ماهي القصيدة الدائرية

القصيدة الدائرية ماهي ؟



0      0

3
صورة المستخدم

Khalifab13

مشترك منذ : 18-01-2012
المستوى : مساهم
مجموع الإجابات : 2267
مجموع النقاط : 1956 نقطة
النقاط الشهرية : 0 نقطة

Khalifab13
منذ 12 سنة

أن تكون بشراً
تلك المحنة الكبرى
والشدّة التي تتعالى
على الزوال
أنا نطفة مجهولة
حملتني الأرض
ثم أطلقتني
إلى الصراخ
الصراخ
صدى
الرغبة

أنا نجمة ضالة
آوتها الأرض
وألقت عليها الأسمال
أنا
أثر
على
ماء

أنا
منْ أنا
أنا لستُ سوى بضعة أشلاء
في سروال
لا أعرف
كيف غدوتُ
ومنْ أطلق عليّ "الأشلاء"
تمنيتُ
لو أن من زجاج
الرغبة، أنا، العالم

العالم
نصفه فجيعة
والآخر منه ملهاة
ترشو الألم بالضحك
ستأتي تلك اللحظة
التي أجدني فيها خارج العالم
عندها
سأعرف أي كهف مظلم
هذا الذي خرجت منه
منْ ذا الذي عاقبني
لأكون:
على هذه الملامح
وبهذا الاسم
وفي هذا العالم
قطرة في بحر من البشر

أنا خطأ العالم واعتذاره عنوان يفترض مساءلة من نوع جديد .. ورغم انها عبارة مغلقة على ذاتها إلا أنها تنفتح على اللا محدود في السؤال وطرحه .. ومن ثم يشدنا العنوان الى عوالم ذات انبهار وتخطي في آن بمعنى انها توقفنا على داخل موحد ومتشابك بين القراء جميعا ولكن في لحظة تجلي يصبح العنوان له خصوصية شديدة تلج عوالم منفردة لها حضورها / غيابها في أن .. ورغم ما يحتمله العنوان من خصوصية غائرة وواضحة إلا أنه عنوان يضج بمفردات تحتمل عنونتها لمساحات مفترقة لها حضورها الخاص بكل قارئ على حدة ..
من هنا يعرج بنا الكاتب الى مساحة خاصة تتفرد بنطق او بمنطوق خاص يدعونا اليه الكاتب حيث يتعالى الإمكان البشري على مستحيله .. واستنطاق المستحيل في صرخة هي تعبير عن الرغبة .. الرغبة التي هي الخطيئة الأولى لآدم حيث الاستجابة استحالت الى نقمة ومن ثم احتملت الرغبة احساس الغربة والاغتراب .. وذلك بعد أن تبدلت نعمة الاحساس وتحولت الى حمل او ثقل يبوء به الإنسان بعامة .. ونجد الكاتب يستشعر بنفسه نطفة وجوده من قلب صرخته التي تمنحه معناه وصورته وشكله وتلك الملامح التي يتساءل حولها .. إنه سؤال البشرية في خصوصه و / أو عمومه .. وسؤال الجبرية التي اعتقلت احساس الكاتب ومن ثم القارئ والذي يمنحنا منطقة من القراءات تفترض ذكاء القراءة المسبق .. حيث أصبحت معالجة الوجود والوجود فيه مسألة مجاوزة وتحول في آن وأيضا سؤال يطارحنا الإجابات المختلفة باختلاف القراءة وتوقعاتها ..
يقول الشاعر في بدء القصيدة :

أن تكون بشراً
تلك المحنة الكبرى
والشدّة التي تتعالى
على الزوال ..


هي نتيجة يقرها الشاعر بتسليم كلي ومطلق يعرض فيها حقيقة محنة البشرية .. وهذه البشرية التي تتعالى شدتها على الزوال .. وكأنه يرحل معها الى عوالم الخلود فما بات من شدتها هو التعالي على الزوال .. كأنها الإرث الممتد الى مالا نهاية .. هو هنا يطرح حقيقة تكشف عن ذاتها بلا تفاصيل .. مجرد فكرة عامة او نقطة انطلاق سوف يبرر بها بقية بناء النص .. ومن ثم لم تأخذ من حيز تفكيره سوى تقديمها وكأنها نتيجة مستوحاة من طبيعتها ذاتها التي تفرض نفسها بنفسها .. لينتقل بنا الى حيث التفاصيل التي يتكشفها من حيث جزئياتها وحضورها وكأنها النتوءات التي حضرته منذ ان كشف عن بشريته التي انطلق منها ليعود اليها .. حيث يقول :

أنا نطفة مجهولة
حملتني الأرض
ثم أطلقتني
إلى الصراخ
الصراخ
صدى
الرغبة

ففي هذه النطفة يكمن إعجاز الصراخ من حيث الخلق وتكوينه في الرغبة والى الرغبة .. فالصراخ هنا عنوان للبدء والانتهاء .. ولكن ما بين صراخ البدء والانتهاء اختلاف كينونة البشر ومضمون بشريتهم .. حيث ان اطلاقه من الارض الى حيز أو عالم من الصراخ يتأرجح ما بين الصراخ الحقيقي والصدى المغلف بالرغبة .. هو أساس المحنة والشدة التي تتعالى على الزوال لينتقل بنا الى مفردة جديدة تتحول معها الكينونة من الإطلاق الى شكل آخر من الأثر الذي يتصوره الشاعر على الماء .. وكأنه في هذه الصورة الشعرية يؤكد ماجاء في افتتاحيته حيث يقول :

أنا نجمة ضالة
آوتها الأرض
وألقت عليها الأسمال
أنا
أثر
على
ماء

وما بين صورة النطفة والنجمة دلالة ارتباطية هي العشوائية والعموم في ذات الوقت .. فلم يحدد الشاعر تفاصيل خاصة به بقدر ما تصور العام في الخاص من خلال ذاته ولربما هذا ما يعطي للقصيدة قيمتها الحقيقية بالفعل .. ورغم هذا نستشعر خصوصية الشاعر من خلال صوته الدفين والذي يأتي متلبسا عنوان عموميته لنكتشف فيه ذواتنا دون قصد من الشاعر .. ومن ناحية أخرى نكتشف ارتباط الجهل والضلالة فيما هو يصف النطفة والنجمة .. فالنطفة تحمل عنصر جهالتها وعشر إمكان كشفها بسهولة .. ومن ثم تورث هذا الجهل فهي بالتالي مجهولة من شبيهاتها من النطف الأخرى وهو ما تولد عنه الضلالة في وصف النجمة التي هي على ما هي عليه من إنارة وهدي إلا أنها ضالة .. لينتقل بنا فجأة الى منطقة السؤال الحرج فيقول بلا تمهيد :

أنا
منْ أنا
أنا لستُ سوى بضعة أشلاء
في سروال
لا أعرف
كيف غدوتُ
ومنْ أطلق عليّ "الأشلاء"
تمنيتُ
لو أن من زجاج
الرغبة، أنا، العالم

فرغم ما يحمله الشاعر من إمكان وضعيته كنطفة تارة وتارة أخرى كنجمة يكشف لنا في حقيقة إحساسه بنفسه أنه مجرد أشلاء تتجمع في سروال ولا يعرف كيف غدا .. وكلمة " غدوت " تحتمل استدراك السؤال عن مستقبل تكونه او ربما هي تساؤلا عن كيف غدا مجرد أشلاء .. ورغم اعترافه بهذا إلا أنه يفترض سؤالا آخر في سياق انسياب شعوره من أطلق عليه " الأشلاء " وهو ما يؤكد الفرض الثاني عن سؤاله كيف " غدوت " أشلاء ولكن فجأة يطارحنا رؤية جديدة مفاجئة تجسد معنوياته وتمنياته وأمنياته وأيضا ما تمثله من حجر عثرته وسر تأزمه .. فيقوله :
" تمنيتُ
لو أن من زجاج
الرغبة، أنا، العالم "

هذا التمني الداخلي والذي يصور لنا وجه المعاناة الحقيقية .. إنه يتمنى لو كانت الرغبة والأنا والعالم من زجاج لربما أصبح من السهل تحطيمهم .. فعندما نصل الى هذه المنطقة من التمني نكشف عن اقطاب الصراع الحقيقي الموجود فيه الإنسان والذي يفسر ضمنيا تلك الافتتاحية ويعطي لنا ملامح التعالي على الزوال فهي عصب الاجتهاد والسقوط او التمرد والصعود والهبوط .. فهذه الاقطاب الثلاثة تحتوي بعضها البعض وأيضا تمثل مناطق انجذاب وتوحد كما تمثل نفور وتفكك .. لقد لمس الشاعر في إيجازه المختصر ( الرغبة , الأنا , العالم ) منطقة صراع وجوده وتواجده ومن الملاحظ أيضا بدأ بالرغبة حيث أنها المشترك العام بين الأنا والعالم اللذان هما قطبي الحوار .. على مائدة الرغبة .. لينتقل بنا إلى منطقة تشريح أخرى للعالم ووجهيه المتناقضين ( الفجيعة والملهاة ) .. على أن الملهاة ما هي سوى رشوة للألم او هو رشوة للوجه الأحق بالوجود وهو الألم مادام ما تقدم به الشاعر من تفاصيل تمنح العالم ضرورة المعاناة لما يحتمله من رغبة وصراخ .. يقول الشاعر :

العالم
نصفه فجيعة
والآخر منه ملهاة
ترشو الألم بالضحك
ستأتي تلك اللحظة
التي أجدني فيها خارج العالم
عندها
سأعرف أي كهف مظلم
هذا الذي خرجت منه
منْ ذا الذي عاقبني
لأكون:
على هذه الملامح
وبهذا الاسم
وفي هذا العالم
قطرة في بحر من البشر

إلا أنه فجأة يصدمنا بمستقبل يأمله أو ينتظره .. رغم ما يلف العالم من فجيعة وملهاة إلا أنه في ( س ) في كمة ( ستأتي ) هو أمل ينتظر التحقيق والتحقق مستقبلا بأنه سوف يكون فيها خارج هذا العالم .. وهو وعي يقيد الوعي بالعالم .. على اتساعه وإمكانه إلا أن الشاعر يستشعر في مستقبل قادم او في لحظة قادمة إمكان الانفلات من هذا لعالم وما فيه .. ومن خلال هذا الانفلات سوف يعي مصدر قدومه أيضا .. ذلك أن الميلاد بخلاف الموت .. الميلاد يحمل بذور تكوين ذاكرة هي التي تعطي للموت معنى وحساب في ذاته .. عندها أي لحظة الخروج من العالم ( الموت ) سوف يتحقق الشاعر في تصوره الفطري من إجابات بقيت معلقة أجلا .. وهو ما يؤكد عليه في كلمة ( سأعرف ) والتي تحمل بذور مستقبل فنائه إلا ليس بفناء أنما هو تحصيل إمكان المعرفة التي لم يحصلها أي سوف يعرف ما لم يستطع معرفته ماكان حيا ..
في النهاية يقدم لنا النص شكلا من القصيدة الدائرية التي تتخذ من حركيتها تشريح لفكرتها ومحاورة الرحلة الاستكشافية بين قطبي البدء والمنتهى والعودة أي حيث البدء مساءلة للفكرة وحوارها ومحاورتها .. أو القصيدة البنائية ذات الأسلوب التشريحي التي لها منحى فلسفي فكري .. ينبع أو يحاور أصل الكون والكينونة .. ليخرج من خصوصية الطرح إلى عمومه وهي مسألة قليل ما توجد على مستوى القصيدة الحداثية الحديثة ومن ثم استدرجت النص من حيث هو استدرجني وعانقت فيه ما عانق في ذاتي والتمست لغة أجدني فيها أعبر محطات الاختراق والتجاوز في آن والتي بناها الشاعر بفطرية شديدة .. وهو ما التمس ان يعانق في القارئ .


  • الأسئلة :124
  • الإجابات:2267
  • مشترك منذ:2012-01-18
  • المستوى:مساهم
  • النقاط الشهرية :0
  • مجموع النقاط:1956