جاء في سبب نزول هذه السورة أن كفار قريش عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبدوا الله سبحانه وتعالى ويقبلوا ما جاء به ، بشرط أن يشاركهم في عبادة آلهتهم الباطلة بعض الزمان ، فنزلت هذه السورة تقطع كل مفاوضات لا تفضي إلى تحقيق التوحيد الكامل لله رب العالمين .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما :
(أن قريشا وعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة ، ويزّوجوه ما أراد من النساء ، ويطئوا عقبه ، فقالوا له : هذا لك عندنا يا محمد ، وكفّ عن شتم آلهتنا ، فلا تذكرها بسوء ، فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة ، فهي لك ولنا فيها صلاح . قال : ما هي ؟ قالوا : تعبد آلهتنا سنة : اللات والعزي ، ونعبد إلهك سنة ، قال : حتى أنْظُرَ ما يأْتي مِنْ عِنْدِ رَبّي . فجاء الوحي من اللوح المحفوظ : (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) السورة، وأنزل الله : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ) ... إلى قوله : (فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) .
رواه ابن أبي حاتم في " التفسير " (10/3471)، والطبري في " جامع البيان " (24/703)، والطبراني في " المعجم الصغير " (751)
جميعهم من طريق أبي خلف عبد الله بن عيسى الخزاز الحداد ، ثنا داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما به .
وقال الطبراني : لم يروه عن داود بن أبي هند إلا عبد الله بن عيسى ... أحاديثه أفراد كلها . انتهى .
وعبد الله بن عيسى الخزاز ضعيف عند عامة العلماء ، لا سيما رواياته عن داود بن أبي هند.
انظر ترجمته في " تهذيب التهذيب " (5/353) .
وعن سعيد بن مينا مولى البَختري قال :
لقي الوليد بن المُغيرة والعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب ، وأميَّة بن خلف ، رسولَ الله ، فقالوا : يا محمد ! هلمّ فلنعبد ما تعبد ، وتعبدْ ما نعبد ، ونُشركك في أمرنا كله ، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا كنا قد شَرِكناك فيه ، وأخذنا بحظنا منه ; وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يديك كنت قد شَرِكتنا في أمرنا ، وأخذت منه بحظك ، فأنزل الله : (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) حتى انقضت السورة .
رواه الطبري في " جامع البيان " (24/703) قال : حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن عُلَية ، عن محمد بن إسحاق ، قال : ثني سعيد بن مينا مولى البَختري به .
وسعيد بن ميناء من أوساط التابعين ، فروايته مرسلة ضعيفة .
وقال السيوطي رحمه الله :
"أخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن وهب قال : قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم : إن سرك أن نتبعك عاما وترجع إلى ديننا عاما ، فأنزل الله : (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) إلى آخر السورة .
وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن قريشا قالت : لو استلمت آلهتنا لعبدنا إلهك ، فأنزل الله : ( قل يا أيها الكافرون ) السورة كلها" انتهى .
"الدر المنثور" (8/655) .
والحاصل : أن الآثار السابقة – وإن ضعفت أسانيد أفرادها – إلا أنها تتقوى بمجموعها ، ويشهد بعضها لبعض ، خاصة وأنه ليس في متنها ما يستنكر ، ووافقت ظاهر القرآن الكريم ، ولذلك صحح مضمونها الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح السيرة النبوية " (201)، وانظر : " السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية " (ص/175) .