لم يعد من السهولة بمكان على أي راغب في الحصول على الجنسية الفرنسية وفق ما أقرّ به ميثاق الحقوق والواجبات الجديد الذي عرضه أمس وزير الداخلية «كلود غيون» على المجلس الأعلى للاندماج، وهي الوثيقة التي تضمنت شروطا وإجراءات مشدّدة تفرض بموجبها على المترشحين الإلمام الكامل بتاريخ فرنسا وإتقان الحديث بـ «لغة فولتير».
نشرت صحفية «لوفيغارو» الفرنسية في عددها الصادر أمس بعض تفاصيل الميثاق الخاص بتحديد شروط الحصول على الجنسية للرعايا غير الفرنسيين، ونسبت إلى النص تأكيده في الديباجة: «أنتم الذين ترغبون في الحصول على الجنسية الفرنسية، إنه قرار هام يستوجب التفكير. أن تصبح فرنسيا ليس أمرا بسيطا ولا مجرّد خطوة إدارية. الحصول على الجنسية الفرنسية هي قرار يُلزمك ويلزم المنتسبين إليك».
ويأتي هذا النصّ الجديد بناء عل قانون 16 جوان 2011 الخاص بالهجرة والاندماج، وقد قدّمه وزير الداخلية «كلود غيون» أمس أمام المجلس الأعلى للاندماج. وإذا كان هذا الميثاق رمزي في المقام الأول من وجهة نظره معدّيه، فإنه يُسلّط الضوء في غالبيته على بعض الالتزامات ذكره منها أن «كل مواطن يساهم في الدفاع والتماسك للأمة» مع تأكيده كذلك: «عندما تصبح مواطنا فرنسيا، لا يمكنك التفكير بالحصول على جنسية أخرى في الأراضي الفرنسية».
ويقترح الميثاق صيغة جديدة لإنهاء الجدل الذي أثاره نواب من الحزب الحاكم «الاتحاد من أجل حركة شعبية» في الفترة الأخيرة بخصوص ازدواجية الجنسية بعد أن طالبوا بمنعها، حيث يرى أنه هذا الأمر مستحيل التطبيق، وقد استندت السلطات الفرنسية في ذلك إلى كون الكثير من البلدان التي ينحدر منها حاملو الجنسيات المزدوجة لا تمنع هذا الأمر مثلما هو الشأن بالنسبة إلى المغرب.
إلى ذلك جاء في الوثيقة اعتراف من ديوان وزير الداخلية أن قضية تجريد مزدوجي الجنسية من الحقوق كمواطنين فرنسيين في حال لم يتخلوا عن جنسيتهم الثانية «أمر يجب طرحه في إطار حقوق الأجانب..»، وقد فضّلت مصالح هذه الوزارة «ضمان فهم جيد للأفراد الذين حصلوا على الجنسية الفرنسية».
ولهذا الغرض تقرّر زيادة المستوى المطلوب في اللغة الفرنسية بموجب مرسوم صادر في شهر نوفمبر الحالي على أن يتم الشروع في تطبيقه ابتداء من جانفي 2012، وعليه يجب على المرشحين الآن للحصول على الجنسية الفرنسية، كما في بقية أوروبا، أن يكون لديهم مستوى سمّاه الميثاق «نهاية الدراسة». وقد سجّل في هذا السياق أن بعض المهاجرين الذين استقروا فترة طويلة في فرنسا «لا يزالون أميين»، وهنا يعلّق الوزير «كلود غيون» بأن هذا الشرط ليس تقييدا وإنما «عندما نكون فرنسيين فهذا يعني أننا نتحدّث اللغة الفرنسية».
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحدّ لأن أي مترشح للحصول على الجنسية الفرنسية يتوجب عليه الإلمام الكامل بتاريخ الدولة الفرنسية والكشف عن معارف أساسية في هذا المجال، وحتى بكل ما له صلة بالثقافة والمجتمع الفرنسيين. وأشارت «لوفيغارو» إلى أن وزير الداخلية اجتمع مع عدد من المؤرخين لتحديد المستوى المطلوب بهذا الخصوص، وتوقع المصدر ذاته أن يتمّ تحديد المستوى المطلوب وفق استبيان يُمنح للراغب في الحصول على الجنسية الفرنسية زيادة على مقابلة.
كما لاحظت الصحيفة أن الميثاق الخاص الحقوق والواجبات لم تُحدّد شروطا إضافية بغير تلك التي أتت على ذكرها، ولكنها تابعت استنادا إلى الوثيقة ذاتها تقول: «إنه من أجلك ومن أجل ذويك تبني هذا البلد الذي يحتضنك والذي أصبح بلدك، وتبني تاريخه ومبادئه وقيمه وكذا الاندماج في مجتمعه والقبول بالمساهمة في الدفاع عنه وأن تكون فاعلا متضامنا من أجل مستقبله»، وورد في الميثاق: «بالمقابل، فرنسا ستعترف بك مواطنا للجمهورية».
وتشير أرقام رسمية إلى أن حوالي 95 ألف شخص استفادوا العام الماضي من الجنسية الفرنسية، واللافت أن غالبيتهم كانون مقيمين في هذا البلد لفترة لا تقل عن 15 عاما، كما أنهم يطلبون الحصول على الجنسية بمجرّد أن يحصل أبناؤهم عليها.