هو كيروس
أما من ناحية المعنى هناك طرقٌ مختلفة للنسبة، فى مختلف اللغات. ففى اللغة العربية، إذا أردنا أن ننسب شخصاً إلى بلدةٍ ما، أو إلى أىِّ شىءٍ آخر نريد أن ننسبه إليه. نأتى بالحرف المسمَّى (ياء النسبة) ونلحقه بآخر المنسوب إليه، فنقول مثلاً: فلان «القاهرىّ» وفلان «السكندرىّ= الإسكندرانىّ» وفلان «الدمشقىّ» أو «الحلبىّ» أو مثل ذلك ..
وقد ننسب بهذه الياء إلى جماعة، فنقول: العباسىّ، القرشىّ، الأموىّ، العثمانىّ، أو مثل ذلك.. وقد ننسب بها إلى مذهبٍ فقهىٍّ أو عقائدى، فنقول: الحنبلىّ، الشافعىّ، المالكىّ، الشيعىّ، السنىّ، الإباضىّ.. إلخ.
وفى اللغة التركية، تلحق بالمنسوب إليه لفظةُ (جى) فإذا أرادوا نسبة الرجل إلى عربة (الكارو) قالوا: عربجى. وإذا كان مسؤولاً عن قلعة، فهو قلعجى. وإذا كان يعمل فى بيتٍ للدعارة، فهو كَرَخَانجى (قَرَا خان= المحل الأسود) وإذا كان هذا الشخص يقوم بالحملات ويُلقى البلاء على البسطاء، فهو حَمْلجى (حملة جى) وإذا كان يصنع الحلوى فهو حلوجى.. وقد ينسبون بإلحاق اللام والياء بآخر الكلمة، فيقولون: شربتلى (صانع الشراب) قوَّتلى، غُندقلى.. إلخ.
أما فى اللغة المصرية القديمة، التى تطورت كثيراً حتى وصلت إلى المرحلة التاريخية التى سبقت، وتزامنت، مع (دخول) المسلمين إلى مصر بقيادة عمرو بن العاص. وهى اللغة المسماة اليوم، بشكل سبهللى غير دقيق: اللغة القبطية (بالمناسبة: سبهللة كلمةٌ عربيةٌ فصيحةٌ)..
فإن النسبة فى هذه اللغة تأتى على نحوٍ خاص، هو إلحاق لفظة «امْ» بأول الكلمة المنسوب إليها.
ومن هنا، صار اسم هذا الرجل الذى وفد إلى مصر من الجهة المسماة بالعربية «القوقاز» وهى الجهة التى يُنطق اسمها باليونانية واللاتينية «قَوْقس» صار اسمه فى اللغة الدارجة بمصر آنذاك (امِّقوْقس) ونطقه العرب (المقوقس) أى القوقازى..
ومن لهجات العرب خصوصاً أهل اليمن، التعريف بالألف والميم بدلاً من الألف واللام، وقد خاطب النبىُّ جماعةً من أهل حِمْـيَر، وفدوا عليه وهم صائمون أثناء سفرهم قائلاً: ليس من امْبرِّ امْصيام فى امْسفر (= ليس من البر الصيام فى السفر).. وهو حديثٌ نبوى صحيحٌ.
إذن، المقوقسُ هو النطق العربىُّ للكلمة المصرية القديمة (تجاوزاً: القبطية) التى شاعت فى زمن الدخول الإسلامى مصر، كلقبٍ أو نسبة لهذا الأسقف/ الحاكم الذى هو فى الأصل من بلدة «فاسيس» بالقوقاز. واسمه الأصلى «كيرس» أو «قيُرس» أو «سيروس» وهو اسم كان شائعاً فى العالم المسيحى فى ذاك الزمان.. فما الذى جاء بهذا الرجل ليحكم مصر؟ القصةُ طويلةٌ، ولسوف نوجزها فيما يلى بقدر المستطاع.