عندما كان الرسول الله صلّى الله عليه وسلّم يُبايع الأنصار بيعة العقبة الثانية. كان يجلس بين السبعين الّذين يتكوّن منهم وفدهم، شاب مشرق الوجه، رائع النّظرة، برّاق الثنايا، يبهر الأبصار بهدوئه وسمته. فإذا تحدّث ازدادت الأبصار انبهاراً..!!، ذلك كان معاذ بن جبل رضي الله عنه. وهو من الأنصار، بايع يوم العقبة الثانية، فصار من السّابقين الأوّلين.
رجل لا يتخَلَّف عن رسول الله عليه الصّلاة والسّلام في مشهد ولا في غزوة، وبلغ من الفقه والعِلم المدى الّذي جعله أهلاً لقول الرّسول الكريم عنه ''أعلم أمّتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل''. وكان رضي الله عنه شبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في استنارة عقله وشجاعة ذكائه. سأله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين وجّهه إلى اليمن: ''بما تقضي يا معاذ؟'' فأجابه قائلاً: ''بكتاب الله''. قال رسول الله: ''فإن لم تجد في كتاب الله''؟ قال: ''أقضي بسُنّة رسوله''. قال رسول الله: ''فإن لم تجد في سُنّة رسوله''؟ قال معاذ: ''أجتَهِد رأيي، ولا آلوا''. فتهلَّل وجه رسول الله وقال: ''الحمد لله الّذي وفّق رسول الله لِمَا يُرضي رسول الله''.
لقد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يستثيره كثيراً، وكان يقول في بعض المَوَاطِن الّتي يستعين بها برأي معاذ وفقهه: ''لوْلا معاذ بن جبل لهَلَك عكر''.
ومات سيّدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه في خلافة سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يجاوز من العمر ثلاثاً وثلاثين سنة.