جرير بن عبدالله بن جابر رضي الله عنه ]||§¤
هو أبو عمرو جرير بن عبد الله بن جابر البجلي , سيد بجيلة ، كان بديع
الحسن كامل الجمال ، له مكانة في قومه ، وكان كريما شجاعا ،
لم يلق يوم إسلامه إلا تقدير وتكريم رسول الله صلى الله عليه وسلم له ،
ليكون وسام شرف على صدره إلى أن يحظى بنعيم ربه.
¤§||[ إسلامه ]||§¤
أسلم في العام الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و فيه
قال الرسول صلى الله عليه وسلم حين أقبل وافدا عليه :
" يطلع عليكم خير ذي يمن وكأن على وجهه مسحة ملك "
فطلع جرير رضي الله عنه .
وها هو جرير رضي الله عنه يقص علينا خبر إسلامه فيقول :
( لما دنوت من المدينة أنخت راحلتي ، ثم لبست حلتي ، ثم دخلت المسجد ،
فإذا النبي يخطب ، فرماني الناس بالحَدَق ، فقلت لجليسي :
يا عبدالله هل ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمري شيئا ؟
قال : نعم ، ذكرك بأحسن الذكر ، بينما هو يخطب إذ عرض لك في
خطبته فقال :
" انه سيدخل عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن ألا وان على وجهه مسحة ملك "
قال جرير : فحمدت الله تعالى )
أما عن استقبال معلم البشرية صلى الله عليه وسلم لجرير فيقول عدي
بن حاتم رضي الله عنهما :
( لما دخل جرير على النبي صلى الله عليه وسلم ألقى له وسادة ، فجلس
على الأرض ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
" أشهد أنك لا تبغي علوا في الأرض ولا فسادا ، فأسلم "
ثم قال : " إذا أتاكم كريم قوم ، فأكرموه "
فكان لهذه الكلمات العظيمة أثر عظيم في نفس جرير رضي الله عنه ، وما زال
جرير رضي الله عنه يقطف من ثمراتها حتى لقي ربه.
¤§||[ محبة النبي له ]||§¤
يقول جرير رضي الله عنه :
( ما حجبني رسول الله منذ أسلمت ، ولا رآني إلا ضحك )
وتمر الأيام بعد إسلامه ، ويزداد النبي حبا له وثقة فيه يوما بعد يوم حتى
انه في يوم من الأيام كلفه بمهمة عظيمة لنشر الإسلام وإزالة الشرك وآثاره ،
فأرسله الى مكان باليمن يسمى ذو الخلصة فيه نصب من دون الله يقال
له : الكعبة.
فخرج جرير رضي الله عنه في خمسين ومائة فارس وكانوا أصحاب خيل ،
وكان جرير رضي الله عنه لا يثبت على الخيل ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم
فضرب يده على صدره وقال :
" اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا "
قال جرير رضي الله عنه : ( فما وقعت عن فرس بعد )
ثم أتاه فحرقه بالنار وكسره ، ثم اتجه الى رجل كان يستقسم بالأزلام
وقال له : ( لتكسرنها ولتشهدن أن لا إله إلا الله أو لأضربن عنقك )
فكسرها وشهد ، ثم أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبشره ، فدعا
لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة.
وظل جرير رضي الله عنه ملازما للحبيب صلى الله عليه وسلم ملازمة العين
لأختها ، فكان لا يفارقه في حله وترحاله ليقبس من هديه وعلمه وأخلاقه ،
يتمنى لو يفتدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وماله وبكل ما يملك.
فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم أظلمت الدنيا كلها في عين جرير رضي
الله عنه ، وضاقت عليه الأرض بما رحبت ، وعاش بعدها متأسيا برسول الله
صلى الله عليه وسلم ، مطيعا لخلفائه من بعده.
¤§||[ يوسف هذا الأمة ]||§¤
قال جرير رضي الله عنه :
( رآني عمر بن الخطاب متجردا ، فناداني :
خذ رداءك ، خذ رداءك
فأخذت ردائي ، ثم أقبلت على القوم ، فقلت : ما له ؟
قالوا : لما رآك متجردا ، قال :
ما أرى أحدا من الناس صور صورة هذا ، إلا ما ذكر من يوسف عليه السلام )
وروي أن عمر رضي الله عنه قال : ( جرير يوسف هذا الأمة )
وكذلك فإن جريرا رضي الله عنه مع ما أعطاه الله من جمال الخِلقة ، فقد
رزقه جمال الخُلق وكان يحب جبر الخواطر وتطييب النفوس ، ومراعاة مشاعر
الآخرين.
¤§||[ علمه ]||§¤
روى جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه بعض الأحاديث عن الرسول صلى
الله عليه وسلم ومنها :
- عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال :
كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال :
" إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم
أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا "
- وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم :
" من لا يرحم الناس لا يرحمه الله "
- وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال بايعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم .
- وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول : " من يحرم الرفق يحرم الخير كله "
- وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه
وسلم في حجة الوداع :
" استنصت الناس ثم قال لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض "
¤§||[ جهاده ]||§¤
ولأن إسلام جرير رضي الله عنه جاء متأخرا ، فقد كان يتوق دائما الى الشهادة
في سبيل الله جل وعلا ، فكان على ميمنة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
يوم القادسية.
وقال له عمر رضي الله عنه عند قتال الأعاجم في العراق :
( سر بقومك فما غلبت عليه فلك ربعه )
فلما جمعت الغنائم طلب ربعها ، فكتب سعد الى عمر رضي الله عنهما ،
فكتب عمر رضي الله عنه :
( صدق جرير ، فإن شاء فأعطه ، وان يكن إنما قاتل لله ولدينه وجنته ،
فهو رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم )
فلما أخبر جرير رضي الله عنه قال :
( صدق أمير المؤمنين ، لا حاجة لي بذلك ، أنا رجل من المسلمين )
واعتزل جرير رضي الله عنه الفتنة التي كانت بين علي ومعاوية رضي الله
عنهما فقال عنه علي رضي الله عنه :
( جرير منا أهل البيت ظهرا لبطن ، قالها ثلاثا )
¤§||[ وفاته ]||§¤
ظل جرير رضي الله عنه مستمسكا بهدي حبيبه النبي صلى الله عليه وسلم ،
حتى لقي ربه سنة إحدى وخمسين ، وقيل سنة أربع وخمسين متمنيا ما تمناه
يوسف الصديق عليه السلام ، ولسان حاله يناشد ربه :
(( أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين ))