من منا لايعرف أو لم يسمع بالبيت الشعري أو على الأقل بضربه (نصف البيت الأيسر) القائل :
قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
غير أن القليل منا من يعرف أن هذا البيت من قصيدة طويلة للشاعر الشهير أحمد شوقي ، وقد ذاع هذا البيت وسارت به الركبان حتى صار مثلا يضرب . في هذه القصيدة الغراء مجد أحمد شوقي المعلم وامتدح مهنة التعليم المقدسة . وشوقي ـ للذين لا يعرفون ـ كان شاعرالبلاط العثماني الأول في عصره وكانت تصله من الملك عطايا وهدايا غزيرة، وكان يسكن منزلا فخما يكاد يكون قصرا، وهو لم يكن يوما في حياته معلما حتى يستطيع أن يجرب مهنة التعليم ومشاقها ويكتب عنها بصدق . وهذا ما تعالجه القصيدة التي اخترتها لكم . وهي من روائع الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان ، أخي الشاعرة المعروفة فدوى طوقان . إبراهيم طوقان كان معلما فعلا واحترق بنار التعليم وزاول هذه المهنة الشاقة لسنوات عديدة، وليس مثل صديقنا الغني أميرالشعراء أحمد شوقي الذي كتب عن التعليم من برجه العاجي ،وهو جالس في كرسيه الوثير، وفي فمه غليونه الأثير. شاعرنا إبراهيم طوقان قرأ قصيدة أحمد شوقي وضارعها بالقصيدة الساخرة أدناه التي اخترتها لكم ( المضارعة أن يأتي الشاعر بقصيدة كردٍّ على قصيدة شاعر آخر على نفس البحر وبنفس القافية وهما في قصيدتنا: بحر الكامل وقافية اللام ) . أتمنى أن تنال القصيدة إعجابكم واستحسانكم .
شََوْقي يقول وما دَرَى بمصيبتي قُمْ للمعلم وفِّه التبجيلا
اُقْعُد فديْتك هل يكون مبجَّلا من كان للنّشْئِ الصغار خليلا
ويكاد يُقْلقني الأميرُ بقوله كاد المعلم أن يكونَ رسولا
لو جرّب التعليمَ شوقي ساعة َلَقَضَى الحياةَ شقاوةًً وخمولا
حسب المعلم غمةً وكآبةً مرْأى الدفاترِ بُكرةًَ وأصيلا
ِمَئةٌ على ِمَئةٍ إذا هي ُصلِّّْحت وجد العَمى نحْو العيون سبيلا
ولو أنّ في التّصْليح نفْعاًُُ ُيْرتجى وأَبيكَ لمْ أَكَُ بالعيون بخيلا
لكنْ أصلِّح غَلطة نحويّة مثلا وأتَّخذ الكتابَ دليلا
مسْتشْهدا بالغُرِّ من آياته أو بالحديث مفصَّلا تفصيلا
وأكاد أبْعثُ سيبويْه من البِِلى وذَِويه من القرون الأولى
فأرى حِماراً بعد ذلك كلِّه رفَعَ المُضَافَ إليه والمفعولا
لا تعجبوا إن صِحت يوما صيحة ووقَعْت ما بين الُبنوك* قتيلا
يا منْ يريدُ الإنتحارَ وَجَدتَه إنّ المعلم لا يعيشُ طويلا