة: ومن كلام له عليه السّلام كلّم به طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة وقد عتبا عليه من ترك مشورتهما، والاستعانة في الأمور به، رقم 205).
فلو كانت الإمامة اصطفاء من الله لما كان من حقّ عليّ (رضي الله عنه) أن يرغب عنها، ولا أن يليها لأنّ النّاس حملوه عليها وإنّما لأنّه صاحبها.

عليّ بن أبي طالب يشهد أنّ الحجّة قامت وتمّت ببعثة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم):
يقول رضي الله عنه: " فلمّا مهّد أرضه وأنفذ أمره اختار آدم عليه السّلام خيرة من خلقه، وليقيم الحجّة به على عباده، ولم يخلهم بعد أن قبضه ممّا يؤكّد عليهم حجّة ربوبيّته، ويصل بينهم وبين معرفته، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه ومتحمّلي ودائع رسالته قرنا فقرنا، حتّى تمّت بنبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حجّته وبلغ المقطع عذره ونذره " (نهج البلاغة: ومن خطبة له عليه السّلام تعرف بخطبة الأشباح، رقم 91).
وهذا الكلام مصداق لقوله (جلّ وعلا): { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } (النساء:165).

عليّ بن أبي طالب لم يكن ينسب العصمة لنفسه ولا لغيره:
يقول (رضي الله عنه): " لا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقّ قيل لي، ولا التماس إعظام النّفس، فإنّه من استثقل الحقّ أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ، أو مشورة بعدل، فإنّي لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي إلاّ أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به منّي، فإنّما أنا وأنتم عبيد مملوكون لربّ لا ربّ غيره. يملك منّا ما لا نملك من أنفسنا، وأخرجنا ممّا كنّا فيه إلى ما صلحنا عليه، فأبدلنا بعد الضّلالة بالهدى، وأعطانا البصيرة بعد العمى". (نهج البلاغة للشّريف الرضيّ: ومن خطبة له (عليه السّلام) بصفين).

ويقول في كتاب له إلى أهل الكوفة: " أمّا بعد فإنّي خرجت من حيني هذا: إمّا ظالما أو مظلوما، وإمّا باغيا وإمّا مبغيا عليه. وإنّي أذكّر الله من بلغه كتابي هذا لما نفر إليّ، فإن كنت محسنا أعانني، وإن كنت مسيئا استعتبني " (نهج البلاغة: و من كتاب له عليه السّلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة، رقم 57) .
وهذا الكلام موجّه إلى أتباعه وأنصاره، وهو يخاطبهم بصيغة من لا يعتقد في نفسه ولا يعتقد فيه أصحابه العصمة.

ويقول (رضي الله عنه) في وصية له لابنه الحسن (رضي الله عنه):
" ودع القول فيما لا تعرف والخطاب فيما لم تكلّف، وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته، فإنّ الكفّ عند حيرة الضّلال خير من ركوب الأهوال ". (نهج البلاغة: ومن وصية له عليه السلام للحسن عليه السّلام كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفين، 31).

عليّ بن أبي طالب ينفي علمه بالغيب:
يقول (رضي الله عنه) في أواخر أيامه من هذه الدّنيا بعدما طعن: " أيّها الناس، كلّ امرئ لاق ما يفرّ منه في فراره، والأجل مساق النّفس، والهرب منه موافاته، كم اطّردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر، فأبى الله عزّ ذكره إلاّ إخفاءه، هيهات، علم مخزون ". (نهج البلاغة للشّريف الرضيّ: ومن كلام له عليه السّلام قبل موته).

ويقول (رضي الله عنه) في رسالته إلى المنذر بن الجارود العبديّ: " أمّا بعد، فإنّ صلاح أبيك غرّني منك، وظننتُ أنّك تتّبع هديه وتسلك سبيله، فإذا أنت فيما رقي إليّ عنك لا تدع لهواك انقيادا، ولا تبقي لآخرتك عتادا، تعمر دنياك بخراب آخرتك، وتصل عشيرتك بقطيعة دينك. ولئن كان ما بلغني عنك حقا لجملُ أهلك وشسع نعلك خير منك. ومن كان بصفتك فليس بأهل أن يسدّ به ثغر، أو ينفذ به أمر، أو يعلى له قدر أو يشرك في أمانة، أو يؤمن على خيانة، فأقبِل إلي حين يصل إليك كتابي هذا إن شاء الله " (نهج البلاغة للشّريف الرضيّ: رسالة 71).
فلو كان أمير المؤمنين عليّ (رضي الله عنه) يعلم الغيب ما أخطأ في حكمه على المنذر بن الجارود العبديّ.

عليّ بن أبي طالب يسهو وينسى:
في (تهذيب الأحكام) عن عليّ بن الحكم عن عبد الرحمن بن العرزمي عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: صلّى عليّ (عليه السّلام) بالنّاس على غير طهر وكانت الظّهر، ثمّ دخل فخرج مناديه أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) صلّى على غير طهر فأعيدوا وليبلّغ الشاهد الغائب. (تهذيب الأحكام للطّوسيّ: 03/40).

عليّ بن أبي طالب يشهد بتحريم نكاح المتعة:
يقول (رضي الله عنه): "حرّم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة " (الاستبصار للطّوسيّ: 03/142).

عليّ بن أبي طالب يحرّم الجزع واللّطم:
يقول (رضي الله عنه): " ينزل الصّبر على قدر المصيبة، ومن ضرب يده على فخذه عند مصيبته حبط عمله " (نهج البلاغة: باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السّلام ومواعظه، رقم 144).
هذا فيمن يضرب بيده على فخذه، فكيف بمن يضرب بالسّلاسل والسّكاكين على صدره وظهره ؟!!!.
وقد ثبت عن أمير المؤمنين (رضي الله عنه) أنّه قال وهو يلي غسل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتجهيزه: " لولا أنّك أمرت بالصّبر ونهيت عن الجزع لأنفدنا عليك ماء الشؤون " (نهج البلاغة: ومن كلام له عليه السّلام وهو يلي غسل رسول الله صلى الله عليه وآله وتجهيزه، رقم 235).

عليّ بن أبي طالب يوصي بإقامة خمس صلوات في خمسة أوقات:
يقول (رضي الله عنه) في رسالة له إلى عمّاله على الأمصار:
" أمّا بعد فصلّوا بالنّاس الظّهر حتّى تفيء الشّمس من مربض العنز، وصلّوا بهم العصر والشّمس بيضاء حيّة في عضو من النّهار حين يسار فيها فرسخان، وصلّوا بهم المغرب حين يفطر الصّائم ويدفع الحاجّ إلى منى، وصلّوا بهم العشاء حين يتوارى الشّفق إلى ثلث الليل، وصلّوا بهم الغداة والرّجل يعرف وجه صاحبه، وصلّوا بهم صلاة أضعفهم ولا تكونوا فتّانين " (نهج البلاغة: و من كتاب له ( عليه السلام ) إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة، رقم 52).
والشّيعة خالفوا وصية أمير المؤمنين (رضي الله عنه) وجعلوا للصّلوات الخمس ثلاثة أوقات.


وبعـــد:

هذا هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه): إمام من أئمّة التّوحيد والسنّة، يوصي باللّجوء إلى الله وحده، وبلزوم سنّة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلّم)، ويتقرّب إلى الله بحبّ الصّحابة ويثني عليهم ويشهد لهم بلزوم الحقّ ويوصي بهم، يقرّ أنّ الأصل في الخلافة أن تكون شورى بين المسلمين، وينفي ما يُنسب إليه وإلى أعلام أهل البيت من علم الغيب والعصمة وإباحة نكاح المتعة.
هذا هو حيدرة الإسلام وأسد الله الغالب عليّ بن أبي طالب، وهذه هي الصّورة النّاصعة التي ترسمها مصادر أهل السنّة لأبي الحسنين صاحب المناقب، بل إنّ أهل السنّة رووا عنه مواقف أنصع من هذه المواقف التي كشفت عنها تلك الرّوايات المدفونة في كتب الشّيعة:
فقد تواتر من طرق أهل السنّة أنّ علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) كان يقول على منبر الكوفة في زمن خلافته: " خير هذه الأمّة بعد نبيّها أبو بكر وعمر " (مسند أحمد: 1/106).
وثبت عنه (رضي الله عنه) أنّه كان يقول: " لا أوتى برجل يفضّلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حدّ المفتري " (السنّة لابن أبي عاصم: ص561).
وثبت عنه في الصّحيحين أنّه قال في حقّ عمر بن الخطّاب بعد استشهاده: " ما خلّفت أحداً أحب إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنتُ لأظنّ أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذلك أنّي كنت أسمع كثيراً رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، وإن كنتُ لأظنّ أن يجعلك الله معهما ". (البخاري مع الفتح: 7/41، ومسلم: 4/1858).
وعند ابن أبي شيبة بسند صحيح (كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح) عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه قال: جاء عليّ إلى عمر وهو مسجّى فقال: "ما على وجه الأرض أحد أحبّ إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجّى". (مصنّف ابن أبي شيبة: 07/486).
ورئي عليه (رضي الله عنه) برد كان يكثر لبسه فقيل له: يا أمير المؤمنين إنّك لتكثر لبس هذا البرد؟ فقال: "نعم، إنّ هذا كسانيه خليلي وصفيّي عمر، ناصح الله فنصحه"، ثم بكى رضي الله عنه وأرضاه. (المصنف لابن أبي شيبة: 12/29 رقم 12047).
ومن مواقفه النّادرة التي تدلّ على شدّة محبّته للفاروق، أنّه (رضي الله عنه) لمّا فرغ من وقعه الجمل، سار من البصرة إلى الكوفة، فدخلها يوم الإثنين، لثنتي عشرة ليلة خلت من رجب سنة ستّ وثلاثين، فقيل له: انزل بالقصر الأبيض، فقال: " لا، إنّ عمر بن الخطاب كان يكره نزوله فأنا أكره لذلك "، فنزل في الرّحبة وصلّى في الجامع الأعظم ركعتين. (تاريخ الخلافة الراشدة، محمّد كنعان: ص383). رضي الله عنه وأرضاه يتأسّى بالفاروق فيما يحبّ ويكره من أمور الدّنيا وهذه أبلغ دلالات المحبّة.

وثبت عند أهل السنّة أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) كان يعتقد أنّ الأصل في الخلافة أن تكون شورى بين المسلمين، وأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يوص له ولا لغيره، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن سبع قال: سمعت عليًّا (رضي الله عنه) يقول: (وذكر أنّه سيقتل) قالوا: فاستخلف علينا، قال: " لا، ولكن أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)". قالوا: ما تقول لربّك إذا أتيته؟ قال: أقول: " اللّهمّ تركتني فيهم ما بدا لك ثم قبضتني إليك وأنت فيهم، فإن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم " (مسند أحمد: 2/242 رقم (1078)، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح ).

فهلا تنبّه شبابنا المغرّر بهم إلى أمثال هذه الحقائق التي ينبغي أن يجتمع المسلمون ويلتئم شملهم حولها، ويتكاتفوا لفضح تلك الرّوايات التي وضعها الوضّاعون على أهل البيت لطمس رسالة التّوحيد، وللفتنة بين المسلمين، باختلاق عداوة مزعومة بين أهل البيت والصّحابة الذين ألّف الله بين قلوبهم وقال: { وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ{62} وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{63}} (الأنفال).