ان هذا الموضوع اعجبني اردت نقله للفائدة و شكرا
الزيادة السُّكَّانية:
"الزيادة" لغة: استحداثُ أمْر لَم يكنْ موجودًا في الشيء.
وقال الراغب: "الزِّيادة": أن ينضم إلى ما عليه الشيء في نفسه شيءٌ آخَر، يقال: زدته فازداد، وقوله - تعالى -: ﴿ وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ﴾ [يوسف: 65]، نحو: ازددتُ فضلاً؛ أي: ازداد فضلي، وهو مِن باب (سَفِه نفسه).
اصطلاحًا: هي معدَّل النمو السُّكَّاني خلالَ فترة زمنيَّة معيَّنة - سنة مثلاً.
إنَّ جزءًا من هذه الزِّيادة ينشأ بسبب الزِّيادة في عدد المواليد أكثر من زيادة عدد الوفيات، وهو ما يُسمَّى بـ: معدَّل الزيادة الطبيعيَّة، وهو يختلف عن الزِّيادة الناتجة عن الهِجرة[1].
ب- معنى التنمية:
"التنمية" بالمعْنى المعاصر يُقصد بها: زيادة الموارِد عن طريق كثرة الإنتاج، وتقليل النفقات، ويُستخدم هذا المصطلحُ كثيرًا في الدِّراسات الاقتصاديَّة، كما يُستخدم بصورة أكثر تحديدًا عن طريق ربْطها بالمجالات المختلفة، كمصطلح التنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، والسياسيَّة والزراعيَّة.
والتنمية يجب أن تكونَ تنميةً متواصِلةً ومستمرَّة، يستفيد منها الأجيالُ المقبلة، وهي عملية حضاريَّة تمثِّل نقلة جذرية في الشَّكْل والمضمون على المجتمع ككلٍّ، وليستْ فئة معيَّنة به، وهذه العمليَّة الحضاريَّة تمتدُّ إلى كلِّ المجالات؛ مثل: الاقتصاد والسياسة، والإدارة والثقافة[2].
• الزيادة السُّكَّانية ليستْ عائقًا أمامَ التنمية والتقدم، شهد شاهد من أهل الغرب!
تنطلق ثُلَّةٌ من الباحثين المتخصِّصين في الدِّراسات السُّكَّانية في الغرْب من مقاربةٍ ترتكز على أنَّ النمو الديموغرافي عنصرٌ منشِّطٌ للتنمية؛ إذ يرى هؤلاء أنَّ فتراتِ الرَّخاء تكون مصحوبةً دائمًا بارتفاع في عدد السكَّان، وهكذا سجَّلت أيرلندا في القرن التاسع عشر تدهورًا اقتصاديًّا نتيجةَ انخفاض سكَّانها.
وقد أكَّد علماءُ الاقتصاد منذ وقت طويل أهميةَ تنمية الموارد البشرية في تحقيق النموِّ الاقتصادي، حيث ذكر "آدم سميث A. SMITH" في كتابه الشهير "ثروة الأمم": أنَّ كافَّة القدرات المكتسَبة والنافِعة لدَى سائر أعضاء المجتمع تُعتبر ركنًا أساسيًّا في مفهوم رأس المال الثابِت.
حقيقةً إنَّ اكتساب القدرة أثناءَ التعلم يُكلِّف نفقاتٍ مالية، ومع ذلك تُعدُّ هذه المواهب جزءًا هامًّا من ثروة الفرْد التي تشكِّل بدورها جزءًا رئيسًا من ثروة المجتمع الذي ينتمي إليه.
كما أكَّد "الفريد مارشال A. MARSHALL" أهميةَ الاستثمار في رأس المال البشري، باعتباره استثمارًا وطنيًّا، وفي رأيه أنَّ أعْلى أنواع رأس المال قيمةً هو رأسُ المال الذي يستثمر في الإنسان؛ إذ عن طريق الإنسان تتقدَّم الأمم، والاقتصاد ذاته ذو قِيمة محدودة، إن لم يستغلَّ في سبيل التقدُّم، وذلك عن طريق القُوى البشرية التي تحوِّل الثروات من مجرَّد كميَّات نوعية، إلى طاقات تكنولوجية متنوِّعة تحقِّق التقدُّمَ المنشود.
وكتب الاقتصاديُّ الفَرنسي ريمون بار الفرنسي R.BARRE: "إنَّ التزايد السكاني يُرغم الأمَّةَ على التقدُّم".
• ومنهم أيضًا "ألبرت هيرشمان"، و"كلارك" و"بوسرب"، الذين يرَوْن أنَّه من الخطأ اعتبار الزيادة المطَّردة في السكَّان بالنسبة إلى الدول عائقًا للعملية التنمويَّة، بل يرَوْن أنَّ هذه الزيادةَ تعمل على إيجاد قوَّة ضاغِطة، تؤدِّي إلى مضاعفة الجُهْد من قِبل السكَّان أنفسِهم لتحسين مستوياتهم المعيشيَّة، ممَّا يُسرع العملية التنمويَّة.
• يُعتبر الاقتصاديُّ الأسترالي "كولين كلارك" مِن الأوائل الذين لاحظوا أنَّ المعطيات الواقعيةَ والميدانيةَ لا تؤكِّد أطروحةَ العلاقة السلبيَّة بيْن النموِّ الديموغرافي والنمو الاقتصادي، ويرى أنَّ العلاقة بين ارْتفاع الدَّخْل الفردي والزيادة في عدد السُّكَّان علاقة إيجابيَّة.
• أما "جوليان سيمون" فَقَدْ عدَّد مجموعةً من الأدلَّة لصالح النموِّ الديموغرافي، الذي يرى فيه عملاً قويًّا يُساعد في حلِّ المشكلات الإنسانية، فهو يرى أنَّ إبداع الإنسان يمثِّل المورد الوحيد الذي يُمكنه أن يحلَّ ويحد مِن مشكلة نُدرة الموارد الأخرى.
• ففي سنة 1986، مَوَّلتِ الأكاديميَّة الوطنيَّة للعلوم في الولايات المتحدة الأمريكية دراسةً حولَ السكَّان والتنمية، وقامتْ بتحليل سلسلة مِن التصريحات حولَ الآثار السلبيَّة للنمو الديموغرافي، فوجدتْ أنَّه على العموم ليستْ هناك أدلَّة واقعية تساندها.
ويأتي العالِمُ الديمغرافي الألماني "هيرفينغ بيرغ" على رأس الخُبراء المتحمِّسين للتكاثر والتناسل بيْن الأوروبيين عمومًا، والألمان خصوصًا، وله في ذلك مؤلَّفات مثيرة، حقَّقتْ أرقامًا قياسيَّة في المبيعات، منها كتاب "المنعطف الديمغرافي" الصادر سنة 2001، وكتاب "الجيل الذي ضاع" الصادر سنة 2005.
ويؤكد "بيرغ" في كتاباته أنَّ القرن الـ21 يتميَّز "بثورة ديموغرافية لا سابقَ لها بالنسبة للنَّوْع البشري"، والبروفيسور "بيرغ" ليس مِن النَّوْع الذي يلقي بالأحكام السوداوية جزافًا، بل يؤيِّد كلَّ ما يقول بالمعطيات الإحصائيَّة، والمعادلات الرِّياضية.
فعندما يتحدَّث عن "ثورة المعامل د"؛ أي: المعامل الديمغرافية، يقصد بذلك شيئًا ملموسًا جدًّا، خلال هذا القرن الذي لا يزال في بدايته، ستكون أوروبا هي القارةَ الوحيدة التي يُسجَّل بها انخفاضٌ ديموغرافي، ليس مذهلاً فقط، ولكنَّه قطعي وطويل المدى.
وهذه بعضُ الأرْقام المدققة الدالَّة على هذا الأمر، ففي سَنة 1950 كان سكَّان أوروبا يمثِّلون حوالي 25 % من سكَّان العالَم، واليوم هوتْ هذه النسبة إلى 11 %، وستزداد تردِّيًا في عام 2050 لتصلَ إلى 7 % فقط[3].
قال أحد ساسة الهند - معلِّقًا على أزمة السكَّان والغذاء في الخمسينيات -: "إنَّ الثورة الخضراء سوف تتفوَّق على الانفجار الديموغرافي، وتخفِّف من مأساة الغذاء".
• النمو الديمغرافي وجدليَّة التخلُّف والتنمية:
"إنَّ تقسيم العالَم إلى شمال وجنوب هو في الأساس تقسيمٌ اقتصاديٌّ، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنِّظام الاقتصادي العالمي، الذي يتكوَّن مِن دول المركَز الرأسمالية الصناعيَّة، والتي تُحقِّق تقدُّمها ورفاهيتها على حِساب استغلال وإفقار وتخلف الأطراف (دول الجنوب) في هذا النِّظام.
فالدول الاستعماريَّة التي كانتْ ولا زالتْ تَنهبُ وتَستغلُّ ثرواتِ وخيراتِ الشعوب، تحاول فرْضَ إرادتها وهيمنتها على العالَم من خلال الإبقاءِ على النِّظام الاقتصادي العالمي"[4].
سيطرتِ المفاهيمُ الغربيَّة، وسادتْ على الثقافة الإسلاميَّة كنتيجة طبيعية لحال التبعيَّة، التي تحياها معظمُ الدول الإسلامية، ومنها: تفسير "المشكلة الاقتصادية" على أنَّها مشكلة النُّدْرة، فتتعدَّد حاجاتُ الإنسان المادية، وتنمو نموَّها المطَّرد عبرَ الزمان والمكان مقابل نُدرةِ الثَّروات الطبيعية في جوْف الأرْض المحدودة، والكفيلة بإشباع تلك الحاجات، وبما يُطلق عليه "شح الطبيعة"، ويصوِّرون الإنسانَ على أنَّه في صِراعٍ معها على البَقاء.
الحقائق تدحض هذه الدعوة، فالإنسان لا يزرع إلاَّ أقلَّ مِن نصف الأراضي الصالِحة للزراعة في العالَم، وفي بعض الدول المتخلِّفة لا يصل إلى الخُمس، فهل هذه - حقًّا - مشكلةُ الندرة في الموارد، كما يحلو للغَرْب أن يفسِّر المشكلة الاقتصادية؟ أم في استغلال الموارد المتاحة (النِّعم بالمفهوم الإسلامي)؟[5]
سأضِرب مثالاً ينفي أنَّ فكرة ازدياد عدد السكَّان لا تُمثِّل مشكلةً وعائقًا لتحقيق التنمية الشاملة:
نجد أنَّ اليابان جُزُرٌ بُركانيَّة تبلغ مساحتُها ثُلُثَ مساحة مصر، ويبلغ عدد سكَّانها ضِعفَ سكَّان مصر، وهي تستورد المواد الخامَّ حتى البترول، وعلى الرّغم مِن ذلك نجدها في مقدِّمة الدول الصناعيَّة، بل تكاد تكون الدولةَ الاقتصاديَّة الأولى في العالَم!
وتبلغ مساحةُ السودان رُبُعَ مساحة أوروبا، ويبلغ عددُ سكَّانه 3 % من عدد سكَّان أوروبا؛ أي: إنَّ كثافة أوروبا أكبرُ بكثير من كثافة السودان الغنيِّ بالثروات الطبيعيَّة، وعلى الرغم مِن ذلك كلِّه نجد أنَّ المشكلة الاقتصاديَّة تتفاقم في السودان، وليس في أوروبا!
أمَّا الصين - التي تُعتبر دولةً عُظمى - فمساحتها تبلغ 9 مليون كيلو متر مربَّع، ويبلغ عددُ سكَّانها مليارًا و300 مليون نسمة تقريبًا؛ أي: إنَّ مساحةَ الصين تقلُّ عن مساحة العالَم العربي بما يقارب الـ 5 مليون كيلو مترٍ مربَّع، ويزيد عددُ سكَّانها عن العالم العربي بما يقارب مليار نسمة.
وتبلغ مساحة الولايات المتحدة 9 مليون كيلو متر مربع، ويعيش فيها عددٌ من السكَّان يقارب عددَ سكَّان العالَم العربي، وعلى الرغم مِن ذلك لا تزال بحاجةٍ للهجرات التي تُرْفِد تطورَها وتصنيعَها.
بذلك يتَّضح أنَّ المشكلة الاقتصاديَّة لا علاقة لها بالكثافة السكانيَّة.
فأين تكمن المشكلة إذًا؟
تكمُن حقيقةُ المشكلة الاقتصاديَّة في الإنسان: في درجة وعيه، وفي حقيقة فعاليته.
إنَّ معدَّل ساعات العمل للفرْد الواحد في اليابان على مدار السَّنَة هو سَبْع ساعات في اليوم، في المقابل نجد أنَّ المعدَّل في مصر هو أقلُّ مِن ربع ساعة!
إذا عرَفْنا ذلك، ندرك أنَّ المشكلة في مصر لا تكْمُن في عدد السكَّان، بل في واقع الإنسان، فكيف لا يكون هناك مشكلةٌ اقتصاديَّة وسكانيَّة، في الوقت الذي تعادل فيه فعالية اليابانيِّ الواحد فعالية 28 مصريًّا؟![6]
حتى تتمكَّنَ الشُّعوب العربيَّة والإسلامية مِن استغلال مواردها، لا بدَّ لها مِن نشْر الوعي، وتفعيل الأفراد، وزِيادة عددِ السكَّان، ويُطلب ذلك على وجه الخصوص عندما نكون معنيِّين بالنهوض العِلمي، وبالتطوُّر التكنولوجيِّ، وبالتصنيع الثقيل.
مِن هنا نرى أنَّ الحلَّ لا يكمن في الحدِّ مِن النسْل، بل يكمن في تفعيل الإنسان، وفي الارتقاء بوعيه.
إنَّ الحدَّ من النسْل لا يحلُّ المشكلة إذا لم يتغيَّر الإنسان، وستبقَى الموارد والثروات نهبًا للأمم الغربيَّة، وسيكتشف العربُ أنَّ وجودهم يكون مهددًا إذا ما بَقيتِ الكثافة السكانيَّة على ضآلتها مقارنةً بالدول المتقدِّمة.
إذًا المشكلة تعود إلى ما يلي:
• التخلِّي عن المنهج الإسلامي في التنمية، (البُعْد عن تطبيق شرْع الله: العدل في الأعطية، غياب تكافؤ الفُرَص، تهريب أموال المسلمين إلى البلدان الغربية دون الاستفادة منها، الانصياع لأحكام الغَرْب الكافر رغمَ مخالفتها لقِيَمنا الإسلامية الثابتة).
• النِّظام الاقتصادي الإسلامي نظامٌ أخلاقي تربوي.
• الرِّبا هو إيدز الاقتصاد المعاصر.
• التنمية البشريَّة أهمُّ عناصر التنمية الاقتصادية في الفِكر الإسلامي، فالبرامج التنموية المستقاة مِن الغَرْب - كما يرى أغلبُ الاقتصاديِّين - ليستْ تنميةً بقَدْر ما هي تنميةٌ للتخلُّف، وتكريس له؛ فقد زادتْ مشكلة التخلُّف، بل تفرَّع عنها الكثيرُ من المشكلات، مثل: زيادة البطالة واستفحالها، تضخُّم حجم المديونية الخارجية، ضعْف الإنتاجية.
فأغْلبُ البرامج التنمويَّة تُركِّز على الجوانب الماديَّة، وتهمِّش الإنسان - باعتباره محور التنمية وقُطْب الرَّحَى في العملية.
• فالعمارات الفارهة، والطرق السيَّارة، التي تتزيَّن بها البلدان المتخلِّفة، لا يعني البتةَ أنَّنا في عُمْق التنمية.
سوء استغلال الموارد:
فالعالَم الإسلاميُّ يمتلك أراضي شاسعةً صالحةً للزراعة والعمارة، ويمتلك مخزونًا كبيرًا من المياه، ويزخر بالمواردِ والإمكانات، التي لا تُعدُّ ولا تُحصى.
فمِن غير الصحيح إطلاقُ أبواق تحديد النَّسْل؛ إذ ليس هناك أيُّ موجِب لهذا العمل، فالبلاد الإسلامية تزخَر بثروات هائلة، زراعية ومعدنية ونفطية، لكن إلى أين تذهب هذه الموارد؟ ولماذا تُجمَّد تلك الثروات؟
كَالْعِيسِ فِي الْبَيْداءِ يَقْتُلُهَا الظَّمَا
وَالمَاءُ فَوْقَ ظُهُورِهَا مَحْمُولُ
ولسنا بحاجة إلى التأكيد على أنَّ الأزمة الغِذائيَّة والاقتصاديَّة بشكل أعمَّ هي أحدُ منعكسات أنظمة الاستبداد والظلم الاجتماعي، التي ساهمتْ في طرد العقول - كما سنرى لاحقًا - والسواعِد والخِبرات والأموال، ويَكفي أن نقول: إنَّ رؤوس الأموال العربية المستثمَرة في الخارج وصلتْ إلى حدود 850 مليار دولار، هذا في إطار الأموال.
أمَّا في مجال هِجرة العقول والسواعِد والخِبرات، فحدِّثْ ولا حرج، فمِن أين تتحقَّق التنمية؟ وكيف تُعالج الأزمة؟! [7]
ففي فرنسا تدفع الدولةُ ما مقداره دولاران في اليوم لكلِّ مزارِع عن كلِّ بقرة، بينما نحن في العالَم الإسلامي يُقدَّم الدعم في حملات انتخابيَّة تُسفِر - في الغالب - عن فوْز أشخاصٍ هدفُهم تحقيق مآربهم الشخصية!!
ويقدم الدَّعْم لمهرجانات غِنائيَّة تستضيف ساقطاتِ العالَم العربي والغربي، تُثير غرائزَ الشباب التائه، الغارِق في أتُّون العطالة بأنواعها!
يُقدَّم الدعم لأنشطة رياضيَّة تافِهة، تَزيد الأمَّة الإسلامية تِيهًا على تِيه! يُقدَّم الدَّعْم لقنوات فضائيَّة فاضحة!!
وهذا ليس تشفيًا، ولكنَّه تشخيص للوضْع المزرِي والمتأزِّم، الذي تكرسه العقليةُ الضيِّقة على نفسها؛ لإيقاظِ القلوب الغافلة، والتفكير الجدي في إيجاد حلولٍ استعجاليَّة تحدُّ وتقطع الطريق على المفسدين والنرجسيين.
فالأرْض فسيحة واسعة، إنما تَضيق على أصحاب الهِمم الدنيئة!