مع طقوس الصباح و إرتشاف القهوة و إحتراف التأمل و الغوص في النفس و الذكريات في مواجهة مناخ ٍ خريفي
أجدني أتأمل , أتوغّل في فلسفة القهوة , في مذاقها , صوتها و رائحتها
و تحضرني حروف الشاعر العملاق :
كيف تكتب يد لا تُبْدع القهوة ؟
أعرف قهوتي , و قهوة اُمي , و قهوة أصدقائي , أعرفها عن بعيد و أعرف الفوارق بينها .
لا قهوة تُشبه قهوة أُخرى , و دفاعي عن القهوة هو دفاع عن خصوصية الفارق .
ليس هناك مذاق إسمه مذاق القهوة , فالقهوة ليست مفهوماً و ليست مادة واحدة , و ليست مطلقاً , لكل شخص قهوته الخاصة ,
الخاصة إلى حد أقيس معه درجة ذوق الشخص و أناقته النفسية بمذاق قهوته .
ثمة قهوة لها مذاق الكزبرة ,
ذلك يعني أن مطبخ السيدة ليس مرتباً .
و ثمة قهوة لها مذاق عصير الخروب ,
ذلك يعني أن صاحب البيت بخيل
و ثمة قهوة لها رائحة العطر
ذلك يعني أن السيدة شديدة الإهتمام بمظاهر الأشياء
و ثمة قهوة لها ملمس الطحلب في الفم
ذلك يعني أن صاحبها يساري طفولي
و ثمة قهوة لها مذاق القِدّم من فرط ما تألب البن في الماء الساخن
ذلك يعني أن صاحبها يميني مُتطرّف
و ثمة قهوة لها مذاق الهال الطاغي
ذلك يعني أن السيدة محدثة النعمة ...
لا قهوة تُشبه قهوة أُخرى . لكل بيت قهوته , و لكل يد قهوتها , لأنه لا نفس تشبه نفساً أُخرى
و أنا أعرف القهوة عن بعيد : تسير في خط مستقيم , في البداية , ثم تتعرج و تتلوى و تتأوه و تلتف على السفوح و المنحدرات ,
تتشبث بسنديانة أو بلوطة , و تتفلت لتهبط الوادي و تلتفت إلى الوراء و تتفتت حنيناً لصعود الجبل و تصعد حين تتشتت في خيوط الناي الراحل إلى بيتها الأول ...
رائحة القهوة عودة و إعادة الشىء الأول , لأنها تنحدر من سلالة المكان الأول , هى رحلة بدأت من آلاف السنين و ما زالت تعود , القهوة مكان .
القهوة مسام تُسّرب الداخل غلى الخارج , و إنفصال يُوحد ما لا يتوحّد إلا منها هى رائحة القهوة .
هي ضدُّ الفطام , ثدي يُرضع الرجال بعيداً
صياحٌ مولود من مذاق حُر , حليب الرجولة , و القهوة جغرافيا ...
لا أعرف سيدات مهووسات بصباح القهوة .
...
و أجدني اُحدق الى قبة السماء ,بإبتسامة باذخة .
بينما أحتسي آخر رشفة من قهوتي و أنا أتسأل :
كيفَ تتبرّج يد اُنثى تحترّف الكتابة ؟