ما رواه مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا سافرتم فى الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم فى السنة فبادروا بها نقيها وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل ).
بيان مفردات الحديث:
عرستم: نزلتم لتستريحوا آخر الليل اي النوم.
فاجتنبوا الطريق: وبطون الاودية هي جوفها وماانخفض من الارض فيها وهي مجرى السيول وايضا هي الطرق ومعروف ان المسافر لايسلك حافتي الوادي المرتفعتين وانما يسير في بطنه.
قال النووي رحمه الله:
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْب فَأَعْطُوا الْإِبِل حَظّهَا مِنْ الْأَرْض , إِذَا سَافَرْتُمْ بِهَا فِي السَّنَة فَبَادِرُوا بِهَا نِقْيَهَا )
( الْخِصْب ) : بِكَسْرِ الْخَاء , وَهُوَ كَثْرَة الْعُشْب وَالْمَرْعَى , وَهُوَ ضِدّ الْجَدْب , وَالْمُرَاد بِالسَّنَةِ هُنَا الْقَحْط , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَخَذْنَا آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ } أَيْ : بِالْقُحُوط ; وَ ( نِقْيهَا ) بِكَسْرِ النُّون وَإِسْكَان الْقَاف , وَهُوَ : الْمُخّ . وَمَعْنَى الْحَدِيث : الْحَثّ عَلَى الرِّفْق بِالدَّوَابِّ , وَمُرَاعَاة مَصْلَحَتهَا , فَإِنْ سَافَرُوا فِي الْخِصْب قَلَّلُوا السَّيْر وَتَرَكُوهَا تَرْعَى فِي بَعْض النَّهَار , وَفِي أَثْنَاء السَّيْر , فَتَأْخُذ حَظّهَا مِنْ الْأَرْض بِمَا تَرْعَاهُ مِنْهَا , وَإِنْ سَافَرُوا فِي الْقَحْط عَجَّلُوا السَّيْر لِيَصِلُوا الْمَقْصِد وَفِيهَا بَقِيَّة مِنْ قُوَّتهَا , وَلَا يُقَلِّلُوا السَّيْر فَيَلْحَقهَا الضَّرَر ; لِأَنَّهَا لَا تَجِد مَا تَرْعَى فَتَضْعُف , وَيَذْهَب نِقْيهَا , وَرُبَّمَا كَلَّتْ , وَوَقَفَتْ , وَقَدْ جَاءَ فِي أَوَّل هَذَا الْحَدِيث فِي رِوَايَة مَالِك فِي الْمُوَطَّأ " أَنَّ اللَّه رَفِيق يُحِبّ الرِّفْق " .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِذَا عَرَّسْتُمْ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيق , فَإِنَّهَا طُرُق الدَّوَابّ , وَمَأْوَى الْهَوَامّ بِاللَّيْلِ )
قَالَ أَهْل اللُّغَة : التَّعْرِيس : النُّزُول فِي أَوَاخِر اللَّيْل لِلنَّوْمِ وَالرَّاحَة , هَذَا قَوْل الْخَلِيل وَالْأَكْثَرِينَ , وَقَالَ أَبُو زَيْد , هُوَ : النُّزُول أَيّ وَقْت كَانَ مِنْ لَيْل أَوْ نَهَار . وَالْمُرَاد بِهَذَا الْحَدِيث هُوَ الْأَوَّل , وَهَذَا أَدَب مِنْ آدَاب السَّيْر وَالنُّزُول , أَرْشَدَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّ الْحَشَرَات وَدَوَابّ الْأَرْض مِنْ ذَوَات السَّمُوم وَالسِّبَاع تَمْشِي فِي اللَّيْل عَلَى الطَّرِيق لِسُهُولَتِهَا , وَلِأَنَّهَا تَلْتَقِط مِنْهَا مَا يَسْقُط مِنْ مَأْكُول وَنَحْوه , وَمَا تَجِد فِيهَا مِنْ رِمَّة وَنَحْوهَا , فَإِذَا عَرَّسَ الْإِنْسَان فِي الطَّرِيق رُبَّمَا مَرَّ بِهِ مِنْهَا مَا يُؤْذِيه , فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَبَاعَد عَنْ الطَّرِيق .