عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء متفق عليه.
وجاء في رواية أخرى من حديث تميم الداري ومن حديث أبي هريرة -رضي الله عنهم-، أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: أول ما يحاسب العبد من أعماله يوم القيامة صلاته في حديث تميم، وفي حديث أبي هريرة أنه يبدأ بالصلاة، ثم الزكاة، ثم تؤخذ الأعمال على ذلك؛ يعني على هذا النحو، ثم يقال: انظروا هل لعبدي من تطوع.
اختلف العلماء في أيهما يبدأ: بالدماء أو بالمحاسبة على الصلاة ونحوها؟ الأظهر -والله أعلم- أن يقال: إن القضاء يكون في الدماء؛ يعني أول ما يبدأ في القضاء في الدماء، وأول المحاسبة في الصلاة ونحوها، فرق بين القضاء والمحاسبة، فعلى هذا يكون البداءة في حقوق العباد في أمر الدماء، أعظم حقوق العباد أمر الدماء فيبدأ بها، وكذلك حق الخالق سبحانه وتعالى أمر العبادات وشأنها، وشأن العبادات وأعظمها وأجلها شأنا وأعظمها خطرا الصلاة.
فلهذا هي أول ما يكون القضاء في حقوق العباد يكون في الدماء؛ لأن هذا أمر يتعلق بحقوق العباد، والمحاسبة تكون في حقوق الله -عز وجل- والمراد الخالصة، وإلا ما من أمر يأمر الله به أو نهي ينهي عنه سبحانه وتعالى إلا وله فيه حق؛ لكن المراد الحقوق الخالصة أو التي يغلظ فيها حقه سبحانه وتعالى، أو الحقوق التي يغلظ فيها حق العباد.
فأول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء؛ وذلك لأن حقوق العباد مبنية على المشاحة فابتدئ بها، وفي الصحيحين عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الله للخصومة يوم القيامة. يعني: في شأن بدر قتلى يوم بدر؛ لما قَتَلَ هو وأصحابه -رضي الله عنهم- لما وقعت مبارزة بينه وبين كفار قريش، وأنهم أهل الحق وخصومهم أهل الباطل، فأول من يجثو للخصام هو -رضي الله عنه- ومن معه؛ فيجثون للمخاصمة، وجاءت الأخبار في هذا الباب كثيرة تبين أمر الدماء وشدة أمر الدماء.