كان ومايزال التدخل الجراحي أحد أهم الطرق العلاجية على مدى العصور والأزمنة. ومنذ بدأ استخدام وسائل التخدير في نهاية القرن التاسع عشر شهدت الجراحة تطورات مذهلة على مدى أكثر من مئة عام. وأصبحت النجاحات تتوالى بما يعود بالفائدة والنفع على المريض.
وفي نهاية القرن العشرين تطورت جراحة المناظير والتي تقوم أساساً على استبدال الشق الجراحي بفتحات صغيرة يتم من خلالها ادخال المنظار والأدوات الجراحية للقيام باجراء نفس العمليات المتعارف عليها. وهذه الطريقة لقيت قبولاً واسعاً بين الأطباء والمرضى لأنها خففت آلام المريض الناتجة عن الشق الجراحي وأسرعت في استعادته لصحته وعافيته في الوقت الذي تمكن الأطباء من اجراء العمليات الجراحية بنفس الكفاءة والأداء المتعارف عليهما طبياً.
وسنستعرض هذا اليوم دور المنظار البطني في جراحة الكلى والمسالك البولية ونلقي الضوء على دور الروبوت (الإنسان الآلي) المتزايد في هذه العمليات.
1- جراحة الكلى:
كانت عمليات الكلى الجراحية تجرى عادة عن طريق الفتح (الشق) الجراحي في جدار البطن الجانبي أو الأمامي بفتح ما يقارب 20- 30سم في البالغين وأقل من ذلك في الأطفال. وقد أحدث جهاز تفتيت الحصوات ومنظار حوض الكلية والحالب تقدماً مذهلاً في العشرين عاماً الماضية فانخفضت عمليات الفتح الجراحي كثيراً وخاصة لحصوات الجهاز البولي. ولكن الفتح الجراحي بقي الطريقة الوحيدة والفعالة في علاج أمراض أخرى كأورام الكلى وأخذ الكلية من متبرع حي لزرعها لمريض الفشل الكلوي المزمن.
وهنا جاء دور المنظار البطني تدريجياً وانتشر كبديل آمن وفعال للفتح الجراحي بالاضافة إلى ايجابياته الكثيرة على المريض من تخفيف آلام ومضاعفات بعد العملية. وأثبت المنظار البطني ان نفس العمليات المعتادة بالامكان اجراؤها بكفاءة عالية ونتائج ممتازة من خلال فتحات لا تتعدى 1سم غالباً. وأصبح المريض يتعافى من العملية خلال أيام بدلاً من أسابيع أو شهور ويعود إلى نشاطه المعتاد وانتاجيته في مجتمعه.
والدراسات التي أجريت على مرضى أورام الكلى ومرضى التبرع أثبتت ان فعالية وكفاءة المنظار هي بنفس الشق الجراحي على المدى القريب والمتوسط ولكن المنظار تفوق كثيراً في قلة الآلام والمضاعفات والحاجة لنقل الدم. وان المرضى الذين أجريت عملياتهم بالمنظار عادوا لنشاطهم وحيويتهم أسرع كثيراً من مرضى الشق الجراحي. كما أن المنظار ترك آثارا بسيطة جداً على الجسم مقارنة بالشق الجراحي الكبير والمؤلم والذي يبقى على جسم المريض بصفة دائمة.
وفي حالة مرضى التبرع بالكلى من حي أثبتت الدراسات كفاءة المنظار المشابه للعملية الجراحية المعتادة حيث ان وظيفة الكلية المزروعة تتشابه تماماً سواء تم استئصالها بالمنظار أو الفتح الجراحي. وخففت عملية المنظار آلام ومعاناة المتبرع الذي هو عادة الإنسان الوحيد الذي يتعرض للمخاطر والآلام ليس من أجل نفسه بل تضحية من أجل مريض آخر قرر ان يتبرع له بهدية الحياة وهي الكلية المزروعة.
وعمليات المنظار انتشرت كثيراً واصبحت هي الخيار الأول في الكثير من المراكز الطبية المتقدمة.
2- جراحة حوض الكلية والحالب
يحتاج مرضى انسداد حوض الكلية إلى التدخل الجراحي عادة لتخفيف الآلام والمضاعفات وللحفاظ على وظيفة الكلية. والفتح الجراحي كان هو العملية المعتادة والأكثر فعالية. وخلال العقدين الماضيين استخدم منظار حوض الكلية والحالب كبديل للفتح الجراحي إلا ان فعاليته لم تصل لكفاءة الفتح الجراحي رغم انه خفف آلام المرضى كثيراً. وهنا جاء المنظار البطني ليجمع ايجابيات الطريقتين. فالعملية تتم عن طريق ثقوب لا تتعدى 1سم بدلاً من الفتح الكبير المؤلم والكفاءة تماثل العملية المعتادة بالفتح. وأصبحت عمليات منظار البطن هي الخيار الأفضل لغالبية مرضى انسداد حوض الكلية وبفعالية عالية جداً.
أما عمليات الحالب فإنها قلت كثيراً كما أسلفنا نظراً لوجود جهاز تفتيت الحصوات ومنظار الحالب ولكن بقي هناك بعض الحالات التي تحتاج التدخل الجراحي. وأثبت المنظار كفاءته وفعاليته الموازية للفتح الجراحي ولكن بآلام قليلة جداً ومضاعفات بسيطة مقارنة بالفتح الجراحي.
3- عمليات غدة البروستات
تعتبر أمراض البروستات شائعة مع تقدم العمر وأحدها الأورام الخبيثة (السرطان) وهذا المرض هو الأكثر شيوعاً بين الرجال في أوروبا وأمريكا. وأحد أهم الطرق العلاجية الفعالة لورم البروستات المنحصر هو الاستئصال الكامل جراحياً. وتجرى هذه العملية عادة بالفتح الجراحي أسفل البطن. وقد أدخل المنظار في اجراء هذه العمليات في فرنسا أولاً ووجد انتشارا في أوروبا وأمريكا. وأثبت المنظار كفاءته في اجراء هذه العملية المعقدة التي توازي العملية الجراحية المعتادة. وأصبح أحد البدائل الفعالة للشق الجراحي متفوقاً عليه في وضوح الرؤية وقلة نزيف الدم والحاجة لنقله اثناء العملية. وقد يتفوق المنظار في قلة أيام التنويم بالمستشفى وسرعة العودة للنشاط والحيوية المعتادة.
4- عمليات أخرى
المنظار يعد بديلا أفضل من الشق الجراحي في عمليات أخرى يجريها أطباء المسالك البولية كعمليات الخصية المهاجرة والأكياس المائية على الكلى والغدة الكظرية. وقد تم اجراء جميع العمليات الأخرى بكفاءة وفعالية عن طريق المنظار كاستئصال المثانة وتصريف البول والاستئصال الجزئي والكلية وأورام جدار البطن الخلفية. وهذه العمليات وأخرى يتم تطويرها للاستفادة من ايجابيات المنظار في الرؤية والحركة وقلة نزف الدم وآلام بعد العملية. وستحمل السنوات المقبلة الكثير من الأخبار السارة لمصلحة المريض إن شاء الله.
5- استخدام الروبوت (الإنسان الآلي)
الروبوت أحدث نقلة واضافة نوعية للأدوات الجراحية التي تمكن الجراح من أداء عمله بكفاءة واتقان.
وقد وجد الروبوت القبول وبدأ في الانتشار خصوصاً في المراكز المتقدمة بالولايات المتحدة الأمريكية. ويتم استخدامه بصفة روتينية في بعض المراكز لاستئصال البروستات الكامل والعمليات التي تحتاج إلى دقة ومهارة في اعادة ايصال المسالك البولية. وأثبتت الدراسات كفاءة استخدام الروبوت وفوائده الكثيرة حيث يتغلب على العيوب الإنسانية كرعشة اليد ومحدودية الحركة ودقتها الفائقة. وهذا ينعكس ايجابياً على المريض. والمجال لايزال في مراحله الأولى وسيحمل الكثير من التطورات خاصة مع تطور تقنية المعلومات والاتصالات. وسيتمكن الجراح مستقبلاً من اجراء العملية عن بعد حيث يكون الروبوت هو المرافق للمريض المحرك للأدوات الجراحية.
والطب بالمملكة العربية السعودية يسابق الزمن ويستفيد من التقنيات الحديثة لمصلحة مرضى هذا البلد شفاهم الله. وقد تطورت عمليات المنظار بالمملكة اسوة بمثيلاتها في الدول المتقدمة وهذه حقيقة يعرفها الجميع. وتم بالفعل ادخال الروبوت في بعض المستشفيات ومنها مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث الذي عقد في الفترة من 6- 8شعبان 1425ه الموافق 20- 22سبتمبر 2004الماضي مؤتمرا عالميا كبيرا شارك فيه أكثر من 20خبيراً عالمياً و 100خبير محلي وحضره ما يفوق 500طبيب ناقشوا وعرضوا آخر المستجدات في جراحة المنظار والروبوت في جميع المجالات الجراحية كجراحة السمنة والصدر والأطفال والمسالك والتبرع بالكلى والتجميل والنساء والولادة.