هَلْ فِي الدّين بدعة حسنة؟



0      0

2
صورة المستخدم

Khalifab13

مشترك منذ : 18-01-2012
المستوى : مساهم
مجموع الإجابات : 2267
مجموع النقاط : 1956 نقطة
النقاط الشهرية : 0 نقطة

Khalifab13
منذ 12 سنة

نقلا عن مجلة التوحيد
بقلم- معاوية محمد هيكل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد فقد عرضت للمبتدعة شبهات كثيرة استدلوا بها على تحسين بدعهم، منها أدلة صحيحة ليس فيها دلالة على ما ذهبوا إليه لكنها نشأت من الفهم الخاطئ بسبب تحريف الأدلة عن موضعها ومنها أدلة باطلة وبطلانها يغني عن ردها.

وفي هذا المقال نعرض للشبهات وندحضها ونكشف عوارها ونبين زيفها فنقول مستعينين بالله عز وجل.
أولا: القول بأن البدعة الشرعية تنقسم إلى حسنة وسيئة هو قول محدث ومبتدع وذلك للأسباب الآتية:
1 أن أدلة ذم البدعة جاءت مطلقة عامة وعلى كثرتها لم يقع فيها استثناءٌ البته ولم يأت فيها ما يقتضي أن منها ما هو حسن مقبول عند الله ولا جاء فيها: كل بدعة ضلالة إلا كذا وكذا ولا شيء من هذه المعاني ولو كانت هنالك محدثات يقتضي النظر الشرعي فيها أنها حسنة أو مشروعة لذكر ذلك في نصوص الكتاب والسنة ولكنه لا يوجد ما يدل على ذلك فدل على أن تلك الأدلة بأثرها على حقيقة ظاهرها من الكلية والعموم الذي لا يتخلف عن مقتضاه فرد من الأفراد {الاعتصام للشاطبي}
2 أنه قد ثبت في الأصول العلمية أن كل قاعدة كلية أو دليل شرعي كلي إذا تكررت في أوقات شتى وأحوال مختلفة ولم يقترن بها تقييد ولا تخصيص فذلك دليل على بقائها على مقتضى لفظها العام المطلق وأحاديث ذم البدع والتحذير منها من هذا القبيل.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يردد من فوق المنبر على ملأ من المسلمين في أوقات كثيرة وأحوال مختلفة أن: "كل بدعة ضلالة".
ولم يرد في آية ولا حديث ما يقيد أو يخصص هذا اللفظ المطلق العام، بل ولم يأت ما يفهم منه خلاف ظاهر هذه القاعدة الكلية وهذا يدل دلالة واضحة على أن هذه القاعدة علي عمومها وإطلاقها.
{انظر الاعتصام للشاطبي}
3 عند النظر في أقوال وأحوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم نجد أنهم مجمعون على ذم البدع وتقبيحها والتنفير عنها ولم يرد عنهم في ذلك توقف ولا استثناء فهو بحسب الاستقراء اجماع ثابت يدل دلالة واضحة على أن البدع كلها سيئة لا يوجد فيها شيء حسن.
4 القول بالبدعة الحسنة يفسد الدين ويفتح المجال للمتلاعبين فيأتي كل ما يريد بما يريد تحت ستار البدعة الحسنة وتتحكم حينئذٍ أهواء الناس وعقولهم وأذواقهم في شرع الله وكفى بذلك إثمًا وضلالا مبينًا.
5 عند النظر في بعض المحدثات التي يسميها أصحابها بدعًا حسنة نجد أنها قد جلبت على المسلمين المفاسد العظيمة كما في بدعة المولد وما يترتب عليها من فسوق عصيان باختلاط الرجال والنساء والرقص والغناء.
وكما في بدعة البناء على القبور وما يترتب عليها من شرك بالتوسل والاستغاثة والدعاء ومن أكلٍ لأموال الناس بالباطل ومن التطاول والتفاخر بالبناء على هذه الأضرحة وغير ذلك وهذا المذكور هنا إنما هو بمجرد التمثيل على أن البدع التي يطلق عليها أصحابها حسنة هي عين القبح والضلال والفساد وإلا فلو استعرضت سائر البدع العلمية والعملية لوجدتها من هذا القبيل فسبحان من جعل التمسك بالكتاب والسنة عصمة وجعل الافتئات عليها ضلالة.
6 يقال لمعتقد حسن بعض البدع إذا جوَّزت الزيادة في دين الله باسم البدعة الحسنة جاز أن يستحسن مستحسن حذف شيء من الدين بإسم البدعة الحسنة أيضًا ولا فرق بين البابين لأن الابتداع يكون بالزيادة والنقصان والاستحسان الذي تراه يكون كذلك بالزيادة والنقصان وكفى بهذا قبحًا وذمًا وضلالا.
7 أن القول بالبدعة الحسنة يؤدي إلى تحريف الدين وإفساده، إذ كلما جاء قوم، زاد في الدين عباده وسموها: بدعة حسنة، فتكثر البدع، وتزيد على العبادات الشرعية، فيتغير الدين ويفسد كما فسدت الأديان السابقة، فيجب إغلاق باب الابتداع كله حماية للدين من التحريف والانتحال.
{انظر تحذير المسلمين عن الابتداع لابن حجر البوطامي}
8 من علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أعلم الخلق بالحق، وأفصح الخلق في البيان والنطق، وأنصح الخلق للخلق، علم أنه قد اجتمع في حقه صلى الله عليه وسلم الكمالات كلها: كمال العلم بالحق وكمال القدرة على بيانه، وكمال الإرادة له، ومع كمال العلم والقدرة والإرادة يجب وجود المطلوب على أكمل وجه؛ فيعلم أنه كلامه صلى الله عليه وسلم أبلغ ما يكون؛ وأتم ما يكون، وأعظم ما يكون بيانًا لأمور الدين. {مجموع الفتاوى 17-129}
9 يقال لمحسن البدع: إذا كان في الشريعة بحسب زعمك بدعة حسنة فإننا نبتدع ترك البدعة الحسنة ونرى عدم جوازها وعدم العمل بها لأن ذلك هو الأنفع لعاجلتنا وآجلتنا وأجمع لكلمتنا وأبعد عن الفرقة والخلاف.
فإن كان قولنا هذا صحيحًا وعليه برهان فلا تجوز مخالفته وإن لم يكن عليه برهان فهو بدعة حسنة وهو معمول بها عندكم فالبدعة على جميع الفروض باطلة وهو ما نريد.
ثانيًا: الأدلة الصحيحة التي استدل بها المبتدعة على تحسين بدعهم ومناقشتها.
1 استدلالهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من سن في الإسلام سنة حسنة وأن سن بمعنى اخترع وابتدع على وجود البدعة الحسنة شرعًا.
فالجواب: أنه ليس المراد بالاستنان هنا الاختراع وإنما المراد به العمل بما ثبت في السنة النبوية أو احياء أمرٌ مشروع غفل عنه الناس أو تركوه وبيان ذلك من وجوه:
الوجه الأول:
أن سبب ورود الحديث يفسر المراد بذلك وهو الحث على الصدقة المشروعة ففي صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار فجاء قومٌ مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة... الآية {النساء:1}، والآية التي في الحشر: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد... {الحشر:18}.
تصدق رجلٌ من ديناره، من درهمه من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: "ولو بشق تمره" قال: فجاء رجل من الأنصار بصره كادت كفه تعجر عنها بل قد عجزت. قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سن في الإسلام سنة حسنه فله أجرها وأجر من عمل بها بعدهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء.
فسياق الحديث يدحض تفسيره الذي شاع عند المبتدعين: "من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة..." فخصصوا عموم قوله صلى الله عليه وسلم : "كل بدعة ضلالة" ويدل على فساد تصورهم وتفسيرهم أن كل ما فعله الصحابي رضي الله عنه أنه أتى بتلك الصرة فانفتح بسببه باب الصدقة وتتابع الناس بعده فكان فاتحة الخير في هذا الإحسان، وإذا نظرنا إلى ما فعله هذا الصحابي رضي الله عنه نجد أن هذه الصدقة أمر مشروع وأنه لم يخترع شيئًا جديدًا.
بل كان له الفضل في تنبيه الصحابه وتشجيعهم بفعله على الصدقة وعلى ذلك فالمراد بالسنة الحسنة في الحديث: هو العمل بالسنة خاصةً إذا غفل عنها الناس أو تركوها.
الوجه الثاني:
أن قوله: "من سن سنة حسنة... ومن سن سيئة" لا يمكن حمله على الاختراع من أصل لأن كونها حسنة أو سيئة لا يعرف إلا من جهة الشرع لأن التحسين والتقبيح مختص بالشرع لا مدخل للعقل فيه وهو مذهب أهل السنة فلزم أن تكون "السنة" في الحديث: إما حسنة في الشرع وإما قبيحة بالشرع فلا يصدق إلا على مثل الصدقة المذكورة وما أشبهها من السنن المشروعة وتبقى السنة السيئة منزلة على المعاصي التي ثبت بالشرع كونها معاصي، كالقتل المنبه عليه في حديث بن آدم حيث قال عليه الصلاة والسلام: "... لأنه أول من سن القتل" وعلى البدع لأنه قد ثبت ذمها والنهي عنها بالشرع.
وعليه، فالسنة الحسنة هي: إحياءُ أمر مشروع لم يعهد العمل به بين الناس لتركهم السنن ففي عصرنا لو أن إنسانًا أحيى سنة مهجورة يقال: أتى بسنة حسنة ولا يقال: أتى ببدعة حسنة.
إذن فالسنة الحسنة هي ما كان أصله مشروعًا بنص صحيح وترك الناس العمل به ثم جاء من يجدده بين الناس مثال ذلك إحياء سنة صلاة العيدين في المصلى فقد كان الناس من قبل يصلونها في المساجد ظنًا منهم أنها السنة فجاء أهل السنة فنبهوا على هذه السنة المباركة. {البدعة وآثارها السيئ في الأمة - الهلالي}
الوجه الثالث:
1 أن القائل: "من سن في الإسلام سنة حسنة"، هو القائل: "كل بدعة ضلالة"، ولا يمكن أن يصدر عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قول يكذب له قولا آخر، ولا يمكن أن يتناقص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدًا.
وعليه: فإنه لا يجوز لنا أن نأخذ بحديث، ونعرض عن الحديث الآخر، فإن هذه حال من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض.
2 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سن"، ولم يقل: "من ابتدع"، وقال: "في الإسلام"، والبدع ليست من الإسلام، وقال: "حسنة"، والبدعة ليست بحسنة.
3 لم ينقل عن أحد من السلف أنه فسر السنة الحسنة بالبدعة التي يحدثها الناس من عند أنفسهم؛ فَبَطَل ما احتج به أهل البدع على تحسين بدعهم.
والله من وراء القصد.
وللحديث بقية إن شاء الله
أشرنا في المقال السابق إلى بطلان استدلال المبتدعة بحديث " من سن في الإسلام سنة حسنة " على تحسين بدعهم، وفي هذا المقال نفند بطلان استدلالهم بالحديث الثاني في مقام الاحتجاج ، وهو استدلالهم بقول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة هذه"، وأن عمر قد سمى جمع الناس على قيام رمضان بدعة واستحسنها.

وقبل مناقشة هذا الدليل نسوقه بنصه أولاً:
فقد روى البخاري بسنده عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلةً في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجلُ لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعتُ هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أُبَيّ بن كعب ثم خرجتُ معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله.
نقول: وليس في هذا الحديث دليل على ما ذهبوا إليه من وجود البدعة الحسنة شرعًا، وذلك من وجوه:
الوجه الأول: أن فعل عمر رضي الله عنه، حينما جمع الناس في التراويح على إمام واحد مأخوذٌ من فعله صلى الله عليه وسلم ، كما روى البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنها أخبرت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلةً من جوف الليل فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم، فصلى فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فصلى بصلاته، فلما كان الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال: أما بعد، فإنه لم يخف عليَّ مكانكم، ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها، فتوفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك. {البخاري 2 - 252 }.
ففي هذا الحديث النص الصريح على أن الناس اجتمعوا على إمام واحد في عهده صلى الله عليه وسلم ، وبفعله عليه الصلاة والسلام، وأنه إنما ترك ذلك رأفة بأمته، وخشيةً منه عليه السلام أن تفرض عليهم، وقد ذكر هذا المعنى الحافظ في الفتح نقلاً عن بعض العلماء عند شرحه لقول عمر رضي الله عنه عندما رأى الناس يصلون أوزاعًا قال: "لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل".
قال: استنبط عمر ذلك من تقرير النبي صلى الله عليه وسلم من صلى معه في تلك الليالي، وإن كان كره ذلك لهم فإنما كرهه خشية أن يُفرض عليهم إلى أن قال ناقلاً عن غيره قيام رمضان سنة؛ لأن عمر إنما أخذه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما تركه النبي صلى الله عليه وسلم خشية الافتراض. {فتح الباري 4 - 252}.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض رده على الذين يحتجون بقول عمر: "نعمت البدعة" على حسن بعض البدع:
"أما قيام رمضان فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سنه لأمته، وصلى بهم جماعة عدة ليالٍ، وكانوا على عهده يصلون جماعة وفرادى، لكن لم يداوموا على جماعة واحدة؛ لئلا تفرض عليهم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم استقرت الشريعة، فلما كان عمر رضي الله عنه، جمعهم على إمام واحد، وهو أُبي بن كعب الذي جمع الناس عليها بأمر من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه هو من الخلفاء الراشدين، حيث يقول صلى الله عليه وسلم : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاقتضاء: فأما صلاة التراويح فليست بدعة في الشريعة بل سنة بقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وفعله في الجماعة، إلى أن قال: ولا صلاتها جماعة بدعة، بل هي سنة في الشريعة، بل قد صلاها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الجماعة أول شهر رمضان ليلتين بل ثلاثًا، وصلاها أيضًا في العشر الأواخر في جماعة مرات، إلى أن قال: وكان الناس يصلونها جماعات في المسجد على عهده صلى الله عليه وسلم وهو يُقرهم، وإقراره سنة منه صلى الله عليه وسلم .
وبمثل قول شيخ الإسلام هذا، قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله والشاطبي في الاعتصام.
الوجه الثاني: أن قول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة هذه" ينصرف إلى البدعة اللغوية لا الشرعية، وذلك لأمور:
الأول: أن صلاة التراويح جماعة قد ثبت فعلها جماعة على إمام واحد في عهده صلى الله عليه وسلم ، فلا يمكن أن يسمى عمر هذه السنة الثابتة بدعة إلا من باب اللغة.
الثاني: أن صرف قول عمر إلى البدعة اللغوية، فهل يُعقل أن يرضى عمر بالبدعة في دين الله وقد تلقى مع غيره من الصحابة قول النبي صلى الله عليه وسلم : "كل بدعة ضلالة" مع ما عرف عنه رضي الله عنه من حرص على اتباع السنة ومحاربة البدعة، بل وقطع كل ذريعة تؤدي إلى البدعة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:... أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة مع حسنها، وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فُعل ابتداءً من غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعية فما لم يدل عليه دليل شرعي، إلى أن قال: ثم ذلك العمل الذي دل عليه الكتاب والسنة ليس بدعة في الشريعة، وإن سمّي في اللغة، فلفظ البدعة في اللغة أعم من لفظ البدعة في الشريعة، وقد عُلم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : "كل بدعة ضلالة" لم يرد به كل عمل مبتدأ، فإن دين الإسلام، بل كل دين جاء به الرسل فهو عمل مبتدأ، وإنما أراد ما ابتُدئ من الأعمال التي لم يشرعها هو صلى الله عليه وسلم .
وقال رحمه الله: وكل ما لم يُشرع من الدين فهو ضلالة، وما سُمي بدعة وثبت حسنه بأدلة الشرع فأحد الأمرين فيه لازم: إما أن يقال ليس ببدعة في الدين، وإن كان يسمى بدعة من حيث اللغة كما قال: "نعمت البدعة هذه".
وقال في موضع آخر: "ولا يحتج مُحتجّ بجمع التراويح ويقول: "نعمت البدعة هذه" فإنها بدعة في اللغة".
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في جامع العلوم والحكم: "فكل من أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة، وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية، فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه لمّا جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد وخرج ورآهم يصلون كذلك فقال: نعمت البدعة هذه".
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: والبدعة على قسمين: تارة تكون بدعة شرعية، كقوله: "فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"، وتارة تكون بدعة لغوية، كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن جمعهِ إيّاهم على صلاة التراويح واستمرارهم "نعمت البدعة هذه".
وتحدث الشاطبي معبرًا عن ما يشبه هذه المعاني في معرض رده على المستحسن للبدع، والمستدل عليها بقول عمر رضي الله عنه فقال: "... وإنما سماها بدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واتفق أن لم تقع في زمان أبي بكر رضي الله عنه، لا أنها بدعة في المعنى، فمن سماها بدعة بهذا الاعتبار فلا مشاحة في الأسامي وعند ذلك فلا يجوز أن يستدل بها على جواز الابتداع بالمعنى المتكلم فيه ؛ لأنه نوع من تحريف الكلم عن مواضعه...". {الاعتصام 1 - 195 }.
الوجه الثالث: لو افتُرض أن هذا الفعل من عمر رضي الله عنه ليس له دليل من السنة ولا يصح صرف معنى قوله: "نعمت البدعة" إلى المعنى اللغوي، فإن فعله رضي الله عنه محل اقتداء لكونه من الخلفاء الراشدين الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتزام سنتهم حيث قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ".
وإلى هذا المعنى أشار ابن رجب رحمه الله عند كلامه عن معنى قول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة هذه"، حيث بيّن أن هذا العمل له أصل في الشريعة، ثم ذكر أدلة المشروعية فقال: "ومنها أنه صلى الله عليه وسلم أمر باتباع سنة خلفائه الراشدين، وهذا قد صار من سنة خلفائه الراشدين، فإن الناس اجتمعوا عليه في زمن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم".
وأشار لهذا المعنى أيضًا شيخ الإسلام فقال: "فلما كان عمر رضي الله عنه جمعهم على إمام واحد، والذي جمَّعهم أبّي بن كعب جمع الناس عليها بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعمر هو من الخلفاء الراشدين حيث يقول صلى الله عليه وسلم : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ".
وعلى ذلك فالجماعة في قيام رمضان سنة وليست بدعة، وإنما سماها عمر رضي الله عنه بذلك إرادة منه للمفهوم اللغوي، لا الشرعي، ولأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد تركها لمانع- وهو خوف الافتراض- قد زال بوفاته صلى الله عليه وسلم .
وبذلك يسقط استدلال المبتدعة بهذا الحديث على تحسين بدعهم، ولله الحمد والمنة.


  • الأسئلة :124
  • الإجابات:2267
  • مشترك منذ:2012-01-18
  • المستوى:مساهم
  • النقاط الشهرية :0
  • مجموع النقاط:1956