كيف نربي بناتنا على الحجاب ؟
إن الحجاب هو أحد أهم القضايا الإسلامية لذلك فإن واجبنا تجاه الأجيال الجديدة القادمة أن نربيهم عليه وأن نتدارك أمرها بتعليمها حب الحجاب منذ الصغر، فتنشأ الفتاة وهي تلم بيوم بلوغها سن التكليف تتشرف بارتداء حجابها، إرضاء لربها واعتزازًا بعفتها وحيائها.. فتصير لؤلؤة مكنونة وجوهرة مصونة كما أراد لها الله - سبحانه -! وفيما يلي أحاول أن أوضح للقراء الكرام لماذا من واجب كل أبوين أن يربيا بناتهما على الحجاب وكيف نربي بناتنا على حب الحجاب؟
لماذا نسعى لترغيب بناتنا ـ منذ الصغر ـ في الحجاب؟
هناك أسباب عدة تجعل كل أبوين يسعيان في تربية أبنائهما على الحجاب وهي كالتالي:
1ـ لأن الآباء والأمهات أو المربين سوف يقفون بين يدي الله - تعالى -ويسألهم عن بناتهم كيف ربينهم ولماذا لم يأمروهن بطاعة الله يقول - صلى الله عليه وسلم -: 'كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته'.
2ـ لأن الإسلام يأمر بتدريب الصغار على العبادة قبل التكليف بها أي قبل بلوغهم؛ فالصلاة مثلاً فرض عين على كل مسلم ومسلمة ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بأن ندربهم عليها منذ السابعة ونضربهم عليها في العاشرة، وذلك قبل بلوغهم سن التكليف؛ وقد اختص الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصلاة من بين العبادات لكونها عماد الدين والحجاب ـ كالصلاة ـ فريضة على المسلمة، بأمر صريح من الله ورسوله.
3ـ لأننا لو أطلقنا لهن الحرية منذ الصغر في ارتداء ما يشأن ـ تقليدًا لغيرهن من غير الملتزمات - دون حزم أو توجيه فسوف يعتدن هذا، ثم يفاجأن ـ حين يصلن لسن التكليف ـ بمن يأمرهن بالحجاب، فتكون كالصدمة بالنسبة لهن، مما يؤدي إلى صعوبة الأمر عليهن وعدم قدرتهن على تنفيذ هذا الأمر.
4ـ لأنهن لو لم يحببنه ويقتنعن به منذ الصغر؛ فقد يرتدينه بالإكراه خوفًا من أولي الأمر، مما يؤدي إلى تحايلهن ـ بعيدًا عن أعين ولي الأمر ـ بشتى الطرق لمسخه وإخراجه عن وظيفته.
كيف ندرب بناتنا على حب الحجاب؟
قبل الزواج:
إن أولى وأهم الخطوات هي التي يقوم بها الرجل حين يختار لبناته أمًا ذات خلق ودين تكون قدوة متحركة؛ فإذا تربت البنت في أحضان هذه الأم كان الحجاب أمرًا بديهيًا بالنسبة لها، وقضية لا جدال فيها، وأمنية غالية ترنو لتحقيقها.
بعد الزواج:
على الوالدين أن يبنيا بيتهما على أساس من الود، والاحترام، والتفاهم حتى ينشأ الأبناء في جو هادئ مستقر؛ مما يبعدهم عن المشكلات النفسية التي تؤدي بهم إلى التنفيس عما يحسون به، بالتمرد والعصيان ومخالفة الأهل.
بعد الوضع، وحتى سنتين:
من البداية ينبغي أن تحرص الأم على تعليم ابنتها الحياء لأنه أساس الحجاب، ولأنه كما قال - صلى الله عليه وسلم -: 'خير كله' [فتح الباري بشرح البخاري ـ كتاب الإيمان باب 3] فلا تغير الأم حفاضات طفلتها أمام أحد وتعلمها بلطف ومزاح أن تغطي عوراتها؛ وأن لا تخلع ثيابها أمام أحد، ولا تظن الأم أنها صغيرة فالطفل يدرك ولكنه لا يستطيع التعبير، وكلما بدأت معها الأم مبكرة بهذا الأمر كان أفضل.
من ثلاث إلى خمس سنوات:
في هذا العمر يكون تقليد الكبار من الأمور المفضلة لدى الطفل، لذا فإن طرحه صغيرة مزركشة بلون تفضله الطفلة وتختاره بنفسها؛ لترتديها؛ حين تصحب والدتها إلى المسجد للصلاة أو حضور درس، أو حين تريد تقليد أمها فتصلي معها أو بمفردها، يكون بمثابة تمهيد لحب ارتدائها فيما بعد. وفي هذا العمر يمكن أن نحفظها ما تيسر من القرآن الكريم. هذا بالإضافة إلى تحفيظها ما تيسر من الحديث النبوي ليكونا ذخرًا لها في حياتها المقبلة.
ومن الأفضل أن تقوم الأم بتفصيل ملابس الحجاب للدمية المفضلة لدى ابنتها، تكون ذات ألوان زاهية مزركشة تنتقيها الطفلة، وتقوم بتغييرها للدمية بنفسها.
ومن المفيد أن تشاركها الأم في اللعب بها وانتقاء غطاء الرأس المناسب للون الجلباب الذي ترتديه الدمية، وفي تلك الأثناء تتحدث الأم إلى الدمية قائلة ـ مثلاً ـ 'كم هو الحجاب جميل عليك!
فالجنة مليئة بالأشياء الجميلة ومنها اللعب'.. فمن خلال اللعب يمكن أن يتعلم الطفل أكثر وبشكل أيسر مما يتعلم بالتلقين أو الكلام المباشر.
من ست إلى ثماني سنوات:
في هذه المرحلة ـ مع استمرار حفظ وفهم القرآن ـ نستكمل تعليمها الحياء؛ فنعلمها ' الاستئذان قبل الدخول على الوالدين ـ كما جاء في سورة النور ـ وقبل دخول أي مكان حتى ولو على إخوتها. وأن يكون صوتها خفيضًا ـ خاصة أمام غير المحارم ـ ولا ترفعه بالضحك أو حتى عند الغضب؛ وألا تمشي وسط الطريق؛ وإنما عن يمينه أو يساره'
وأن تتعلم حدود عورتها أمام غير المحارم، وأمام نساء المسلمين ولعل بعض الأمهات يخطئن بشراء الملابس الخليعة لبناتهن ـ ومنها لباس البحر المبالغ في تبرجه ـ بحجة أنهن لا يزلن صغيرات، ولكن المشكلة أن في ذلك تشبه بالكافرات، كما أن الحياء لا يتجزأ ولا يرتبط بمكان.
من تسع سنوات إلى أحد عشر عامًا:
في هذه المرحلة 'يرقى فكر الطفلة وتتنوع خبراتها، وتتسع مداركها، وتنمو قدراتها على التأمل والتخيل، وتتحول إلى طاقة إيمانية مستعدة لتقبل أوامر ربها، وتنفيذها أكثر من أي مرحلة أخرى في حياتها الماضية والمستقبلية؛ فإذا وجهت الطفلة الوجهة السليمة نحو الإيمان والخير، اندفعت إليهما في تعلق وشوق.
لذا فإن دور الوالدين في هذه الفترة أن يستغلا هذا التطور الإيماني في نفسها، وأن يعملا على تقوية عقيدتها بالله التي سترى فيهما خير عون لها على تقبل ما تتعرض له من آلام الواقع، وصراعات الحياة.
ومن المهم في هذه الرحلة ـ التي تسبق سن التكليف بالحجاب ـ أن نحكي لهن عن نماذج للعفيفات من السلف الصالح، مثل:
ـ عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - التي قالت بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر: 'كنت أخلع ثيابي في حجرتي ولم أكن أتحرج، أقول: زوجي وأبي، فلما دفن عمر - رضي الله عنه -، كنت أشد علي ثيابي حياءً من عمر!!
ـ فاطمة بنت الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي لم تعجبها طريقة وضع الثياب على المرأة وهي ميتة خوفًا من أن تصفها، فقالت لأسماء بنت أبي بكر: يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أن يطرح على المرأة الثوب فيصفها، فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئًا رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبًا، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله تعرف به المرأة من الرجل، فإذا أنا مت فغسليني أنت وعلي، ولا يدخل علي أحد، فلما توفيت - رضي الله عنها - غسلها علي وأسماء.
مرحلة الثانية عشرة حتى السادسة عشرة:
في هذه المرحلة تكون ابنتك قد بلغت سن التكليف أو قد لا تكون، فإذا بلغته فعليك أن تخبريها ـ بلطف ـ أن موعد إقامة حفل حجابها قد حان، فإن استجابت عن طيب خاطر، فبها ونعم.
وإن لم تستجب. فإليك ما نصحت به الأستاذة نفين السويفي لمعالجة هذا الأمر، تقول: قد يبدو ما سأقوله محبطًا، ولكنها الحقيقة التي يجب أن نتفهمها حتى نستطيع التعامل معها، فما تمر به ابنتك وما تجدينه من صعوبة في إقناعها أمر طبيعي جدًا، خاصة في مرحلة المراهقة التي تتسم بالعناد والرفض، والرغبة في إثبات الذات ـ حتى لو كان ذلك بالمخالفة لمجرد المخالفة ـ وتضخم الكرامة العمياء التي قد تدفع المراهق رغم إيمانه بفداحة ما يصنعه إلى الاستمرار فيه، إذا شعر أن توقفه عن فعله سيشوبه شائبة أو شبهة من أن يشار من أن قراره بالتوقف عن الخطأ ليس نابعًا من ذاته وإنما بتأثير أحد من قريب أو بعيد.
دعيني أوضح لك شيئًا هامًا، وهو أن أسلوب الدفع في توجيه البنت وتعديل سلوكها، لن يؤدي إلا إلى الرفض والبعد، فكما يقولون: إن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومضاد له في الاتجاه. ويتوازى مع هذا الأمر أن تشاركيها في كل ما تصنعينه في أمور التزامك في أول الأمر من خلال طلب رأيها ومشورتها، وكأن هدفك ـ بل هو في الحقيقة ما يجب ـ تقريب العلاقة وتحقيق الاندماج بينكما..