«لماذا تطلقون علينا اسم الهنود؟» قالها مشتكياً أحد أفراد شعب الماساتشوسِتْ للمبشر البيوريتاني جون إليوت في عام 1646م.
لقد أطلق كريستوفر كولومبس اسم «الهنود» Indios على شعب «التايْنو» Taino الكاريبي ظناً منه أنهم من الهنود الشرقيين. وفي منتصف القرن السادس عشر وصلت هذه الكلمة الإسبانية (إنديوس) إلى الإنجليز بلفظة «إنديانس Indians»، واستُعملت عموماً للدلالة على السكان الأصليين للأمريكيتين؛ وغالباً ما يطلق علماءُ الأنثروبولوجيا عليهم اليوم مصطلح «Amerindians» أي الهنود الأمريكيون، وكثير من الناس يستعمل مصطلح «الأمريكيون الأصليون Native American»، لكن معظم سكان أمريكا الأصليين يدعون أنفسهم بالشعب الهندي «Indian People».
من هم «الهنود»؟
عند اتصالهم لأول مرة بالأوروبيين في بداية القرن السادس عشر، كان السكان الأصليون للنصف الغربي من الكرة الأرضية يشكلون أكثر من 200 ثقافة ، ويتكلمون المئات من اللغات، ويكتسبون معيشتهم في بيئات مختلفة تماماً عن بعضها البعض. وكما أن مصطلح «الأوروبيون» يحتوي على الإنجليز والفرنسيين والإسبان، كذلك الأمر بالنسبة لمصطلح «الهنود» فإنه يندرج تحته تنوع واختلاف كبيران بين السكان الأصليين للأمريكيتين.
لا يوجد هناك شكل معين يميز السكان الأصليين في الأمريكيتين، ومع ذلك فإن أكثر السكان الأصليين ذوو شعور سوداء منسدلة، وعيونهم تتميز بالشكل اللوزي، وألوان بشرتهم تتراوح ما بين اللون الماهوغاني[1] إلى السمرة، وقليل منهم ما تتوفر فيه صفات البشرة الحمراء التي كان يطلقها عليهم المستعمرون الأوروبيون في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
عندما أدرك الأوروبيون أن الأمريكيتين هما في الحقيقة «العالم الجديد» بدلاً من أن تكونا جزءً من قارة آسيا، بدأ عندها جدالٌ حول كيفية ارتحال أناس من آسيا وأوروبا إلى العالم الجديد، في حين أن الكتاب المقدس لدى اليهود والنصارى يشير إلى أن الرب خلق أول رجل وامرأة فيهما. وقد اقترح الكُتاب الأوروبيون نظريات الهجرة عبر المحيط، لكن الاعتقاد المشترك بين كل هذه النظريات هو أن العالم الجديد كان مأهولاً بالسكان منذ عدة آلاف من السنين علىالأرجح، وأن الشعوب والمجتمعات فيه عبارة عن ذرية متخلفة من ثقافة متقدمة في العالم القديم. وقد دقق النظر عدد من الباحثين الإسبان بشكل أعمق فيما يتعلق بمسألة أصل الهنود. ففي عام 1590م، برر جوزيف دي أكوستا Joseph de Acosta أنه بما أن حيوانات العالم القديم موجودة أيضاً في الأمريكيتين فمن المؤكد أنهم قد عبروا جسراً أرضياً استطاع البشر استخدامه أيضاً.
الهجرة من قارة آسيا
كان جوزيف دي أكوستا أول من قال بفرضية «الهجرة الآسيوية» التي تدعمها اليوم البراهين العلمية. إن أقوى الأدلة التي تربط الهنود الأمريكيين بالسكان الآسيويين قد ظهرت في ثمانينات القرن الماضي (1980ت)، وهو اكتشاف أن الهنود والآسيويين في شمال شرق آسيا يشتركون بميزة شكل ترتيب أسنانهم. بل إن الدليل الأكثر إقناعاً لهذه الفرضية يأتي من الأبحاث الجينية، حيث الدراسات المقارنة للحمض النووي DNA لسكان العالم تثبت باستمرار العلاقات الجينية بين الشعبين. وحديثاً درس المتخصصون بعلم الجينات فيروساً معزولاً في كلى كل البشر فوجدوا أن أرومة هذا الفيروس التي يحملها شعب النافاهو[2] واليابانيون هي تقريباً نفسها، بينما الأرومة التي يحملها الأوروبيون والأفارقة مختلفة تماماً.
من الممكن أن تكون الهجرة إلى أمريكا الشمالية قد بدأت فوق الجسر الأرضي الرابط بينها وبين آسيا. في أثناء العصر الجليدي الأخير (التجلد الويسكانسي، من حوالي سبعين ألف سنة إلى عشرة آلاف سنة مضت، وهو الحقبة الأخيرة من الفترة المعروفة بالبليستوسين أو العصر الحديث) استطاعت جليديات ضخمة حجْز كميات كبيرة من الماء، وكان مستوى مياه البحار منخفضاً مما عليه الآن بحوالي 300 قدم. كانت قارتا آسيا وأمريكا الشمالية متصلتين بمنطقة ضخمة من الأرض العشبية خالية من الجليد والأشجار، يبلغ عرضها 750 ميلاً من الشمال إلى الجنوب. لقد أطلق علماء الأرض على هذه الأرض اسم «بيرنجيا Beringia» وهي مشتقة من اسم «ممرات بيرنج» Bering Straits التي تفصل حالياً بين القارتين. في هذه المنطقة، كانت فصول الصيف دافئة، بينما كانت فصول الشتاء باردة وجافة وغالباً بدون ثلوج. كانت هذه المنطقة بيئة ممتازة لثديات الحيوانات الكبيرة (كالفيل الجليدي –الماموث-، والماستدون، والجاموس الأمريكي، والحصان، والرندير، والجمل، والسايجا، وهو غزال شبيه بالماعز). وقد جذبت هذه الحيوانات مجموعات صغيرة من صيادي العصر الحجري. وبصحبة ما يشبه كلاب الهسكي، استطاعت هذه المجموعات البشرية التنقل تدريجياً شرقاً باتجاه نهر اليوكون في شمال كندا حيث كشفت الحفريات عن عظام لفكوك العديد من الكلاب وأدوات مصنوعة من العظم يصل عمرها إلى 27 ألف سنة. وتشير أدلة أخرى إلى أن الهجرة من آسيا قد بدأت من حوالي ثلاثين ألف سنة – في نفس الوقت الذي بدأ فيه البشر بالاستقرار في إسكندنافيا واليابان-. هذه الأدلة مبنية على الزمر الدموية. إن أغلبية سكان أمريكا الأصليين الحاليين هم من زمرة الدم (O)، وقليل منهم من زمرة (A)، ولكن ليس فيهم من لديه الزمرة (B). وبما أن سكان آسيا الحاليين فيهم كل هذه الزمر الدموية الثلاث، فإن الهجرة من آسيا لا بد أنها قد بدأت قبل تطور الزمرة (B) بين سكانها، والتي يعتقد علماء الجينات أنها بدأت بالظهور قبل حوالي ثلاثين ألف سنة.