كتبها فريق عمل الصحيفة الاقتصادية :
" نواصل الحديث حول عقد المرابحة للآمر بالشراء ونناقش أبرز الضوابط والفروقات بينها وبين المرابحة التقليدية، ويأتي حديثنا في هذا العدد مع الباحث والمتخصص في الاقتصاد الإسلامي الدكتور مستعين عبد الحميد استكمالا لما بدأناه في الجزء الماضي، وفيما يلي خلاصة لرأيه ورأي بعض المختصين.
الفرق بين المرابحة للآمر بالشراء والمرابحة التقليدية :
يتحدث الدكتور مستعين عن أهم الفروق فيقول: إن الفرق الأساسي بين نوعي المرابحة (التقليدية والمرابحة للآمر بالشراء) يدور حول ملكية البائع للسلعة وقت التفاوض والتعاقد، وهذا الفرق هو الذي يعطي بيع المرابحة للآمر بالشراء تكييفا مختلفا عن بيع المرابحة الذي يملك فيه البائع السلعة وقت التعاقد.
الفقهاء أجازوا هذا العقد :
ويتابع مستعين حديثه بقوله: هذا المصطلح الذي اشتهر حديثا لم يكن معروفا بهذا الاسم في مدونات الفقهاء المتقدمين على الرغم من إجازتهم لهم تحت أسماء مختلفة. وقد أجازه كل الفقهاء الذين تعرضوا لمناقشته، منهم الإمام الشافعي، والإمام محمد بن الحسن الشيباني من الحنفية، ومن المالكية الشيخ أحمد الدردير، وابن العربي المالكي، والباجي والزرقاني، ومن الحنابلة الإمام ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين. وهؤلاء أجازوه على أساس الخيار الصريح لطالب السلعة ( الآمر بالشراء) بعد حضور السلعة عند البائع، وعدم إلزامه بوعده.
شبهة الربا :
ومن أين جاءت شبهة الربا؟ يجيب الدكتور مستعين عن هذا السؤال فيقول: جاءت شبهة الربا لهذا البيع من قبل اجتهاد بعض المحدثين ممن قالوا خلافا لمجوزي هذا البيع من الأقدمين بإلزام الآمر بوعده، وإسقاط حقه في الخيار، فشابه بذلك عددا من المحظورات مثل: النهي عن بيعتين في بيعة، وبيع ما ليس عندك، والسلف بزيادة، وربح ما لم يضمن.. وتابع مستعين: وقد رأينا أن القول بلزوم الوعد في بيع المرابحة للآمر بالشراء يؤول به البيع إلى عدد من المحظورات الشرعية كلها مخالفة لكتاب الله بهذا المعنى. وأما الوعد الملزم في مذهب المالكية، فالمقصود به الوعد في عقود التبرعات دون المعاوضات. وذلك لأن اللزوم في عقود المعاوضة قد جعل له الشارع حدا، وهو انعقاد العقد مستوفيا لأركانه وشروطه. ومن ثم فليس صحيحا أن الوعد في بيع المرابحة للآمر بالشراء يجب الوفاء به مطلقا لا في المذهب المالكي ولا في غيره من المذاهب.
إيجابياتها وسلبياتها :
ويستعرض الدكتور مستعين أبرز إيجابيات المرابحة بقوله: من أهم إيجابيات المرابحة أنها ملائمة لطبيعة المؤسسات المالية الإسلامية كونها مؤسسات مالية وسيطة بين المدخرين والمستثمرين وليست شركات تجارية عادية، كذلك فهي ملائمة لتمويل مختلف المجالات والقطاعات، فهي ملائمة لتمويل قطاع التجارة المحلية والدولية كالاستيراد والتصدير والتجارة المحلية، وتمويل القطاع الصناعي عن طريق شراء مدخلات الإنتاج الصناعية وبيعها بالمرابحة، سواء لتمويل الأصول الرأسمالية الثابتة أو تمويل رأس المال التشغيلي، وأيضا ملائمة لتمويل القطاعات العقارية، و القطاعات الزراعية ونحوها. ويعرض الدكتور مستعين جانب السلبيات لهذا العقد فيقول: وأما أبرز سلبياتها فهي كونها من أضيق البيوع وباعتبارها لا يؤمن فيها هوى النفس ولكثرة احتياج البائع فيها إلى البيان، وصعوبة الالتزام والوفاء بشروطها الدقيقة التي تغني عنها بيوع أخرى أسهل منها وأسلم، ولهذا قيل إنها خلاف الأولى. ومن سلبياتها البارزة أيضا سهولة انفلاتها وتحولها من ثم إلى تمويل ربوي محرم إذا كان الثمن في المرابحة مؤجلا و لم تكن السلعة المطلوبة مرادة والمراد هو النقد بزيادة، وتم التساهل في حيازة البنك للسلعة عند تسليمها للعميل. فهي في أحسن الأحوال (حال انفلاتها) قد تنقلب إلى التورق إذا باع العميل السلعة لطرف ثالث لا علاقة له بالطرف الممول الذي باعها له. وفي كثير من الحالات تنقلب إلى بيع العينة المحرم.
حتى لا يكون عقد المرابحة صوريا :
وحتى لا يكون عقد المرابحة عقدا صوريا ظاهره المرابحة وباطنه العينة يضع الدكتور مستعين عدة ضوابط تمنع من الوقوع في هذه المشكلة فيقول: ويجب على البنك التأكد من أن البائع الأول طرف ثالث غير العميل الآمر بالشراء أو وكيله، فإن كان البائع الأول هو العميل أو وكيله كان البيع باطلاً، ويضيف: لا يجوز للبنك أن يفتح اعتماداً مستندياً بناءً على طلب عميله ولحسابه، ثم بعد وصول البضاعة باسم العميل الذي استوردها يستبدل البنك الاعتماد السابق إلى مرابحة. و إذا صدر من العميل جواب بالقبول على إيجاب البائع الأول ( المصدر في الخارج أو المورد في الداخل مثلا)، ففي هذه الحال لا يجوز للبنك إجراء عملية المرابحة للآمر بالشراء. كما يجب إلغاء أي ارتباط عقدي سابق بين العميل الآمر بالشراء والبائع الأول إن وجد، ويشترط أن تكون هذه الإقالة من الطرفين حقيقية وليست صورية.
تطبيقات جديدة :
الشيخ ياسر المرشدي كان لنا حديث معه عن الربح في هذا العقد وعن التطبيقات الجديدة التي ظهرت في المصارف الإسلامية لعقد المرابحة يقول المرشدي: إن الربح في بيع المرابحة يمكن أن يكون نسبة مئوية أو مبلغاً مقطوعاً بحسب ما يتفق عليه العاقدان.
كما أن من المسائل التي ظهرت في تطبيقات المؤسسات المالية لهذا النوع من البيع مسألة توكيل الآمر بالشراء نفسه بالشراء مصلحة المأمور ثم قبض السلعة نيابة عنه ثم بيعها على نفسه وتولي طرفي العقد، وقد يكون التوكيل مقتصراً على إحدى المراحل كعقد الشراء نيابة عن المأمور فقط أو القبض نيابة عنه، والأصل في التوكيل لا يمنع من ذلك ما لم يظهر في المعاملة ما يستوجب المنع كالتحايل على التمويل الربوي والصورية التي تجعل من عقد البيع والشراء مجرد حبر على ورق. ولكثرة ما وقع من مخالفة وتحايل في عمليات التوكيل تلك جاءت بعض قرارات وفتاوى المجامع الفقهية والهيئات الشرعية للمؤسسات المالية بمنع صور محددة من توكيل الآمر بالشراء والسماح بصور أخرى مع ضوابط لها أهمها تحقيق مقتضى الوكالة أن يكون قبض الوكيل لها على سبيل الأمانة والحفظ لا التصرف بصفة الملك.
ضوابط أخذ الضمانات في المرابحة :
ويختم الدكتور مستعين حديثه بذكر ضوابط مهمة جدا في هذا العقد ألا وهي ضوابط الضمانات فيقول: يجوز اشتراط البنك على العميل حلول بعض الأقساط المستحقة قبل مواعيدها عند عدم سداده للأقساط دون عذر معتبر، وينبغي للبنك أن يتنازل في هذه الحالة عن جزء من المستحقات على ألا يكون مشروطاً في العقد.
ويضيف: للبنك أن يطلب من العميل ضمانات مشروعة في عقد بيع المرابحة للآمر بالشراء. ومن ذلك: كفالة طرف ثالث، أو رهن أي منقول أو عقار للعميل، ولو كان المرهون مبلغاً في حساب جار أو استثماري له، أو كان المرهون هو السلعة محل العقد سواءٌ كان الرهن حيازياً، أو رسمياً دون حيازة. وينبغي فك الرهن تدريجياً حسب نسبة السداد.
وتابع قائلا: كما تجوز مطالبة البنك للعميل بتقديم شيكات أو سندات لأمر بعد إبرام عقد المرابحة للآمر بالشراء ضماناً للمديونية، شريطة النص على أنه لا يحق للبنك استخدام الشيكات أو السندات إلا في مواعيد استحقاق الدين، ولو كانت الشيكات أو السندات حالة.
وأضاف: لا يجوز اشتراط عدم انتقال ملكية السلعة إلى العميل إلا بعد سداد الثمن؛ ولكن يجوز إرجاء تسجيل السلعة باسم العميل المشتري لغرض ضمان سداد الثمن، وعلى البنك إعطاء المشتري (سند ضد) لإثبات حقه في الملكية.
وختم حديثه بقوله: يحق للبنك في حال الحصول على رهن من العميل أن يشترط تفويض العميل له ببيع الرهن من أجل الاستيفاء من ثمنه دون الرجوع إلى القضاء، وذلك في حال تأخر العميل عن السداد، وامتناعه عن تولي بيع المرهون بنفسه " .
مقالة منشورة بصحيفة الاقتصادية - تاريخ النشر : 27 / 1 / 2008م .