Abdessamed Belabbaci
منذ 12 سنة
تعود فكرة توحيد دول أفريقيا إلى عام 1957 عندما نادى بها الزعيم الغاني كوامي نكروما حتى قبل أن تستقل الكثير منها. وبرغم الحماس الثوري الذي كان يشتعل في جنبات القارة السمراء ضد الاستعمار وبساطة الهدف المشترك في ذلك الوقت وهو التحرر من الاحتلال والقضاء على العنصرية استغرق تحويل الفكرة إلى واقع ملموس -ولكن في أدنى صوره للوحدة وهو منظمة الوحدة الأفريقية- حوالي ست سنوات عندما أعلن عن قيامها عام 1963 ومنذ أول مؤتمر لها في القاهرة عام 1964.
ظروف النشأة
”
حاول العقيد الليبي معمر القذافي إقامة ولايات متحدة أفريقية على غرار الولايات المتحدة الأميركية، لكن معظم القادة الأفارقة ترددوا وخافوا من أن يؤدي ذلك إلى انتهاك سيادة الدول وحدوث قلاقل عرقية
”
كان الهدف الأساسي للمنظمة الوليدة هو تحقيق التضامن والتعاون المشترك بين دول القارة للقضاء على ما تبقى من الاستعمار وإسقاط النظام العنصري في جنوب أفريقيا. وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير وتحررت كل الدول الأفريقية تباعا وسقط النظام العنصري البغيض نهائيا في جنوب أفريقيا عام 1994. وهنا بدأ التفكير في مرحلة جديدة للتعاون بين دول القارة التي بلغ عددها 53 دولة للنهوض بشعوبها اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ومواجهة تيار العولمة الذي يجتاح العالم والتصدي لمحاولة تهميش القارة اقتصاديا وسياسيا وبرز تياران:
الأول: يرى الإبقاء على منظمة الوحدة الأفريقية وتطوير أجهزتها وأهدافها باعتبارها محل اتفاق بين جميع الدول تقريبا بدلا من فتح باب الخلافات والصراعات على شكل المنظمة التي ستحل محلها وتولي المناصب القيادية فيها.
والثاني: هو إقامة منظمة جديدة تحتفظ بالمبادئ الأساسية المتفق عليها في المنظمة القديمة مثل عدم السعي لتغيير الحدود الموروثة عن الاستعمار بالقوة المسلحة، وعدم التدخل في شؤون الدول الأعضاء مع وضع أهداف ومبادئ جديدة تتمشى مع روح العصر واحتياجات التنمية.
انتصر التيار الثاني وتم الاتفاق على منظمة جديدة. وقد حاول العقيد الليبي معمر القذافي إقامة ولايات متحدة أفريقية على غرار الولايات المتحدة الأميركية، والسماح بتنقل الجماعات العرقية عبر الحدود والتدخل لفض أي نزاع بمجرد أن يطلب البرلمان الأفريقي الموسع ذلك.
وبذل القذافي من الجهد والمال الكثير لأجل ذلك، واستضف قمتين أفريقيتين لهذا الغرض في عامي 2000 و2001 لكن تردد معظم القادة الأفارقة وخوفهم من أن يؤدي تصور القذافي للمنظمة الجديدة إلى انتهاك سيادة الدول وحدوث قلاقل عرقية على حدودها مما أدى في النهاية إلى اتفاق على قيام اتحاد أفريقي على غرار الاتحاد الأوروبي له من الأجهزة والمؤسسات ما يمكنه من تنفيذ الأهداف الموكلة إليه.
المبادئ والأهداف
تؤكد مبادئ الاتحاد الجديد على العديد من المبادئ الأساسية منها:
سيادة واستقلال الدول الأعضاء.
المساواة بينها.
احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين
حظر استخدام القوة أو التهديد بها.
إدانة الاستيلاء على الحكم بشكل غير دستوري.
منح الدول الأعضاء الحق في طلب التدخل لإحلال السلام والأمن ومواجهة مدبري الانقلابات، على أن يقتصر التدخل في حالات معينة مثل جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ويتم هذا التدخل بقرار بالإجماع أو أغلبية الثلثين من مؤتمر رؤساء الدول والحكومات وبعد موافقة مجلس الأمن الدولي، لأن ميثاق الأمم المتحدة يعلو فوق أي اتفاق دولي آخر وينظم دور المنظمات الإقليمية.
وقد ورود حق التدخل في سياق المبادئ مما يعني أنه ليس التزاما قانونيا بل مجرد إعلان نوايا، مثله مثل العقوبات ضد الدول التي تنتهك ميثاق الاتحاد وكذلك البند الخاص بالدفاع المشترك.
ومن المبادئ والأهداف الجديدة:
تعزيز المؤسسات الديمقراطية.
احترام حقوق الإنسان.
إدانة الإرهاب باعتبارها من المبادئ التي استقر عليها العرف على الصعيد العالمي.
تحديات الاتحاد الجديد
”
أمام الاتحاد عقبات لا حصر لها من المرجح أن تشل حركته وتحوله إلى مجرد محفل لإلقاء الخطب الرنانة وتصفية الحسابات بين الغرماء داخل القارة
”
أما التحدي الأكبر الذي يواجه الاتحاد الجديد، وسيكون مجال اختبار مدى نجاحه أو فشله فهو تنفيذ خطة إنعاش وتنمية القارة للقضاء على الفقر والجهل والمرض وتنشيط الاستثمارات ورفع معدلات النمو الاقتصادي إلى 7% والتعليم والصحة والنهوض بقطاع المعلومات والاتصال والطاقة والإسراع بخفض الديون وتوفيره مساعدات للتنمية من الدول الغنية بمقدار 0.7% من إجمالي إنتاجها القومي وتخفيف عدد الفقراء إلى النصف بحلول عام 2015 وتنشيط وحماية الديموقراطية وحقوق الإنسان وتعزيز آليات منع النزاعات وحلها، واستخدام القوة إذا لزم الأمر لفرض السلام وحفظه.
كما تنصب الخطة على اتخاذ إجراءات جماعية لمكافحة الإيدز والأمراض الفتاكة الأخرى ومضاعفة عدد خطوط التلفون بحلول عام 2005 بمعدل خطين لكل 100 فرد. ورفع عدد المستفيدين من الكهرباء من 10% إلى 34% من السكان خلال 20 عاما. وتعزيز الرقابة البرلمانية والخدمة العامة والإصلاحات القضائية وتنمية النقل والسياحة الإقليمية ومنع تدهور البيئة واستغلال وتطوير القوى المائية لأحواض الأنهار وتحسين وتنسيق تشريعات البترول والسعي لدى المجتمع الدولي لتخفيف الديون وإنشاء قوة سلام أفريقية بحلول عام 2003
دواعي التفاؤل
مما يدعو للتفاؤل الحذر بتحقيق ولو جزء يسير من هذه الخطة الطموح أن الديمقراطية بدأت تجد لها موضع قدم في سراديب أفريقيا المظلمة بعد طول انتظار وقمع وتمسك بالسلطة من جانب قادة التحرير بدعوى أن أهداف الثورات لم تكتمل وأن الشعوب غير مهيأة بعد للديمقراطية على الطريقة الغربية. والدليل على ذلك أنه في عام 1973 كان عدد الرؤساء الأفارقة المنتخبين ديمقراطيا ثلاثة فقط، ثم ارتفع في عام 2001 إلى 35 رئيسا. وفي عام 1980 كان العسكريون يحكمون 43 دولة أفريقية لكن العدد تقلص إلى تسع دول فقط عام 2001.
ولأن الحكم الديمقراطي هو الباعث دائما على الاطمئنان على الاستثمار والثقة والمصداقية في عيون الآخرين فإن نتيجته دائما تكون التشجيع على جذب الاستثمارات والمساعدات الخارجية اللازمة للتنمية ومكافحة البيرقراطية والفساد وعودة رؤوس الأموال المهاجرة والعمالة الماهرة حتى ولو كانت ديمقراطية غير كاملة بالمفهوم الغربي.
بواعث التشاؤم
”
الديون العامة والأموال المهربة وانخفاض المساعدت الخارجية غضافة إلى الناعات المسلحة بين 22 دولة أفريقية من دول الاتحاد تجعل المراقب ينظر بحذر إلى إمكانية نجاح هذا المولود الجديد على الأقل في المستقبل القريب
”
لكن الواقع الذي يبعث أكثر على التشاؤم إزاء استطاعة الاتحاد الجديد تحقيق أهدافه فهو ظاهر للعيان مثل الشمس. فأمام الاتحاد عقبات لا حصر لها من المرجح أن تشل حركته وتحوله إلى مجرد محفل لإلقاء الخطب الرنانة وتصفية الحسابات بين الغرماء داخل القارة -وهو كثير- وبينهم وبين قادة الدول الغنية والمانحة في محاولة لتحميلها وزر الفشل وتبرئة أنفسهم أمام شعوبهم منه. ولعل الإحصاءات التالية أبلغ دليل على صعوبة الموقف وصحة ما نتوقعه:
النزاعات المسلحة
22 دولة أفريقية على الأقل تعاني من نزاعات مسلحة بشكل أو بآخر مقابل 11 فقط عام وهذا تحد كبير يواجه الاتحاد الجديد يتعين عليه أن يجد له حلا كأحد شروط الدول المانحة لتنفيذ وعودها بتمويل خطة التنمية.
ونظرا للقيود المفروضة على مبدأ التدخل العسكري لفض النزاعات فمن الصعب تصور أن يتم حل هذه المشكلة بسهولة أو في وقت قريب.
الديون العامة
ديون أفريقيا ارتفعت من 4 مليار عام 1962 إلى 370 مليار دولار عام 1999 أي ما يعادل 65% من إجمالي الناتج القومي. وارتفع نصيب الفرد من الدين الخارجي بنسبة 12% عما كان عليه عام 1980.
الأموال المهربة
بلغت نسبة رؤوس الأموال التي هربت من أفريقيا خلال السنوات 98 و99 و2000 وحدها 205% من رؤوس الأموال العاملة فيها مقابل 3% فقط وردت إليها، بينما ورد إلى قارة آسيا 22 % من رؤوس الأموال وهرب منها 2% فقط.
انخفاض المساعدات الخارجية
انخفضت المساعدات الخارجية الرسمية من 32 دولار للفرد علم 1990 إلى 19 دولار فقط عام 1998. معنى ذلك أنه لا يتبقى شيء يذكر لتنفيذ مشروعات التنمية بعد تسديد أقساط وفوائد الديون وضعف وندرة المساعدات الجديدة المشروطة بتنفيذ الحكومات الأفريقية التزاماتها بفتح أسواقها وانتهاج أسلوب السوق الحرة وانتهاج النظام الديمقراطي في الحكم واحترام حقوق الإنسان واستئصال الفساد وتوقف الحروب الأهلية وهي شروط تبدو شبه مستحيلة.
يضاف إلى كل ما سبق أن أفريقيا تحتاج للخروج من أزمتها إلى حوالي 54 مليار دولار سنويا أو 30 مليارا على الأقل مساعدات واستثمارات من الدول المانحة.
انخفاض الصادرات
حجم الصادرات الأفريقية تراجع من 125 مليار دولار عام 1996 إلى 117 مليار دولار خلال 1998 بينما ارتفعت الواردات من 121 مليار دولار إلى 129 مليار دولار خلال الفترة نفسها.
تدهور قيمة المنتجات الأولية
وانخفضت قيمة المنتجات الأولية بنسبة 25% في الفترة ما بين 1997-1999. وتكلف الإجراءات الحمائية الأوروبية الغربية أفريقيا 20 مليار دولار سنويا بينما تطالبها بفتح أسواقها. فمن أين تأتي بالعملة الصعبة لتنفيذ خطة التنمية إذن؟! فالولايات المتحدة تستورد سلعا ومواد خاما من الخارج بمبلغ 1400 مليار دولار نصيب أفريقيا منها 22.5 مليار دولار فقط.
مرض الأيدز
24.5 مليون أفريقي مصابين بمرض الإيدز القاتل أي 70% من عدد المصابين في العالم كله. والمرض أصبح المسبب رقم 1 لـ91% من الوفيات في 29 دولة أفريقية جنوب الصحراء.. يودي بحياة 1200 طفل يوميا في زيمبابوي وحدها، ويهدد 43 مليون طفل بفقدان والديهم بحلول عام 2010 وبفقدان 26% من القوة العاملة في 10 دول على الأقل بحلول عام 2020. وهناك توقعات بارتفاع عدد الأطفال المصابين بالفيروس تحت سن الخامسة من 1.3 مليون عام 1999 إلى 1.5 مليون خلال 20 عاما. فكيف يتسنى للدول الأفريقية مواجهة هذا الخطر وخزائنها خاوية وأسعار أدوية وقف انتشار الفيروس فوق طاقة الجميع؟ وكيف ستنفذ خطة التنمية وشعوبها مهددة أصلا بالفناء مرضا وجوعا؟ لقد فقد 860 ألف طفل في دول جنوب الصحراء مدرسيهم بالفعل وأصبح 12 مليون طفل أيتاما حتى الآن.
وهناك إحصائية أخرى تقول إن 80% من الأطفال قبل سن الخامسة الذين يموتون في مناطق مثل تنزانيا بسبب انعدام الوعي الصحي أو عدم وجود مستشفيات. وفي بعض دول القارة بلغت نسبة الإصابة بالإيدز في سن ما بين 15 و24 سنة ما يتراوح بين 20 و25% من السكان.
مشكلة اللاجئين
تعاني أفريقيا من أسوأ مشكلة للاجئين في العالم بسبب الحروب الإقليمية والصراعات القبلية والعرقية والمجاعة. فقد بلغ عددهم خمسة ملايين لاجئ و20 مليون مشرد.
الألغام الأرضية
هناك 30 مليون لغم في أفريقيا وحدها من إجمالي 110 ملايين لغم خلفتها الحروب في العالم تشل حركة التنمية في 18 دولة أفريقية من بينها 23 مليون لغم في مصر منذ الحرب العالمية الثانية. فمن أين الأموال اللازمة لحل هاتين المشكلتين العويصتين كجزء من خطة التنمية الطموح؟.
الموت جوعا
20 مليون إنسان أفريقي يواجهون الموت جوعا في عدد من الدول الأفريقية مع أن قمة قاعدة العالم لسنة 1973 تعهدت بألا يبقى طفل جائع في أفريقيا خلال 10 سنوات. وقد لقي مليون أثيوبي حتفهم جوعا نتيجة الجفاف سنة 1984 فضلا عن إصابة نصف مليون أفريقي سنويا بمرض النوم.
حالة الاتصالات
عدد خطوط التليفون في جميع دول أفريقيا جنوب الصحراء أقل منه في جزيرة منهاتن في نيويورك وحدها! وهذا يبين الحاجة الماسة إلى التنمية ومستلزماتها، فما بالك بأجهزة الكومبيوتر وغيرها. ويتزامن هذا مع تفشي الفساد والسرقة وسوء الإدارة وفقدان الثقة مما يجعل أي جهود تبذل تذهب هباء.
الثقة المفقودة
انعدام الثقة بين الحكام واختلاف المصالح والتوجهات وغياب الديمقراطية وتغير الأمزجة الشخصية وكثرة حدوث الانقلابات العسكرية (أكثر من 100 انقلاب منذ عام 1960) كلها عوامل تنخر في هيكل الاتحاد الجديد. ويكفي مثالا أن الاعتراف بالصحراء الغربية وضمها إلى منظمة الوحدة الأفريقية أدى إلى انسحاب المغرب منذ عام 1982.
بعد استعراض كل هذه التحديات يبقى التساؤل مطروحا.. هل يمكن لهذا المولود الجديد أن ينمو نموا طبيعيا وسط بيئة كهذه؟ وهل أفريقيا بحاجة إلى هيكل جديد يسمى بالاتحاد الأفريقي أم هي بحاجة قبل هذا إلى حد أدنى من اتحاد إيرادات لتحقيق بعضا من طموحاتها الكبيرة؟.
______________