قصة نقض الصحيفة
شعر بعض أهل قريش ، بالخزي والعار ، لما أصاب بني هاشم وبني المطلب من ضر وألم ، ولما حل بهم من جوع وعطش ، فقام أحدهم وهو هشام بن عمرو ، وأخذ يحض على نقض الصحيفة الظالمة ، ويشجع رؤوس القوم وشجعانهم على ذلك ، فسار هشام هذا إلى زهير بن أبي أمية المخزومي وقال له : يا زهير إننا والله قد ظلمنا أهلنا وأقاربنا ، وإن ما فرضناه عليهم لجهل منا وظلم ما بعده ظلم ، أفترضى يا زهير ، أن تأكل وتشرب وتلبس الثياب ، وتبيع وتشتري ، وتنام هانئا قرير العين ، وتصول وتجول ؟ ، وأخواالك بنو هاشم والمطلب في الشعب محصرون مقاطعون ، لا طعام عندهم ولا شراب ، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ، قد فارق الزوج زوجه ، والأب أبناءه . فقال زهير : ويحك يا هشام ، أفنحالف قومنا ؟ فتدب الفرقة فيما بيننا ، ثم إن محمدا ما يزال يحاربنا ويحارب آلهتنا ، وإن نقضنا الصحيفة شمت بنا أعداؤنا ، وذهبت هيبتنا بين القبائل . فقال هشام : إنك تخالف هواك ورغبتك يا زهير ، ثم إن محمدا لن يدع هذا الأمر الذي جاء به ، فقد عرفناه وخبرناه ، وسواء عليه أنقضنا الصحيفة أم لا فإنه لن يكف عن سب آلهتنا وتسفيه أحلامنا ، ثم إننا بتشديد الحصار عليه ، قد ندفع كثيرا من الناس للإيمان به والدخول في دينه ، فلماذا لا ندعو إلى نقض الصحيفة وليكن من شأن محمد بعد ذلك ما يكون . فقال زهير : وماذا عساي أن أفعل ؟ وأنا رجل واحد ، والله لو كان معي رجل آخر لسعيت في نقض الصحيفة ، ولقمت بتمزيقها . فقال هشام : قد وجدت رجلا . قال زهير: فمن هو ؟ قال هشام : أنـا . فقال زهير: أما ترى أننا قليل ، فابحث لنا عن ثالث ن ندعم به موقفنا . فذهب هشام إلى المطعم بن عدي النوفلي الذي كان صديقا لأبي طالب . وقال له ك يا مطعم أرضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف وأنت شاهد ذلك موافق لقريش فيه ؟ والله إننا لنغدو سخرية العرب إن واصلنا مقاطعتنا لهم والتشديد عليهم . فقال المطعم : ويحك يا هشام أفترضى أن تتفرق كلمتنا وتسوء سمعتنا ، ثم ماذا أصنع وأنا رجل واحد ؟ فقال هشام: قد وجدت ثانيا وثالثا . وقال : من هما . قال : أنا وزهير بن أبي أمية المخزومي . فقال المطعم : هلا جعلتهم أربعة ، فيكون ذلك أقوى لنا وأوفق . فذهب هشام إلى أبي البختري بن هشام الأسدي . فقال له: يا أبا البختري ، ما قولك في هذا الذي حل ببني هاشم والمطلب ظ أفأنت راض أن يموتوا جوعا ويهلكوا عطشا ، وبنت عمك خديجة بنت خويلد معهم تكابد الجوع والعطش أيضا ؟ فقال أبو البختري : وهل من أحد يعين على هذا ؟ قال هشام : نعم قال أبو البختري : وهل من أحد يعين على هذا ؟ قال هشام : نعم قال أبو البختري : ومن هو ؟ قال هشام : أنا وزهير والمطعم . فقال البختري : فهل من خامس ، نردد به بأسا وشدة . فذهب هشام إللا زمعة بن الأسود بن المطلب الأسدي وذكر له حق بني هاشم والمطلب وقرابتهم ، وأن هذه المقاطعة لا تجوز بل هي جائزة ظالمة . فقال زمعة : ألك معين على ذلك يا هشام ؟ فقال : نعم ، ثم ذكر له أسماء الرجال الذين وافقوه على نقض الصحيفة ، فما كان منهم إلا أن اجتمعوا وتعاقدوا وتعاهدوا على نقض الصحيفة الظالمة ، وتبرع زهير أن يبدأ بحديث النقض ، ثم إنهم حضروا بأسلحتهم ، أندية قريش ، فهب زهير واقفا ، مبتدرا القوم بقوله: يا أهل مكة ، أنأكل الطعام ، ونلبش الثياب ، ونبيع ونبتاع ، وبنو هاشم والمطلب هلكى ، لا يبيعون ولا يبتاعون ن والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة الظالمة القاطعة . فقال أبو جهل : كذبت والله لا تشق . فأجابه زمعة بن الأسود بقوله : بل أنت الكاذب يا أبا جهل ، فو الله ما رضينا بها حين كتبت . ووافقه الرجال الخمسة وأيدوه . ثم إن أبا طالب وكان حاضرا حديث القوم ، وقف قائلا: يا قوم ، إن ابن أخي قد ذكر لي ، أن الله قد سلط الأرضة على الصحيفة ، فلم تدع اسما لله إلا تركته ، ولم تدع ظلما وقطيعة وبهتانا إلا أكلته ، فإن كان ما يقوله صحيحا ، أطلقناهم وأخرجناهم من الشعب ، فقام القوم الصحيفة ، وقام المطعم بن عدي ليشقها فوجد الأرضة قد أكلتها إلا ما كان مكتوبا ك باسمك اللهم . فصعقت قريش ، ورأت أن الأمر قد خرج من يدها ، وأن لبني هاشم والمطلب أنصارا أقوياء منهم لن يسلموهم ، فانصاعت للأمر الواقع ورضيت على مضض تمزيق الصحيفة ، فذهب الرجال الخمسة إلى الشعب ، وأعادوا بني هاشم وبني المطلب إلى مساكنهم في مكة ، وكان خروجهم من الشعب في السنة العاشرة من البعثة ، فتخلص بنو هاشم وبنو المطلب من هذه المحنة القاسية والشدة الأليمة ، أما رسول الله ن صلى الله عليه وآله وسلم فقد مضى يدعو قومه إلى الله عز وجل وإلى نبذ الأوثان والأصنام ، التي لا تنفع ولا تضر ، وبدأت شوكة الإسلام تزداد قوة ومنعة بدخول وفود جديدة في الدين الإسلامي الحنيف