تعريف السّياق :
السّياق إطار عامّ تنتظم فيه عناصر النّصّ و وحداته اللّغويّة، ومقياس تتّصل بوَساطَتِه الجُمل فيما بينها و تترابط ، و بيئة لغوية و تداوليّة ترعى مجموع العناصر المعرفية التي يقدمها النّصّ للقارئ .
و يضبط السّياقُ حركاتِ الإحالة بين عناصر النّصّ، فلا يُفهَم معنى كلمة أو جملة إلا بوصلِها بالتي قبلها أو بالتي بعدها داخل إطار السّياق .
و كثيرا ما يَرد الشَّبه بين الجُمل و العبارات مع بعض الفوارق التي تميز بينها، ولا نستطيع تفسيرَ تلك الفوارق إلا بالرّجوع إلى السّياق اللّغويّ و لحظِ الفوارق الدّقيقة التي طرأت بين الجمل . فكلّ مَساقٍ للألفاظ يجرّ ضربا من المعنى بجزئياته و تفاصيله.
و السّياق الصّورة الكلّيّة التي تنتظم الصّورَ الجزئيّةَ ، و لا يُفهَم كلّ جزء إلا في موقعه من «الكلّ» ، و قد أثبت العلم أنّ الصّورةَ الكلّيّة تتكوّن من مجموعة كبيرة من النّقاط الصغيرة أو المتشابهة أو المتباينة ، التي تدخل كلها في تركيب الصورة .
وللسّياق أنواع كثيرة منها :
- السّياق المَكاني و يعني سياق الكلمة أو الجملَة داخل النّصّ ، أو إن حصرنا الحديث في النص القرآني نقول إنّ السياقَ المكاني هو سياق الآية أو الآيات داخل السّورة و موقعها بين السّابق من الآيات و اللاحق، أي مراعاة سياق الآية في موقعها بين السّابق من الآيات و اللاّحق، أي مراعاة سياق الآية في موقعها من السّورة، و سياق الجملة في موقعها من الآية، فيجب أن تُربَط الآية بالسّياق الذي وردت فيه ، و لا تُقطَع عمّا قبلها و ما بعدها .
- السّياق الزّمنيّ للجمل أو الكلمات: بالنسبة إلى النص القرآني هو السياقُ الزّمنيّ للآيات، أو سياق التّنزيل ، و يعني سياق الآية بين الآيات بحسب ترتيب الّنزول .
- السّياق المَوضوعيّ ومعناه دراسة الكلمات أو الجمل التي في النّصّ بحسب الموضوع الذي يجمعُها؛ أو دراسة الآيَة أو الآيات التي يجمعها موضوع واحد، سواء أكان الموضوع عامّاً كالقصص القرآنيّ أو الأمثال أو الحِكم الفقهية ، أم كان خاصّاً كالقصة المخصوصة بنبيّ من الأنبياء أو حُكم من الأحكام أو غير ذلك، و تتبّع مواقعها في القرآن الكريم كلّه .
- السّياق المَقاصديّ و معناه النّظر إلى الجملة أو الجمل بحسب النيات وبواعث القول ومقاصدِه، وأمّا النص القرآنيّ فالسياق المقاصدي للآيات القرآنيّة هو دراسة الآيات من خلال مقاصد القرآن الكريم الشّاملة والرؤية القرآنية العامّة للموضوع المُعالَج .
- السّياق التّاريخيّ بمعنييه العامّ و الخاصّ ؛ فالعامّ هو سياق الأحداث التّاريخيّة القديمة التي حكاها القرآن الكريم و المُعاصرة لزمن التّنزيل، والخاصّ هو أسباب النّزول.
- السّياق اللّغويّ و هو دِراسةُ النّصّ من خلال علاقاتِ ألفاظِه بعضها ببعض و الأدواتِ المستعملة للرّبط بين هذه الألفاظ ، و ما يترتّب على تلك العلائق من دلالات جزئية وكلّية .
و ينبغي تحكيم كلّ هذه الأنواع من السّياق عند إرادة دراسة النّصّ اللغوي بعامّة، والنص القرآني بخاصّة، بمنهج سياقيّ متكامل، و إلاّ فإنّ الاقتصار على السياق التّاريخيّ سيحوم حول النّصّ و لا يُجاوِزُه، وأمّا الاقتصار على السّياق الدّاخليّ وحده دون الالتفات إلى الأحداث التّاريخيّة المحيطة به أو المصاحبة لنزوله فسيجعل النّصّ بنيةً لغويّةً مغلقةً تقتصر على ما تفيده الألفاظ من معانٍ و دلالات .