نزول سورة (براءة)
وفي سنة تسع من الهجرة النبوية المباركة نزلت على رسول اللّه (ص) سورة براءة واُمر بإبلاغها على المشركين، فدفعها (ص) إلى أبي بكر لينبذ بها عهد المشركين، فلما سار غير بعيد نزل جبرئيل (ع) على رسول اللّه (ص) وقال: إن اللّه يقرئك السلام ويقول لك: لا يؤدّي عنك إلا أنت أو رجل منك.
فاستدعى رسول اللّه (ص) عليّاً (ع) وقال له: اركب ناقتي العضباء وألحق أبابكر، فخذ براءة من يده وامض بها إلى مكة وانبذ بها عهد المشركين إليهم.
فركب علي (ع) ناقة رسول اللّه (ص) العضباء وسار حتى لحق بأبي بكر وأخذ منه براءة، فرجع أبو بكر إلى المدينة، فلما دخل على رسول اللّه (ص) قال: يا رسول اللّه انك أهّلتني لأمر طالت الأعناق إليه، فلما توجّهت له رددتني عنه، مالي أنزل فيّ قرآن؟
فقال له رسول اللّه (ص): ان الأمين جبرئيل هبط إليّ عن اللّه عزّ وجل يقول: بأنه لا يؤدّي عنك إلا أنت أو رجل منك، وعلي (ع) منّي، ولا يؤدّي عني إلا علي (ع).
ثم انّ علياً (ع) سار ببراءة حتى أذّن بها بعرفة والمزدلفة ويوم النحر عند الجمار، وفي أيام التشريق، فكان هو المؤذّن، أذّن بأذان اللّه ورسوله يوم الحجّ الأكبر في المواقف كلها، وكان ما نادى به: ألا لا يطوف بالبيت بعد هذا العام عريان، ولا يقرب المسجد الحرام بعد هذا العام مشرك، ومن كان له عهد فإلى مدّته، ومن لم يكن له عهد فإلى أربعة أشهر، ويحتج بقوله تعالى: (براءة من اللّه ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر)(1).
ولما دخل مكة اخترط سيفه وقال: واللّه لا يطوف بالبيت عريان إلا ضربته بالسيف، حتى ألبسهم الثياب فطافوا وعليهم الثياب، وكان الطواف بالبيت عرياناً مما قد تعارف في الجاهلية، فاستساغوه مع ما عليه من القبح والهتك لحرم اللّه سبحــانه وتعالى، ولذلك نزلت براءة بكل قاطعية ونفّذها علي (ع) بلا تهاون حتى استطاع قلع الناس عنه.